بعد تداول منشور حزبي.. ضبط متطوعين خارج اللجان بزفتى بعد ادعاءات بتوجيه الناخبين    فى يومها الثانى.. طوابير على لجان انتخابات مجلس النواب بالإسماعيلية    محافظ القليوبية يتابع انتظام جولة الإعادة لانتخابات النواب في يومها الثاني    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: انطلاق اليوم الحاسم لجولة الإعادة وسط تصويت محسوب واستقرار أمني    محافظ البحر الأحمر يرفع درجة الاستعداد لمواجهة السيول بمدن الجنوب    كيلو الطماطم بكام؟ أسعار الخضروات والفاكهة بكفر الشيخ الخميس 18 ديسمبر 2025    رئيس الوزراء فى مقال"الدّيْن بين لحظة الذروة والتصحيح..كيف تقرأ الدولة عبء اليوم؟"..الدّيْن أصبح سؤالًا مشروعًا عن القدرة على الاستمرار فى ظل ضغوط معيشية..تحويل التزامات ب11 مليار دولار لاستثمار طويل الأجل    سعر الريال السعودى مقابل الجنيه اليوم الخميس 1812-2025    برلماني يطالب بتشكيل "المجلس الأعلى للضرائب" تفعيلاً لقرار رئيس الجمهورية    وزير الإسكان: إجراء القرعة العلنية لتخصيص أراضي "مسكن الطرح السادس "    البورصة المصرية تستهل تعاملات الخميس بارتفاع كافة المؤشرات    وكالات أممية تحذر من انهيار الاستجابة الإنسانية فى فلسطين بسبب قيود إسرائيل    اندلاع نيران في سفينة شحن جراء هجمات أوكرانية على منطقة روستوف الروسية    المفوضية الأوروبية: لن نغادر قمة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق بشأن تمويل أوكرانيا    حسام حسن يترك حرية تناول الإفطار للاعبى المنتخب بالمغرب    الكوكي: الأهلي المرشح الأبرز للدوري وبيراميدز أقرب منافسيه    تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    شمس ساطعة وانخفاض درجات الحرارة بكفر الشيخ.. فيديو    تصادم 10 سيارات مع أتوبيس يشلّ الطريق السياحى بالجيزة اتجاه المنيب    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر ويشارك في احتفالات اليوم الوطني    سنوات من المعاناة والغياب عن الأضواء في حياة نيفين مندور قبل وفاتها المأساوية    اليوم العالمي للغة العربية.. لماذا اختارت اليونسكو ال 18 من ديسمبر؟    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعي داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    الأطعمة التي تسبب السالمونيلا وكيفية الوقاية منها؟    السعودية.. تعليق الدراسة حضوريا في الرياض بسبب سوء الطقس وتساقط الثلوج    عاجل- السيسي يستقبل الفريق أول عبد الفتاح البرهان لبحث تسوية الأزمة السودانية وتعزيز التعاون الثنائي    الصحة العالمية: مقتل أكثر من 1600 شخص في هجمات على المراكز الصحية في السودان خلال 2025    زكريا أبوحرام يكتب: جماعة البهتان    ترامب: نمتلك أقوى جيش في العالم وأنهيت 8 حروب    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    إدارة ترامب تسخر من بايدن بلوحة تذكارية على جدار البيت الأبيض    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    فلسطين: مستعمرون يقتحمون موقعا أثريا جنوب الخليل    شهادة المخالفات الإلكترونية أحدث الخدمات.. «المرور» يسير على طريق التحول الرقمي    البرلمان تحت الاختبار.. بين ضغوط الأسعار وحصن الأمن القومي    تطورات جديدة في انهيار عقار المنيا.....