كتبت فى (17/7/2012) عن رفع الإشكال حول مسألة «كفر المسيحى»، إلا أن القطعان ممن انتسبوا إلى العلم وفق منهج مشوش يصرون على تقديم الدين بصورة ممسوخة مع كل عيد للأقباط يهل، فيخرج «محمد العريفى» ليقول: «المسيحى كافر، وتهنئته بمناسبة دينية إقرار بعقيدته، (فإذا طلع المسيحى أحسن منك وجاءك هو فى عيده وهنأك) فلا ترد عليه، وقل له: شكراً». للشباب المتأثرين بهذا العبث أكتب ليحركوا آلة التفكير التى عطلها هؤلاء الشيوخ، وللشباب المصرى النبيل الذى يواظب على تهنئة المسيحيين بأعيادهم أكتب ليستمروا غير ملتفتين لفتاوى الفتنة المفخخة، عملاً بما تقتضيه الفطرة السليمة والخلق الراقى وما أقره الأزهر الشريف بفهمه الصحيح للدين. لقد قلتُ: إن الذين يحرمون التهنئة ينطلقون من الآية: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ»، فحرموا بفهمهم انتخاب المسيحى، والسلام عليه، وحماية الشرطة للكنائس، وقالوا بكفر تهنئته بعيده، هنا أؤكد ولا أمَل، فأقول: هناك أطر يتم من خلالها التعامل مع النص، إطار العقيدة، وإطار المعاملات، وإطار الفكر. ففى إطار (العقيدة) التى تتناول وحدانية الله، فإن غير المسلم كافر، كما أن المسلم بالنسبة لغيره كافر، إذ ينكر كل منهم عقيدة الآخر، وهذا الإطار ليس مطروحاً، «لكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ». وهناك إطار (المعاملات)، ويدخل فيه البيع، والشراء، والمناسبات، والزراعة، والصناعة، والكرة، والفن، والعمل، والتعليم، والمواصلات، والصداقة، والزمالة، والسياسة، والانتخابات، والأحزاب، والمظاهرات، والائتلافات، والإعلام، والقضاء، والصحافة»، كل هذه الأشياء لا يوصف فيها المسيحى بالكفر، بل يوصف بأنه «أهل كتاب» كما وصفه القرآن، يعنى أهل تعقل وفهم وتقدير. وهناك إطار (التوجه الفكرى)، وفيه لا يوصف المسيحى بالكفر، ولا بأهل كتاب، بل حسب اختياراته الفكرية يكون الحكم عليه، فالكاتب المسيحى الذى يدعو للاستقلال الوطنى ويناهض الاستبداد أفضل (فكرياً) من الكاتب المسلم الذى يرفض الفكرة الوطنية ويبرر الاستبداد. والفتنة تقع حين يتم إقحام الوصف المخصص فى ميدان (العقيدة) لاستخدامه فى ميدان (المعاملات)، والتهنئة بالأعياد هى فى إطار المعاملات، وبالتالى، فالتهنئة ليست للمسيحى الكافر بالرسول محمد، إنما للمسيحى الجار والصديق والزميل والحبيب، وحينما سأل وائل الإبراشى أحد الشيوخ: هل نعامل المسيحيين على أنهم كفار؟ لاحظ كلمة (نعامل)، قال الشيخ: نعم، إنه بفهمه المشوش أدخل إطار المعاملات فى إطار العقيدة ما أنشأ العقلية الخرافية التى لا تفرق بين المجالات المتنوعة، وتثمر الدعوة إلى الكراهية والتشدد، وتؤدى إلى: «الانتحار، أو الانبهار، أو الاجترار، أو الانحسار، أو الاغترار»، وكلها مناهج مرفوضة. وإن إعادة هذه الفتاوى، وأمثالها فى مجتمعنا يجعلنى أستحضر وصف الشيخ محمد الغزالى، حين قال: «هذا فكر قطاع طرق لا أصحاب دعوة شريفة، وهؤلاء نجحوا فى الهدم لا فى البناء بهذا الإسفاف، وأدركت أننا أمام خيانة عظمى انطلق فيها الأقزام والأمساخ يعرضون أفكارهم على الأمة اليتيمة لتجرى وراءهم إلى الهاوية، وبعض الشباب التحق بجماعة دينية، لأنه لم يجد عصابة لقطع الطرق يلتحق بها، فهو فاتك فى ثياب واعظ، ومع ذلك فهو ضحية متحدثين فى الدين اختاروا من الأقوال ما يلائم أذواقهم، ثم عرضوها على أنها الدين الأوحد.. يوم يجىء رجل من «وادى النيل» أو من صحراء «نجد» ليهيل التراب على سماحة هذا الدين.!! رحم الله الغزالى.. كتب كلامه قبل أن يولد «العريفى» وقد صدق. وسؤالى المنطقى: إذا كان المسلم الذى يهنئ المسيحى بعيده أقر بعقيدته وبالتالى فقد كفر! فلماذا لا نقول بالمثل: إن المسيحى الذى يهنئ المسلم بعيده قد أقر بعقيدته وبالتالى فقد أسلم؟!