ليست مصادفة أن يولد فى قرية اسمها الشعراء، فالقدر قدمه ليكون حارساً لكنوز لغتنا الجميلة، إنه الشاعر فاروق شوشة، الذى ولد فى محافظة دمياط، التى تحتضن معجزة لقاء البحر بالنهر، فاحتضن فى وجدانه معجزة لقاء حروف اللغة العربية وهجرتها من كتاب المطالعة لتستقر فى أبيات شعر، كتبها طفل دمياطى ليحتضن موهبته أستاذ لغة عربية اسمه طاهر أبوفاشا، الذى أمتعنا فيما بعد بمسلسل ألف ليلة وليلة الإذاعى، طفولة الشاعر الكبير فاروق شوشة كانت قصيدة رائعة، بدأت أول ملامحها تتشكل فى فترة الطفولة فى الريف الرائع، التحق الطفل الصغير بالكُتاب وحفظ القرآن الكريم، فكانت أول علاقته باللغة العربية التى سكنته حروفها، كانت رغبة والده أن يلتحق بالأزهر الشريف، ولأن عمره كان خمس سنوات، كان لا بد أن ينتظر ست سنوات أخرى، إذ إن الأزهر يقبل الطلاب بعمر أحد عشر عاما، فالتحق بالمدرسة فى دمياط، وكانت رحلته كل يوم من قريته الجميلة الشعراء لدمياط، رحلة ممتعة شكلت وجدانه برغم قسوتها، ففى أيام البرد كان المطر يزيد الوحل بالأرض فيتحول إلى طين ويصبح السير فيه منتهى الصعوبة، منحه الريف الصبر والتأمل، فالطبيعة لا تستقر على حال، بل هى لوحة متجددة على الدوام من هدوء الربيع وتجدد ألوان المزروعات الذى يمنح النفس الراحة والهدوء والصفاء الذى سكن روح الطفل الصغير وصار سمة أصيلة من سمات شخصيته الرائعة، وجاءت أيام الحرب العالمية الثانية عامى 1944 و1945 وكان عمره ثمانى سنوات، وكانت غارات الألمان على مدينة بورسعيد تصل أصواتها لكل قرية من قرى محافظة دمياط، فكان الطفل الواعد فاروق يلتمس الأمان بحضن جدته الحنون، وكان هو وسيلتها للتواصل مع أحداث الحرب، يقرأ لها الصحف ويوافيها بتطورات الأحداث، كان للمدرسة دور كبير بمرحلة طفولة الشاعر الكبير فاروق شوشة، فكانت واحة للعلم والفن والأدب والشعر، وكان أحب الأيام له هو يوم الجمعة من كل أسبوع، الذى يذهب فيه للمدرسة يمارس هواية العزف على الآلات الموسيقية، واستعارة الكتب المختلفة، فالقراءة كانت أولى هوايات واهتمامات الشاعر الكبير، منذ طفولته المبكرة نشأ وسط الكتب، فوالده كان يقتنى مكتبة عامرة بأمهات الكتب ودواوين الشعر، مما ساعده على التفوق فى مادة اللغة العربية بكل مراحله الدراسية المختلفة، وكان ديوان الشوقيات أول ديوان أبحر بين قوافيه وأبياته وحلم بين صفحاته أن يسكن حديقة الشعر، ومرت الأعوام وامتلك بستاناً رائعاً من أروع القصائد تغنت للوطن وأرق المشاعر، ولكم أيضاً أصدقائى الصغار، إذ أهدى الشاعر الرقيق فاروق شوشة ديوانا لكل حفيد من أحفاده الصغار، كان آخرها ديوان حمزة أصغر الأحفاد.