مخالفات جسيمة وراء الانهيار    مباحث قليوب تنتصر للفتيات.. القبض على متحرش طالبات المعهد    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    سوليما تطرح «بلاش طيبة» بالتعاون مع فريق عمل أغنية «بابا» ل عمرو دياب    يلا شووت.. المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025: صراع تكتيكي على اللقب بين "أسود الأطلس" و"النشامى"    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    جمال الزهيري: كأس أمم أفريقيا أهم من المونديال بالنسبة لمنتخب مصر    ماذا حدث في اللحظات الأخيرة قبل وفاة نيفين مندور؟    بالفيديو.. محمد رمضان يعتذر لعائلته وجمهوره وينفي شائعة سجنه ويستعد لحفله بنيويورك    اسأل والجمارك تُجيب| ما نظام التسجيل المسبق للشحنات الجوية «ACI»؟    نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى    التهاب مفصل الحوض: الأسباب الشائعة وأبرز أعراض الإصابة    مصرع عامل تحت تروس الماكينات بمصنع أغذية بالعاشر من رمضان    أمم إفريقيا - البطل يحصد 7 ملايين دولار.. الكشف عن الجوائز المالية بالبطولة    نوبات غضب وأحدهم يتجول بحفاضة.. هآرتس: اضطرابات نفسية حادة تطارد جنودا إسرائيليين شاركوا في حرب غزة    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة بابا الفاتيكان بمؤتمر الأخوة الإنسانية: تحية للسيسي وأرض الأزهر

نشر المركز الإعلامي بالأزهر، نقلا عن الفاتيكان، كلمة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، خلال مؤتمر الأخوة الإنسانية وجاء نصها كالتالي:
"السلام عليكم..
أشكر من كلِّ قلبي صاحب السموّ الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان، وفضيلة الدكتور أحمد الطيّب، الإمام الأكبر لجامعة الأزهر، على كلماتهما. أنا ممتنٌّ لمجلس الحكماء على اللقاء الذي تمَّ منذ قليل، في مسجد سموّ الشيخ زايد.
أحيّي السيد عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، أرض الأزهر، وأحيي أيضا السلطات المدنيّة والدينيّة والسلك الدبلوماسي. اسمحوا لي أيضًا أن أشكركم جميعًا شكرًا جزيلًا على الاستقبال الحارّ الذي قدّمتموه لي ولوفدنا.
أشكر كذلك جميع الأشخاص الذين ساهموا في جعل هذه الزيارة ممكنة والذين عملوا بتفانٍ وحماس ومهنيّة من أجل هذا الحدث: المنظِّمون، وموظّفو البروتوكول، ورجال الأمن، وجميع الذين وبأشكال مختلفة قدّموا مساهمتهم "خلف الكواليس". وأتوجه بشكر خاص للسيد محمد عبد السلام، المستشار السابق للإمام الأكبر.
كما أتوجّه من وطنكم إلى جميع بلدان شبه الجزيرة هذه، والذين أرغب في أن أوجّه إليهم أخلص تحيّاتي الودّية، والمقرونة بالصداقة والتقدير.
بروح ممتنٍّ للربّ، في المئويّة الثامنة للقاء بين القدّيس فرنسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل، قبلتُ فرصة المجيء إلى هنا كمؤمن متعطِّشٍ للسلام وكأخٍ يبحث عن السلام مع الإخوة. الرغبة في السلام، وبتعزيز السلام، وبأن نكون أدوات للسلام: هذا هو ما جئنا من أجله.
إنَّ شعار هذه الزيارة يتألف من حمامة تحمل غصن زيتون. وتذكّر هذه الصورة بقصّة الطوفان الأوّل، الموجود في مختلف التقاليد الدينيّة. بحسب الرواية الكتابيِّة، فإن الله، كي ما تُحفظ البشريّة من الدمار، قد طلب من نوح أن يدخل في السفينة مع عائلته. واليوم أيضًا، لكي نحافظ على السلام باسم الله، نحن بحاجة للدخول معًا كعائلة واحدة في سفينة يمكنها أن تعبر بحار العالم العاصفة: إنها سفينة الأخوّة.
