تحولت الهوية الفلسطينية بالنسبة إليه إلى عرق يجب الحفاظ عليه، هو يمثل حالة الشتات التى يعيشها الآن الفلسطينيون بكل ما لها من معنى، فناجى الناجى قاص وروائى يعمل فى مجال الإعلام لم ير وطنه الأم يوما، وكل ما يعرفه عن مدينته يافا سمعه من والده وجده. حياته بدأت فى مخيم "اليرموك" في سوريا حيث ولد، وبعدها انتقل مع عائلته من بلد إلى آخر، سافر إلى عدة بلدان أوروبية، ثم استقر سنوات فى تونس، وبعدها انتقل ليعيش فى مصر منذ 14عاما. الاغتراب بالنسبة لأى شخص عادى يقيسه بوطنه، وحقوقه فيه، علاقته بالأرض وبيته، وأهله، هو واحد يفتقد شيئا اغترب عنه، أما بالنسبة لناجى وأى فلسطينى مثله فالحال مختلف، لم يكن لك وطن، أو بمعنى أصح وطنه سلب منه، ووجد نفسه بشكل تلقائى خارجه، لا يملك جنسية أو يبحث عن واحدة، أو يسعى للحصول على إقامة، مصاريف حياتية باهظة، ودول تمنع دخول الفلسطينيين كل هذا من وجهة نظر ناجى يجعل لديه إصرارا على التمسك بفلسطينيته وأنه خارج وطنه الذى يحيا بداخله. يرى ناجى كل ذلك فى قصة زواجه التى بدأت فى تونس عندما كان لا يزال طالبا فى مدرسة القدس للاجئين الفلسطينيين، حيث تعرف على زوجته لأول مرة، وافترقا بعد اتفاقية أوسلو التى سمحت لأسرة زوجته بالعودة إلى مدينتهم الخليل فى فلسطين، وبعدها رحلت أسرته إلى القاهرة لتستقر بها. كل هذه الحدود جعلت زواج ناجى صعبا، فهو لم يحضر قراءة فاتحته التى كانت فى بيت أهل العروس بالخليل، حضرها فقط والده وكانت هذه أول مرة يعود إلى فلسطين بعد أن تم تهجيره منها منذ أربعين عاما، ثم خطوبته التى كانت فى سوريا والتى لم يحضرها جزء كبير من عائلة زوجته، وفى قرية صغيرة على حدود الأردن كان عقد قرانه على زوجته الذى لم يحضره والدها لأن السلطات الإسرائيلية منعته من الخروج، وفى مصر حيث كان عرسهما كان الوضع أفضل فأغلب العائلة استطاعت أن تحضر. توجت قصة زواج ناجى بابنة سماها "يافا" على اسم مدينته التى لم يرها، وكأنها ورقة "الطابو" التى تحفظ له ولها بملكية أرضه، التى إذا نظر إلى المدى القريب سيرى أنه من الصعب أن يعود إليها ليورث ابنته فكرة اللاجئ لأنها قضية لن تموت لأن الفلسطينى شاء من شاء، وأبى من أبى مصمم على العودة. أشياء كثيرة تشعره بوضعه، فى حياته لم يدخل مصلحة حكومية ووقف فى طابور مواطن وليس أجنبى، اعتاد أن يكون هكذا أجنبيا فى أى مجتمع عاش فيه مهما تزاوجت عاداته بعادات هذا البلد، سيظل له هويته الخاصة به، فالفلسطينية عرق وليست جنسية، لذلك هناك "عرب فلسطينية" كما يقول ناجى لأنهم مناضلون يحملون هم القضية ربما أكثر من بعض الفلسطينيين. هناك أشياء كثيرة تعلق بعقل ناجى، قرأ أو سمع عنها فى حكايا أهله، يذكر كيف كانت بلدته قبلة للفنانين، ولها السينما الخاصة بها، ويغنى بها أشهر المطربين فى الوطن العربى، يذكر كيف خرج والده محمولا على كتف جده وعمره أربعة سنوات فى عام 1948 وحوله يسير أعمامه وعماته، وجدته التى تأكدت من أن "اللمبة اللى برة مطفوهاش لأن يمكن راجعين"، وربما لا زالت مضاءة منتظرة عودتهم. إحصائية: تقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين فى مصر مع بداية عام 2011 بنحو 84 ألف مواطن فلسطينى، عدد كبير منهم جاء من قطاع غزة بقصد الدراسة. مدينة يافا: تقع علي بعد 55 كيلومترا من الشمال الغربي للقدس. كانت أحد أكبر مدن فلسطين وبوابتها للبحر المتوسط، وضمت 7 أحياء عامرة بالسكان حتي تهجير أغلب أهلها أثناء النكبة. انضمت عام 1950 إلي العاصمة الإسرائيلية تل أبيب. يقطنها الآن أكثر من 60 ألف نسمة أغلبهم من اليهود، مع أقلية عربية من المسلمين والمسيحيين لاتتجاوز 2% من السكان. تعرضت منازل ومباني يافا للهدم المنظم من أجل طمس الملامح العربية للمدينة، مع محاولات مستمرة من رجال أعمال إسرائيليين لتهويد كافة البيوت والممتلكات.