سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«فرحانة» التى لم تذق طعم الفرحة: قولوا علينا فقرا.. قولوا جعانين.. بس ماتقولوش بلطجية تسكن فى «رملة بولاق» حيث لا مياه شرب ولا صرف ولا دورات مياه.. والأزمة الأخيرة أصابتها بضيق شديد وخوف على أولادها
هى اسم على غير مسمى، لم تذق طعم الفرحة إلا فى اسمها الذى لا ينطبق على حالها، اسمها فرحانة وفعلها لا علاقة له بأى فرحة. ولدت فرحانة نصير ونشأت فى منطقة الكفراوى التى اصطلح على تسميتها ب«رملة بولاق». سنوات طويلة لم تخرج من بين البيوت المتهدمة والشوارع المتعرجة والهواء الملوث الذى يكاد يكتم أنفاسها، فأصبحت بمرور الوقت جزءا من المكان وتشبهه فى أدق تفاصيله. هى امرأة عجوز تضيق بها الحياة فلا تيأس.. رائحة مياه الصرف والقمامة تزكم أنفها فلا تشعر بضيق، فقط تصعد إلى سطوح منزلها وتشتم الهواء النقى الذى يحيط بأبراج «نايل سيتى»، فيعطيها دفعة على مواصلة الحياة فى ذلك الخندق الذى يشبه نفقا ضيقا لكنه مطلٌّ على النيل. حالها هو حال الكثيرين مثلها ممن يقطنون هذه المنطقة، يخرجون من عششهم الضيقة ويجلسون على أبواب منازلهم للاستمتاع بضوء ودفء الشمس التى لا تزورهم إلا قليلا. الأزمة التى تعرض لها أهالى المنطقة بعد حادث هجوم بلطجية منهم على الأبراج المطلة على النيل، كادت تعصف ب«فرحانة» من كثرة خوفها على أولادها الأربعة: «كفاية اللى إحنا فيه.. عيشة ضنك ووجع قلب ومتحملين، قالولنا هنخرجكوا من هنا وإحنا بقالنا 30 سنة عايشين فى وحل وماحدش حاسس بينا». رمال مبعثرة فى كل مكان وقمامة تحتل مداخل البيوت وعروق خشبية تملأ الأرض وتعرقل خطى المارة، هذا هو حال المنطقة التى لم تصل إليها يد الإصلاح، فسكانها يعانون من عدم وجود مياه للشرب، ولا خدمة الصرف الصحى ولا دورات مياه فى البيوت، فالمياه تصل إليهم عبر خراطيم من «حنفية عمومية» وسكان الحى كلهم يستخدمون دورة مياه واحدة بلا باب ولا شباك. جسدها النحيل وعروقها النافرة وقواها المنهكة، لم تمنع المرأة السبعينية من الخروج من عشتها التى تقيم فيها مع أولادها وأحفادها وقت الأزمة لتقول بأعلى صوتها: «إحنا مش بلطجية.. إحنا مربيين ولادنا كويس.. انتو عايزين مننا إيه.. ده إحنا على هامش أى نظام». أصعب ما تعانيه «فرحانة» هو دورة المياه المشتركة التى يتراص أهالى المنطقة أمامها فى طوابير! ومع ذلك فهم يعيشون ولا يعكرون على أى حكومة صفوها، لكنهم يرفضون اتهامهم بالبلطجية: «والله ما اعترضنا على حاجة، ومانرضاش إنهم يقولوا علينا بلطجية».