نقطة الانطلاق هي الاعتراف بأنَّ الله هو أصل العائلة البشريّة الواحدة. فهو، ولكونه خالق كلِّ شيء وخالق الجميع، يريد أن نعيش كإخوة وأخوات، وأن نقيم في البيت المشترك الذي منحنا هو إياه. هنا تتأسّس الأخوّة، عند جذور بشريّتنا المشتركة، مثل "دعوة ماثلة في مخطّط الله للخلق". إنها الدعوة التي تخبرنا بأننا جميعًا نملك الكرامة عينها وبأنّه لا يمكن لأحد أن يكون سيّدًا للآخرين أو عبدًا لهم.
لا يمكننا أن نكرِّم الخالقَ دون أن نحافظَ على قدسيّة كلِّ شخصٍ وكلِّ حياةٍ بشريّة: فكلُّ فردٍ هو ثمينٌ على حدّ السواء في عينيّ الله. لأنّ الله لا ينظر إلى العائلة البشريّة بنظرة تمييز تستثني، وإنما بنظرة محبّة تدمج. لذلك، فالاعتراف بالحقوق عينها لكلّ كائن بشريٍّ، إنما هو تمجيد لاسم الله على الأرض. وباسم الله الخالق، بالتالي، يجب أن تُدان، وبدون تردّد، جميع أشكالِ العنف، لأنّ استعمال اسم الله لتبرير الكراهية والبطش ضدّ الأخ، إنما هو تدنيسٌ خطيرٌ لاسمه. فلا وجود لعنفٍ يمكن تبريره دينيًّا. لا أحد يمكنه أن يستخدم الدين أداة للتحريض على الحقد والعنف والتطرف والتعصب الأعمى، أو استخدام اسم الله من أجل تبرير أعمال القتل والنفي والإرهاب والقمع.
إن عدوّة الأخوّة هي النزعة الفردانيّة، التي تُترجم في عزيمة تأكيد الذات والمجموعة الخاصة على حساب الآخرين. وهو فخّ يهدّد جميع جوانب الحياة، حتى الصفات الأسمى والفطريّة لدى الإنسان، أي الانفتاح على المتسامي والتديُّن. إنَّ الدين الحقيقيّ يقوم على محبّة الله من كلّ القلب، ومحبّة القريب كمحبّتنا لأنفسنا. وبالتالي يحتاج التصرّف الديني لأن يُنقّى على الدوام من التجربة المتكرّرة لاعتبار الآخرين أعداء وخصوم. كلُّ ديانة هي مدعوّة لتخطّي فجوة التمييز بين أصدقاء وأعداء، كي تتبنّى وجهة نظر السماء، التي تعانق جميع البشر بدون محاباة وتمييز.
لذلك أرغب في التعبير عن تقديري لالتزام هذا البلد في الموافقة على حريّة العبادة وضمانها، مواجهًا التطرّف والكراهية. بهذه الطريقة، فيما تُعزَّز الحريّة الأساسيّة للمرء بإعلان إيمانه الشخصي، والتي هي ضرورة جوهريّة كي يحقّق الإنسان ذاته، يتمُّ السهر أيضًا حتى لا يتمَّ استغلال الديانة، وتتعرّض لخطر نكران ذاتها بقبولها للعنف والإرهاب.
لكن الأخوّة بالتأكيد تعبّر أيضًا عن التنوّع والاختلاف الموجود بين الإخوة، بالرغم من رابط الولادة بينهم وامتلاكهم للطبيعة عينها ولذات الكرامة". والتعدّد الديني هو تعبير عن ذلك. وبالتالي فالموقف الصحيح في هذا الإطار ليس التجانس القسري، ولا التوفيق الخانع: ما دعينا للقيام به، كمؤمنين، هو أن نلتزم من أجل أن يحصل الجميع على المساواة في الكرامة، وذلك باسم الرحيم الذي خلقنا والذي باسمه علينا أن نبحث عن التآلف في التناقضات والأخوّة في الاختلاف. أريد هنا أن أكرر التأكيد على قناعة الكنيسة الكاثوليكية: لا يمكننا أن ندعو الله أبًا للجميع إذا رفضنا أن نتصرّف كإخوة مع الناس المخلوقين على صورة الله.
