يقر الدكتور حسين هيكل بأن «القواعد الجديدة التى جاء بها الإسلام لتنظيم السلوك والمعاملات، كانت مقدمة لتنظيم سياسى لا مفر من استقراره، وقد اطمأنت قواعده بالفعل شيئاً فشيئاً، متأثرة بالبيئة وأحداث التاريخ»، لا سيما بعد اتساع حركة الفتوحات الإسلامية، فانتقلت أساليب وأنماط الحكم التى كانت متبعة عند الفرس والروم إلى «الحكم الإسلامى»، فانتقل من «الإمبراطورية الروحية» فى عهد الخلفاء الراشدين إلى «الإمبراطورية السياسية» فى زمن الأمويين والعباسيين، فقد كان أبوبكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم أولياء على قومهم باختيار الناس لهم ومبايعتهم إياهم، أما الأمويون والعباسيون فقد تصرفوا على أساس أنهم ظلال الله على الأرض، وأنه سبحانه وضع فى أيديهم مفاتيح خزائنه، فالراشدون ولاهم الشعب فكانوا وكلاءه، أما الملوك فغلبوا الشعب على أمره، وتسلطوا بقوة البأس على رقابه، فاعتبروا أنفسهم سادته، فضلا عن أنهم حكامه. وهناك نقطة غاية فى المهمة لفتت انتباه هيكل، إذ يقول: «إن أحدا من فقهاء المسلمين فى العصر الحديث، لم يتجه نظره إلى تصوير الفكرة الإسلامية فى الحكم تصويرا كاملا، وتطبيق هذا التصوير على الأمم الإسلامية فى هذا الزمن الذى نعيش فيه، لم يتجه أحدهم ليقيم مذهبا كاملا بين الحدود والتفاصيل، يضع كل شأن من شئون الجماعة فى المكان الواجب له من نظام الحكم فى الإطار الإسلامى الصحيح». وينتهى هيكل إلى أن الإسلام لم يحدد شكلا ثابتا للحكم، خلافة كانت أو ملكا أو سلطنة أو إمارة أو رئاسة أو غيرها، لكنه عنى بإقرار مجموعة من المبادئ التى يفرض اعتمادها وتطبيقها، دون الالتفات إلى شكل الحكم السائد، وهى: «الإيمان الحق بالله تعالى، وبثبات سنته فى الكون ثباتا ندركه بعقولنا الحرة وتفكيرنا المتصل، وأن نتعاون فيما بيننا على أن يحب أحدنا لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يؤدى الفرد واجبه لله وللجماعة، وأن تؤدى الجماعة واجبها لله وللأفراد جميعاً». وفى اختلاف مع ما سبق، يأتى رأى الفقيه القانونى البارز عبدالرزاق السنهورى فى أطروحته للدكتوراة عن «نظرية الخلافة» والتى أشرف عليها أستاذه الفرنسى إدوار لامبير، وتمت ترجمتها لاحقا ونشرها فى كتابين حملا اسم «نظام الحكم فى الإسلام» و«فقه الخلافة»، وكذلك ما طرحه خالد محمد خالد الذى رجع عن رأيه السابق فى فصل الدين عن الدولة الذى جاء فى ثنايا كتابه «من هنا نبدأ» ليؤلف كتابا بعنوان «الدولة فى الإسلام»، ويقترب فيه من ردود الشيخ محمد الغزالى على كتابه الأول فى كتاب مناظر وسماه ب«من هنا نعلم». ويبدأ خالد كتابه هذا معترفا بخطأ ما اعتقد فيه سابقا من أن الإسلام عرف، شأنه شأن المسيحية، الدولة الدينية، وأن «الدين حين يتحول إلى حكومة، فإن هذه الحكومة الدينية تتحول إلى عبء لا يطاق.. وهى فى تسعة وتسعين فى المائة منها جحيم وفوضى، وأنها إحدى المؤسسات التاريخية التى استنفدت أغراضها، ولم يعد لها مكان فى التاريخ الحديث». (ونكمل غداً)