يسرّب إليها المعلومات ببطء شديد وكأنه يستمتع بحالتها وعصبيتها.. - أنا بقالي إسبوع راسي هاتشت؛ وحاسس إن أخوكي مش هيوافق، وعمّال أحسب وأكتب وأعيد وأزيد إزاي هاقنعه إني أستاهلك وإنه مش هيلاقي حد يخاف عليكي ويحميكي قدي.. يقوم يسيب كل اللي قاعد أحسبله ويمسك في الشرطين دول. - على أساس إن أنا كده فهمت!.. تضع باقي قطعة كرواسون كانت لا تزال تتناوله في غضب باد. أرجأ ظهره للخلف وسرح في سقف المطعم، وكأنه يستدعى مشهدًا من الذاكرة ليرويه لها تفصيلًا: - أنا متصالح مع أبويا من سنتين انتبهت أميرة وتبتسم وتلمع دمعة في عينيها.. ويكمل: "في مرة كنت نازل البلد أجيب طلبات للجماعة، وأزور قبر جدتي ولما وصلت المقابر لقيته هناك؛ كانت رغم كل شىء أغلى إنسانة عندنا إحنا الاتنين.. لما شافني مسكني من كتف الجلابية وهزني زي السوابق - عاجبك اللي إنت فيه ده - أنا باخدم ربنا - شى لله يا خدّام؛ ورحمة غالية، جدتي التي كنا نناديها لندللها بلا ألقاب، إنت مصدّق نفسك؟. لحظتها تراجعت كل قوى العناد وقرّبت منه عشان اشم ريحته واشبع منه، لكن كبري اللي رباني عليه مسابنيش - إنت مخلّف راجل مش بهيمة؛ وحتى البهايم ما بيغصبوهاش على وليفها - والنبي إنت حمار؛ و الكلمتين اللي قريتهم خربولك المخروبة اللي فوق كتافك دي معمّروهاش.. بت عمك وأخت مرات أخوك، يعني نص مال عمك كبشة واحدة يا قفل - إنت عارف إن الفلوس.. قاطعني - مش كل حاجة وما تهمنيش وما بتعملش راجل وبلا أزرق وأبصر وما أدرك.. إنت اتولدت ف بقك معلقة دهب يا جلف، ولازم تفضل محافظ عليها دهب، لو بقت فضة حتى هاتغيّر طعم الأكل ف بقّك! - لكن يابا اتغصب على فرشة؟ دول بطّلوا يعملوها في البنات! - النسوان كلهم واحد وإنت سيد العارفين.. ماعون وفرشة ولقمة سخنة ومتشكرين - ده ف سنة كام الكلام ده - يعني إنت بني آدم وأنا وأخوك الكبير تيران؟ - انتوا مبسوطين.. وأنا كمان عايز أبقى مبسوط - إنت حر! قالها مبتسما لأول مرة منذ سنوات.. ويحكى علاء لأميرته أنه لم يرد أن يطلق لخياله خيال التحليق في تفسير هذه ال"إنت حر" ذات البسمة؛ فبادره: - قصدك إيه - عقلك ف راسك؛ مانيش غاصبك على حاجة، بس ما ترجعش تعيط.. المهم ما شوفكش بالمنظر ده. ويحكي لها من جديد كيف اختلطت يومها داخله كل مشاعر الود والاحترام والحنق والضيق، وظهرت كلها على وجهه وقطع والده صمته، في محاولة اختيار كلمات تناسب مفاجأته، بأن ضمه إلى صدره كسابقة لا يذكر لها أختا في مجال وعيه. - إنت وأخوك ضهري ودراعي.. وأنا اللي محتاجلكوا مش إنتوا اللي محتاجنلي يا بأف.. جتك البلا فيك وف دقنك! - كل حاجة هاتخلص.. أوعدك يابا - كل شىء ها ينتهي لحاله.. ارجع معاي ع البيت واعتبر كل شىء انتهى - ماهينفعش يا حاج.. إنت ما تعرفهمش - إنت اللي متعرفهمش يا متعلم يا بتاع الجامعة.. ولا جامعة إيه بقى ما خلاص.. يا بتاع الجماعة! - معلش؛ سيبني على راحتي النهاردة - غور.. تيجي بالسلامة! يقول لها إنه أنهى قراءة "الربع" الذي اعتاد قرائته لجدته وغادر، بعد أن غادر والده وحارسيه واتجه إلى أحد الطرق الجبلية التي يصعدها بالتريسيكل، الذي أعطوه له لينهى مشاوير خدمتهم و يعود إليهم سريعًا، إلا أنه ما كاد يقترب من الكهف الذي تتخذه الجماعة مقرًا لها، حتى سمع دوس سيارات شرطة وإسعاف صاخبة ثم عدد لا نهائي من طلقات الرصاص وقنابل الغاز. وفي أثناء اقترابه يبرز من تحت الأرض أمين شرطة يألف وجهه جيدًا، فقد كان يتردد كثيرًا على والده، ويثنيه عن الصعود ومواصلة طريقة بجملة مقتضبة: - ارجع يا علاء بيه وكن عند الباشا حبة.. المرة دي محدش ها يخرج منها سليم!. ويفهم علاء ما يدور بحدسه ويعود للقرية، حيث تناثرت أنباء عن تورط الجماعة في عدة عمليات مسلسلة استهدفت محال وأماكن تجمع للسائحين بشرم الشيخ ودهب والغردقة.. يشعر علاء أنها إشارة بانتهاء فترة عصيبة من حياته بسلاسة لم يكن يتخيلها. ويواصل علاء إخبار أميرة التي بدت مشدوهة تمامًا بباقي القصة، التي كانت تستمع إليها في عجب باد!.. ثم يخبرها بأنه مكث لحوالي الستة أشهر لدى والده، ثم تم استدعاؤه للخدمة العسكرية التي امضى فيها ثلاث سنوات كاملة، لأنه لم يكمل تعليمه العالي بعد، ثم قرر بعد خروجه أن يباشر حياته من جديد، وكأنه كان في رحلة وعاد.. يعود للدراسة ويحاول أن يجتهد فيها قدر ما يستطيع لتعويض مافات، والشغل!. - باباك إزاي سابك تشتغل في بنزينة؟. يتلعثم للحظة وتنسحب ابتسامته إلا إنه يرد في مباغتة: - هو قرر يسيبنى أعمل اللي أنا عاوزه - إنت مش ها تصدق اللي قلته ده عمل فيّا إيه.. أنا كنت هاتجنن، هتقابل أحمد إمتى؟ - متفاجئًا.. أحمد؟ - إيه؟ رجعت ف كلامك؟ - أبدًا.. دانا مستنيه على نار تبتسم في دلال وحياء، ويلثم يدها علانية للمرة الأولى، وتشدها هي في رد فعل عصبي لكنه.. حنون.