مع ذلك توجد أسئلة عديدة تفرض ذاتها: كيف نحافظ على بعضنا البعض في العائلة البشريّة الواحدة؟ وكيف نغذّي أخوّة غير نظريّة، تُترجَم في أخوّة حقيقيّة؟ كيف نجعل إدماج الآخر يسود على التهميش باسم انتمائنا الشخصي؟ كيف يمكن للديانات، باختصار، أن تكون قنوات أخوّة بدلاً من أن تكون حواجز إقصاء؟
العائلة البشريّة وشجاعة الاختلاف
إن كنّا نؤمن بوجود العائلة البشريّة، فيجب بالتالي المحافظة عليها، كعائلة. وكما في كلّ عائلة، ذلك يكون أوّلًا من خلال حوار يوميٍّ وحقيقي. هذا الأمر يستلزم هويّة شخصيّة لا يجب التخلّي عنها لإرضاء الآخر. ولكنّه يتطلّب في الوقت عينه شجاعة الاختلاف، التي تتضمّن الاعتراف الكامل بالآخر وبحريّته، وما ينتج عنه من التزام ببذل الذات كي يتمّ التأكيد على حقوقه الأساسيّة، في كلِّ مكان، ومن قِبَلِ الجميع. لأننا بدون حريّة لا نكون بعد أبناء العائلة البشريّة وإنما عبيد. من بين الحرّيات، أرغب في تسليط الضوء على الحريّة الدينيّة. فهي لا تختصر على حريّة العبادة، بل ترى في الآخر أخًا بالفعل، وابنًا لبشريّتي نفسها، ابناً يتركه الله حرًّا، ولا يمكن بالتالي لأيّة مؤسّسة بشريّة أن تجبره حتى باسم الله. الحرية هي حق لكل شخص: كل واحد يتمتع بحرية المعتقد والفكر والتعبير والعمل. إن التعددية وتنوّع الدين واللون والجنس والعرق واللغة، لهي إرادة إلهية حكيمة، خلق من خلالها الله الكائنات البشرية. هذه الحكمة الإلهية هي المصدر الذي ينبع منه الحق في حرية المعتقد وحرية كوننا مختلفين.
الحوار والصلاة
إن شجاعة الاختلاف هي روح الحوار الذي يقوم على صدق النوايا. والحوار في الواقع هو عرضة للازدواجية التي تزيد المسافة والشكّ: فليس بإمكاننا أن نعلن الأخوّة ونتصرّف بعدها عكس ذلك. بحسب أحد الكتّاب المعاصرين: "إنَّ الذي يكذب على نفسه ويُصغي إلى أكاذيبه، يصل إلى حدّ عدم القدرة على تمييز الحقيقة، لا في داخله ولا من حوله، ويبدأ هكذا بفقدان احترامه لنفسه وللآخرين".
إنَّ الصلاة هي جوهريّة في هذا كلّه: فهي، فيما تجسّد شجاعة الاختلاف إزاء الله، وفي صدق النوايا، تنقّي القلب من الانغلاق على نفسه. الصلاة التي تُتلى من القلب، تجدّد الأخوة. لذلك "فيما يختصّ بمستقبل الحوار بين الأديان ينبغي علينا أوّلاً أن نصلّي. وأن نصلّي من أجل بعضنا البعض: نحن إخوة! بدون الربّ لا شيء ممكن، ولكنّ معه كلّ شيء يصبح ممكنًا! أرجو أن تُطابق صلاتُنا بالتمام –كلٌّ بحسب تقليده– مشيئةَ الله، الذي يريد أن يعترف جميع البشر بأنّهم إخوة وأن يعيشوا على هذا النحو ويؤسّسوا العائلة البشريّة الكبيرة في تناغم التنوّع".
