بين مقالب القمامة تجول كثيراً، قطع الشارع طولاً وعرضاً، يحسبه متابعوه باحثاً عن فتات طعام دون جدوى، فجأة ترتسم الفرحة على وجهه؛ فقد عثر على ضالته، يخرج يديه من صندوق القمامة، فإذا به يحمل جريدة، ينفض عنها ما تعلق بها من أتربة، وينزوى إلى الرصيف ويبدأ قراءة الأخبار. يجلس سعيد حامد، يومياً أسفل كوبرى 15 مايو، يعرف صناديق القمامة التى سيقلبها بحثاً، بعدها تبدأ مهمة الرجل الستينى: «بفلّى الجورنال قراية، عشان أعرف الأخبار والبلد ماشية إزاى، وبالمرة أضيع وقتى، ما انا مليش لا شغلة ولا مشغلة». يبدأ «سعيد» يومه من شارع جامعة الدول العربية، يتنقل بين صناديق القمامة، عادة يومية أجبرته عليها ظروفه الصعبة: «بحب أجمع الجرايد كل يوم من الزبالة وأشوف أخبار البلد، عشان مش معايا فلوس أشتريها». لم يبالِ «عم سعيد» بالبحث عن الطعام بمقدار حصوله على الصحف من مقالب القمامة، ربما لكونه لا يشغل باله بلقمة العيش: «ما عنديش عيال والأكل بييجى لحد عندى، أصل ماحدش بيموت من الجوع، لكن لازم أعرف حال البلد وصل فين، وإيه اللى بيحصل فى مصر حبيبتى». مر رجل إلى جواره أعطاه كيسا بلاستيكيا بداخله طعام، ابتسم وقال: «مش قلت لكم ربنا ما بينساش حد؟ أصل مصر دى مليانة خير.. وهتبقى أحلى».. تفاؤله دوما يثير اندهاش كل من يعرفونه، يبادرونه بالسؤال: «مبسوط على إيه وكل حاجة تغم»؟ فيبادرهم بالإجابة: «مصر موجودة فى قلبنا يا ابنى، ولو أى حد عايز يوقعها عشان مصلحته هتقوم تانى، بس ما تخلوش حد يضحك عليكوا، واللى بيحصل دلوقتى من الإخوان ده آخر حاجة عندهم، وفجأة مش هتلاقيهم زى زمان». هيئته البسيطة وملابسه المهترئة ربما تتناقض مع الهواية التى يفضلها وهى قراءة الصحف وهو ما يدفع المارة إلى النظر إليه بتعجب شديد، لكن لا يبالى بنظراتهم: «ليها حق الناس تستغرب شايفين واحد لا لاقى يأكل ولا يشرب وبيقرا جرايد.. بس هعمل إيه.. هى دى تسليتى الوحيدة.