أكتب ما تشاء عن الحنين .. أسخر من نفسي ومنها .. هل أكتب عن شيء أجهله؟ لكني ربما أعرفه .. ربما. الحنين هو ذلك الشيء الذي يتخفى في عباءة الشوق وهو ليس بشوق .. يجعلك ترضخ له رغما عن أنف قوانينك ومبادئك .. إنه إحساس يأخذك إلى الأحلام .. الخيال .. تستنشق رائحة بمجرد أن تشرع في فتح أبوابه .. فتجده في وطن أو كتاب أو مكان أو صورة معلقة على الجدار أو مخبأه في دفاترك أو إنبوكس حسابك على "فيسبوك" .. وتتحسر على تلك اللحظات التي ذهبت بلا رجعه ولا سبيل في تكرارها. أشعر بسخرية القدر عندما أكتب هذه الكلمات لكني أهز رأسي وأقول أن الأمر ليس أكثر من حالة تأتي لأي واحد مازال يحتفظ بشرائط قديمة لأفلام ذاكرته .. والنسيان وهم لأنه ليس هناك شيء يدعى نسيان .. فبشيء بسيط وتافهة ممكن أن تشعر بالحنين لأشياء كبيرة .. ويعود بك التيار إلى أول الطريق بعد أن أوهمنا أننا قد اجتزناه إلى النهاية .. والسؤال الآن : لماذا لا يموت الحنين؟ لماذا لا يندثر الماضي مثلما تموت أجسادنا وتختفي؟ أسخر من نفسي وأتهم عقلي بالأحمق .. كيف لعقلي أن يفسر هذه القوة الخفية التي تفوق قوة الجاذبية الأرضية والتي من الصعب تفسيرها منطقيا ..لكني قلت لنفسي .. الحنين يتناسب طرديا مع مقدار الشحنات العاطفية الهائلة التي نفقدها يومياً .. أتخيل نفسي ولدت في جزيرة ليس عليها سواي وقضيت عليها كل حياتي واسأل نفسي ساخراُ هل كنت سأشعر بالحنين ؟؟ أفكر قليلاً .. نعم سأفقد الزمن .. أن الأمر معقد .. وأكبر من عقلي الصغير.. قلت: وهل الزمن فقط هو ما سأحن له؟ فكرت كثيرا ولا جديد.. وقلت : دعنا من الزمن لن أحتاج له ولن أحن له .. لكن استدركت قائلاً : ستحن إلى أكلك .. ملابسك .. حذائك .. عاداتك .. صوتك .. حركتك .. نفسك؟ قلت ساخرا: سأستغني عن كل هذا .. في وحدتي لن أكون بحاجه إلى كل هذا .. لكن هل ستستغني عن نفسك ..؟ نفسي .. هل بعد كل هذا ستظل معي ؟ بالتأكد عندما أفقد كل هذا سأكون ميت لا محالة .. ومن قال لك أن الموتى لا يشعرون بالحنين؟ وفي دهشة : هل هم أيضا يباغتهم الحنين؟ دب الصداع في رأسي والتفت إليها .. أكتب ما تشاء عن الحنين .. أومأت .. سأكتب عن الحنين.