ليس هناك من بديل آخر: إمّا نبني المستقبل معًا وإلّا فلن يكون هناك مستقبل. لا يمكن للأديان، بشكل خاص، أن تتخلّى عن الواجب الملحّ في بناء جسور بين الشعوب والثقافات. لقد حان الوقت للأديان أن تبذل ذاتها بشكل فعّال، وبشجاعة وإقدام، وبدون تظاهر، كي تساعد العائلة البشريّة على إنضاج القدرةِ على المصالحة، ورؤيةٍ ملؤها الرجاء، واتّخاذ مسارات سلام ملموسة.
التربية والعدالة
ونعود هكذا إلى الصورة الأولى لحمامة السلام. إن السلام أيضًا، كي يحلِّق، يحتاج إلى جناحَين يرفعانه، إنه يحتاج إلى جناحَي التربية والعدالة.
تتطلّب التربية –وأصل الكلمة اللاتيني يعني الاستخراج والاستخلاص– أن نستخلص ونستخرج الموارد الثمينة في النفس. إنه لأمر مشجّع أن نرى، في هذا البلد، أنه لا يتمّ الاستثمار في استخراج موارد الأرض وحسب، بل أيضًا موارد القلب، أي في تربية الشبيبة. أتمنّى أن يستمرّ هذا الالتزام، وينتشر في مناطق أخرى. إن التربية تتمّ أيضًا في العلاقات والتبادليّة. يجب أن نضيف إلى القول القديم المأثور: "اعرف نفسك" قولاً آخر "اعرف أخاك": قصّته، ثقافته وإيمانه، لأنه لا توجد معرفة حقيقيّة للذات بدون الآخر. كأشخاص، وبالأكثر كإخوة، علينا نذكّر بعضُنا البعضَ أنه لا يوجد أيّ أمر إنسانيّ يمكن أن يبقى غريبًا عنا. من الأهمية بمكان، بالنسبة للمستقبل، بناءُ هويّات منفتحة، قادرة على التغلّب على تجربة الانغلاق على الذات والتصلّب.
الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ونموَّ الحضارة والازدهار. فللتربية تَناسُبٌ عكسيٌّ مع العنف. والمؤسّسات الكاثوليكيّة التربويّة –التي تحظى بالتقدير أيضًا في هذا البلد وفي المنطقة– تعزّز هذه التربية على السلام وعلى المعرفة المتبادلة من أجل تدارك العنف.
يحتاج الشباب، الذين غالبًا ما تحيط بهم رسائلُ سلبية وأنباءُ مزيّفة، إلى أن يتعلّموا عدم الاستسلام لإغراءات الماديّة والكراهية والأحكام المسبقة؛ لأن يتعلّموا كيفيّة التصدّي للظلم ولخبرات الماضي الأليمة؛ لأن يتعلّموا الدفاع عن حقوق الآخرين بالحماسة نفسها التي يدافعون فيها عن حقوقهم. سيكونون هم من سيحكمون علينا يومًا ما: إيجابًا، إذا ما قدّمنا لهم أُسسًا صلبة لخلق لقاءاتٍ جديدة من التحضّر؛ وسلباً، إذا ما تركنا لهم مجرّد سرابٍ وتطلّعات كئيبة من الصدامات الشائنة وغير الحضارية.
العدالة هي الجناح الثاني للسلام، التي غالبًا ما لا تتضرّر بفعل أحداث فرديّة، لكنّها تتآكل ببطء جرّاء سرطان الظلم. العدالة المرتكزة إلى الرحمة هي الدرب الواجب اتّباعها من أجل التوصل إلى حياة كريمة هي حق لكل كائن بشري.
