بين الواقفين أمام بوابة الرعاية الحرجة فى مستشفى معهد ناصر، كان ماهر سلام، يقطع المكان جيئة وذهاباً، وعلى وجهه بدت آيات القلق واضحة على ما أصاب ابن عمه عاطف زكى، صاحب ال57 عاماً الذى شاء القدر أن يكون من بين مصابى الحادث، فهو يعمل فنى تكييف بالسكة الحديد، وكان ينتظر موعد قيام القطار رقم 911 المتّجه إلى مدينة الإسكندرية، حيث رحلته القادمة، إلا أن الانفجار لم يمهله للقيام بذلك، بعد أن دوى صوت ارتعد له كل من فى المحطة والتهمت بعده النيران المكان، وأخذت معها أجساد الواقفين، ومن بينهم «عاطف». «أشرف»: «أول ما دخلت المستشفى ماعرفتش زميلى من كتر ما وشه اتبهدل».. وزوجته: «ده مريض ضغط مش هاطمن غير لما يخرج بالسلامة» سمع «ماهر» بإصابة ابن عمه عن طريق زملائه فى العمل، ليأتى من مدينة قويسنا فى محافظة المنوفية، حيث مقر سكنهم، مصطحباً معه زوجة «عاطف».يستمع «ماهر» إلى رواية أشرف غريب، أحد زملاء عاطف، الذى شاهد الحادث وقت وقوعه: «الحادث حصل فى لحظة، بعدها نزلنا ندور على عاطف زميلنا مالقيناش غير بطاقته وافتكرناه مات». لم يجد «أشرف» جثة صديقه «عاطف» بين المتوفين، مما جعل الأمل يتسرّب إليه، ليأتيه هاتف من أحد زملائه من مستشفى السكة الحديد يخبره بأن «عاطف» ما زال حياً ويتلقى العلاج، ليتّجه على الفور إلى هناك: «أول ما دخلت ماعرفتوش من كتر ما وشه اتبهدل، وبعد ما ركزت فيه شوية عرفته». إسعافات أولية تلقاها «عاطف» فى مستشفى السكة الحديد، لينتقل بعد ذلك إلى معهد ناصر رفقة «أشرف» لاستكمال العلاج.يتقاضى «عاطف» راتباً لا يتخطى 3500 جنيه، وهو ما أبدى «أشرف» بسببه تخوّفه فى حالة عجز زميله عن العمل بسبب إصابته: «معاشنا مابيكملش ألف جنيه، وربنا يستر ويقوم بالسلامة علشان مايتبهدلش بعد كده».تتكئ سحر صبحى، زوجة «عاطف»، على الحائط المجاور لغرفة العناية المركزة بالمستشفى، حيث يرقد زوجها، متمتمة بالدعاء له بالشفاء. «هدى»: «حاسة إنى شامة ريحة جسم الناس اللى اتحرقت لحد دلوقتى».. و«محمد» بعد العثور على والدته: «كنا خايفين لتكون مصابة بحروق» قدماها ترتجفان من هول الصدمة «هو اللى ليّا بعد ربنا.. أنا والعيال مالناش غيره».. تروى «سحر» أنها علمت بالحادث بعد ساعة من حدوثه، عن طريق اتصال هاتفى من أشقاء زوجها، لتُهرول مسرعة بعباءتها السوداء من منزلها إلى «معهد ناصر» بصحبة نجلها الأكبر صاحب ال23 عاماً، تاركة ابنتيها، 21 و18 سنة، بالبيت.«مخلص وأمين ومتفانى فى عمله».. خصال ثلاث نعتت بها «سحر» زوجها الخمسينى، يحاول أصدقاء «عاطف» أن يهوّنوا الصدمة على الزوجة، فيقولون إن إصابة زوجها لا تتجاوز بعض الجروح والحروق غير العميقة بيديه، فترد عليهم: «ده مريض ضغط، مش هاطمن غير لما يخرج بالسلامة». من داخل إحدى الغرف بمستشفى الهلال، جلست هدى شعبان، 54 عاماً، إحدى المصابات، تقول إنها توجّهت صباحاً إلى محطة قطار السكة الحديد برمسيس، وخلال وجودها على الرصيف فى طريقها للقطار المتجه إلى الإسكندرية، سمعت انفجاراً هائلاً وموجة نيران كبيرة تأتى باتجاهها ويخرج من أسفلها مواطنون محترقون، مشيرة إلى أنها أصيبت بحالة من الذعر، خاصة بعدما وقع أمامها أشخاص توفوا من شدة احتراقهم، وفقدت الوعى من هول المنظر، وتضيف: «أنا فوقت وأنا باصرخ فى المستشفى، ولقيت الناس عمّالين يهدّونى، وحاسة إنى شامة ريحة جسم الناس اللى اتحرقت لحد دلوقتى». وتابعت أنها وجدت ابنتها «أمل» إلى جوارها بالمستشفى، والتى أكدت ضرورة خروجها وعدم الانتظار داخل المستشفى، وأنها أصيبت فقط بصدمة عصبية ولن تصيبها النيران، جراء الانفجار معلقة وهى تبكى بشدة: «عمرى ما هانسى المشهد ده، كأنه جهنم فى يوم القيامة، ومش هاقدر أنسى الناس وهما بيرفرفوا وبيتحرقوا».وأضاف نجلها محمود عادل، أنه فور سماعه خبر إصابة والدته توجّه مسرعاً إلى مستشفى الهلال، قائلاً: «كنا خايفين عليها لتكون من ضمن الناس اللى اتصابت بالنيران». وقالت ابنتها أمل عادل، إن والدتها لم تصب بأى نيران، لأنها كانت بعيدة عن خزان الوقود المحترق، وأنها دخلت فى نوبة صراخ مستمر، وأصرت على الخروج رغم توصية الأطباء بضرورة ملاحظتها يوماً كاملاً.وأمام بوابة دخول رقم 2 لمستشفى السكة الحديد، وقفت هدى عبدالوهاب، 50 عاماً، تعمل موظفة بحى شبرا، مع والدتها وأشقائها الثلاثة للاطمئنان على ابن خالها «إسماعيل»، ذى ال40 عاماً، وتقول وهى تبكى: «جالنا تليفون الصبح من المستشفى، قالوا لنا قريبكم موجود واتصاب فى حادثة المحطة، وتعالوا شوفوه»، موضحة أن «إسماعيل» له 7 أولاد، وأنه من محافظة المنوفية، ويعمل كمسارى بالمحطة، وكان موجوداً على الرصيف أثناء الواقعة، وتضيف: «هو كان فى شغله عادى واتصاب ودلوقتى الدكاترة قالوا لنا إن عنده حروق فى إيده ووشه، وحالته تستدعى الانتقال إلى معهد ناصر، وإحنا هنروح له على هناك».