(1) رغم التقدم العلمى والتقنى الهائل لأمريكا، ورغم قوة أجهزتها الاستخباراتية والمعلوماتية، فإنها غالبا ما تحقق فشلا فيما يتعلق بالتنبؤ بمسارات الشعوب، فقد أحدثت ثورة 30 يونيو إرباكا فى حسابات أمريكا تجاه مصر والمنطقة، وحالت دون الاستمرار فيما وضعته من خطط وبرامج منذ سنوات، وكعادتها وقفت فى البداية ضد الثورة وحاولت بكل ما تستطيع قلب الطاولة عليها، ولأنها تعلم بالدور الحيوى والتاريخى للجيش المصرى الذى حمى الثورة وانحاز إليها، فقد امتدت محاولاتها لتطويعه وكسر إرادته، لكن المحاولات -رغم كثرتها وتنوعها- باءت بالفشل. نعلم يقينا أن أمريكا لم تفقد الأمل بعد، ومن ثم فهى تستخدم كل الأوراق المتاحة تحت يدها، ترغيبا وترهيبا، كى تصل إلى أهدافها، للأسف، هناك دول وجماعات يمكن أن تلعب أدوارا -بقصد أو بغير قصد- لخدمة هذه الأهداف، بل إن هناك من يركض نحو استجلاب الرضا الأمريكى بشتى الوسائل، مهما كلفه ذلك من وقت وجهد ومال. (2) ضمن الأوراق المتاحة للضغط والتضييق على الإدارة المصرية الانتقالية، توظيف الوضع فى ليبيا التى -للأسف- لم تعد دولة، وإنما مجموعة ميليشيات مسلحة تتحرك وفق أهداف حلف الناتو، فهى تمتلك مخزونا من كافة أنواع الأسلحة، يتم تصديرها وتهريبها للجماعات التكفيرية فى مصر، قيل إنه جرى تهريب حوالى 10 ملايين قطعة سلاح، وإن بعضا منها جاء عن طريق السودان، سيناء تحولت إلى ترسانة من السلاح فى يد الجماعات التكفيرية، وهذه لها خبراتها وتجاربها فى أفغانستان والبلقان ودول أخرى، ومن ثم، فإن المواجهة معها قد تتطلب وقتا، ويعتبر قطاع غزة، وما يضمه من جماعات تكفيرية مناظرة، عمقا استراتيجيا لهذه الجماعات. (3) ضمن الأوراق المتاحة أيضاً، استخدام الجماعات التكفيرية فى الصومال واليمن، تحت حماية ورعاية القواعد العسكرية الأمريكية والألمانية والفرنسية والبريطانية فى جيبوتى، فى محاولة لغلق باب المندب، ومن ثم الضغط على الملاحة فى قناة السويس، وبالتالى تحريك الغرب (دولاً وشركات كبرى) للضغط على مصر. (4) ضمن الأوراق المتاحة كذلك، استخدام وتجنيد قطروتركيا، فى الدعم المالى والإعلامى والسياسى واللوجستى لما يجرى من تظاهرات وتخريب فى الشارع المصرى، إضافة لما تقوم به الجماعات التكفيرية، هذا فضلا عن الدور الذى تلعبه هاتان الدولتان بشأن قضية سد النهضة الإثيوبى الذى يمثل أهم وأخطر القضايا المهددة لحياتنا وأمننا القومى، إن قطر دويلة صغيرة، لكن لديها المال، وتتمتع بالحماية الأمريكية، وبها شخصيات نافذة معروفة بولائها لأمريكا والصهاينة، هذه الشخصيات -فى سبيل تحقيق طموحاتها وأطماعها- يمكن أن تفعل أى شىء. أما تركيا فهى دولة كبيرة ولديها أطماعها فى المنطقة، لكن لديها أيضاً مشكلات أكبر منها، وهى الآن مشغولة فى قضية الفساد هناك. (5) ضمن الأوراق المتاحة -للأسف- ما يحدث من تظاهرات وتخريب وتدمير داخل بعض الجامعات المصرية، فهذا وإن استمر لبعض الوقت، سوف ينتهى حتما، وهو عموما يعد إفلاسا سياسيا. لكن من المؤكد أنه كلما اقترب موعد الاستفتاء على مشروع الدستور فى 14 و15 يناير، حاول الإخوان وأنصارهم تصعيد نشاطهم وفعالياتهم فى الشارع والدخول فى صدام دموى مع الشرطة، مثلما حدث يوم الجمعة الماضى، وهم لا يدركون أنهم يعملون لصالح المخطط الأمريكى، ربما يواكب ذلك تصعيد فى عمليات الاغتيال والتفجيرات والعربات المفخخة التى تقوم بها الجماعات التكفيرية، هذا وذاك يستهدفان: 1- شغل الحكومة الحالية المرتبكة وصرفها عن أداء مهامها الرئيسة. 2- إلهاء وإنهاك الشرطة واستنزاف قواها، حتى تنقلب الدولة إلى فوضى، و3- تفزيع وترويع الشعب المصرى وتعويقه عن إتمام خارطة المستقبل. (6) رغم كل ما سبق، فإن مصر ماضية فى طريقها لاستعادة دورها التاريخى والاستراتيجى على المستويين الإقليمى والدولى، لكن لا يغيب عن أذهاننا أن هذا الدور مرهون بقدرة مصر على حل مشكلاتها الداخلية، إن الجيش المصرى هو العمود الفقرى، ليس لمصر وحدها فحسب، وإنما للدول العربية أيضاً، وبالتالى فإن من يرفع السلاح فى وجهه أو يحاول النيل منه فهو خائن لوطنه وللعروبة والإسلام، الجيش يخوض الآن معارك شرسة وضارية ضد الجماعات التكفيرية فى سيناء وفى غيرها، ويقوم بتوجيه ضربات موجعة لها، وقد حقق فى ذلك نجاحات، وسقط منه شهداء، إلا أن المعركة ما زالت مستمرة على جبهات متعددة. أعتقد أن أجهزة الاستخبارات المصرية منتبهة جيدا للمخطط الأمريكى داخل مصر وخارجها، وأظن أن النجاح فى مواجهة هذا المخطط يستلزم جبهة داخلية متماسكة، تقف خلف جيشها فى حماية أمنها القومى من ناحية، ومرتكزة فى الأساس على نظام دستورى صلب، وانفراجة اقتصادية واعدة، وعدالة اجتماعية حقيقية، وقانون يفرض هيبته على الجميع من ناحية ثانية، ساعتها -وكعادتها- سوف تغير الإدارة الأمريكية جلدها، وتسحب حمايتها عمن كانوا يوما خدما لمخططها.