ومن ثمَّ، لا يمكن أن نؤمن بالله وألّا نسعى إلى عيش العدالة مع الجميع، بحسب القاعدة الذهبية: "فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ لأَنَّ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ" (متى 7، 12).
إن السلام والعدالة لا ينفصلان أبدًا! قال النبي أشعيا "وَيَكُونُ صُنْعُ الْعَدْلِ سَلاَمًا" (32، 17). فالسلام يموت عندما ينفصل عن العدالة، لكن العدالة تكون مزيفةً إنْ لم تكُن كونيّة. فالعدالة الموجهّة فقط إلى أفراد العائلة، وأبناء الوطن، ومؤمني الديانة نفسها، هي عدالةٌ عرجاء، إنها ظلم مقنّع!
للديانات أيضًا واجبُ التذكير بأن جشع الربح يجعل القلب دون حراك، وبأن قوانين السوق الحاليّة، التي تطالب بكلّ شيء وعلى الفور، لا تساعد اللقاء والحوار والعائلة والأبعاد الأساسية للحياة التي تحتاج لوقت ولصبر. لتكن الأديانُ صوتَ المهمّشين، الذين ليسوا إحصاءات إنما إخوة، ولتقف الأديان إلى جانب الفقراء؛ ولتسهر كحارسة الأُخُوَّة في ليل الصراعات؛ ولتكن ناقوسًا ساهرًا كي لا تغلق الإنسانيّةُ عينَيها أمام الظلم وكي لا تستسلم أبدًا أمام مآسي العالم الكثيرة.
الصحراء التي تُزهر
بعد أن تحدّثتُ عن الأخوّة كسفينة سلام أودّ الآن الاستلهام من صورة ثانية، صورة الصحراء المحيطة بنا.
هنا، وخلال سنوات قليلة، وبفضل بُعد النظر والحكمة، تحوّلت الصحراء إلى مكان مزدهر ومضياف؛ الصحراء التي كانت حاجزًا عسيرًا ومنيعًا، صارت مكانًا للّقاء بين الثقافات والديانات. لقد أزهرت الصحراء هنا، ليس فقط لأيّام قليلة في السنة، إنما لسنوات كثيرة في المستقبل. إن هذا البلد، الذي تعانقُ فيه الرمالُ ناطحاتَ السحاب، يبقى تقاطعًا هامًا بين الشرق والغرب، بين شمال الأرض وجنوبها، يبقى مكانًا للنمو، حيث الفسحاتُ، التي لم تكن مأهولة في السابق، تقدّم اليوم فرص عمل لأشخاص من أمم مختلفة.
بيد أن النموّ أيضًا له أعداؤه. وإن كانت الفردانية هي عدوّ الأخوّة، أودّ الإشارة إلى أن عائق النموّ هو اللامبالاة، والتي تؤول إلى تحويل الواقع المزهر إلى أرضٍ قاحلة. إن النموّ المنفعيّ البحت، في الحقيقة، لا يوفّر تقدّمًا واقعيًّا ومستدامًا. فوحده النموّ المتكامل والمتماسك يقدّم مستقبلاً لائقًا بالإنسان. إن اللامبالاة تَحُول دون النظر إلى الجماعة البشريّة، أبعد من نطاق الربح، وإلى الأخ أبعد من نطاق العمل الذي يقوم به. اللامبالاة، في الواقع، لا تنظر إلى الغد؛ لا تكترث لمستقبل الخليقة، لا تعتني بكرامة الغريب وبمستقبل الأطفال.
في هذا السياق، أعبّر عن سروري بأن أوّل منتدى دولي للتحالف بين الأديان من أجل مجتمعات أكثر أمانًا، حول مسألة كرامة الطفل في العصر الرقمي، قد عُقد هنا في أبو ظبي في نوفمبر الماضي. لقد استأنف هذا الحدثُ الرسالةَ التي أُطلِقت قبل عام في روما، في المؤتمر الدولي حول الموضوع نفسه، والذي قدّمت له دعمي وتشجيعي الكاملين. إني أشكر بالتالي كلّ القادة الملتزمين في هذا المجال، وأؤكّد لهم دعم وتضامن ومشاركة شخصي والكنيسة الكاثوليكية في هذه القضيّة البالغة الأهمّية، قضيّة حماية القاصرين في كلّ أوجهها.
هنا في الصحراء فُتِحَت دربٌ خصبة للنموّ تقدّم، انطلاقًا من العمل، آمالاً لأشخاص كثيرين ينتمون إلى شعوب وثقافات ومعتقدات مختلفة. ومن بين هؤلاء العديد من المسيحيين، الذين يعود تواجدهم في المنطقة إلى القرون الغابرة، وقد وجدوا فرصًا وقدّموا إسهامًا هامًا في نموّ البلاد ورخائها. إن هؤلاء يحملون معهم أصالة إيمانهم فضلًا عن قدراتهم المهنيّة. إن الاحترام والتسامح اللذين يلقونهما، كما دُور العبادة الضرورية من أجل الصلاة، تسمح لهم بالنضوج روحيًّا بشكل يعود بالفائدة على المجتمع بأسره. أشجّع على الاستمرار في هذه الدرب، كي يتمكّن المقيمون والزوّار من الاحتفاظ، ليس فقط بصورة الأعمال العظيمة التي أُقيمت في الصحراء، إنما أيضًا بصورة أمّة تقبل وتعانق الجميع.
بهذه الروح، أتمنّى أن تبصر النور، ليس هنا فقط بل في كلّ منطقة الشرق الأوسط الحبيبة والحيويّة، فرصٌ ملموسة للقاء: مجتمعاتٌ يتمتّع فيها أشخاصٌ ينتمون إلى ديانات مختلفة بحقّ المواطنة نفسِه، وحيث لا يُنتزع هذا الحقّ إلّا من العنف، بجميع أشكاله.
تعايش أخويّ، يرتكز على التربية والعدالة؛ نموّ بشري، يقوم على الإدماج المضياف وعلى حقوق الجميع: هذه هي بذور سلامٍ، ينبغي على الديانات أن تُنبِتَها. في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، يقع على عاتق الديانات، ربّما أكثر من أيّ وقت مضى، واجبٌ لا يمكن إرجاؤه بعد اليوم: الإسهام بشكل فاعل في تجريد قلب الإنسان من السلاح. إن سباق التسلّح، وتمديد مناطق النفوذ، والسياسات العدائيّة، على حساب الآخرين، لن تؤدّي أبدًا إلى الاستقرار. الحرب لا تولّد سوى البؤس، والأسلحةُ لا تولّد سوى الموت!
إن الأخوّة البشريّة تتطلّب منّا، كممثّلي الأديان، واجبَ حظر كلّ تلميح إلى الموافقة على كلمة "حرب". دعونا نعيد هذه الكلمة إلى قسوتها البائسة. فأمام أعيننا نجد نتائجها المشؤومة. أفكّر بنوع خاص باليمن، وسوريا والعراق وليبيا. لنلتزم معًا، كأخوة في العائلة البشريّة الواحدة التي شاءها الله، ضدّ منطق القوّة المسلحة، ضدّ تقييم العلاقات بوزنها الاقتصادي، ضدّ التسلّح على الحدود وبناء الجدران وخنق أصوات الفقراء؛ لنواجه كلّ هذه الأمور بواسطة قوّة الصلاة العذبة والالتزام اليوميّ في الحوار. ليكن وجودُنا معًا اليوم رسالةَ ثقة، وتشجيعًا لجميع الأشخاص ذوي الإرادة الحسنة، كي لا يستسلموا أمام طوفان العنف، وأمام تصحّر الغيريّة. والله هو مع الإنسان الذي يبحث عن السلام. ومن السماء يبارك كلّ خطوة تُتّخذ على الأرض في هذا الاتّجاه.
شكرا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.