قبل أكثر من عامين ذهبت إلى أوكرانيا لحضور فعاليات المؤتمر الدولى للصحفيين الاستقصائيين، ويومها مررت فى وسط كييف على اعتصام دائم لأنصار رئيسة الوزراء المسجونة بسبب اتفاق مع روسيا، قيل إنه أضر ببلادها أو هكذا أراده خصومها، وكما تأكل الثورات أبناءها ذهبت «يوليا توموتشينكو» الشقراء ذات الضفيرة الشهيرة إلى محبسها ومعها إحباط سنوات ما بعد الثورات، فمنذ عام 2004 وروسيا تجاهد لوضع الأوكرانيين فى حظيرتها بعيدا عن الغرب، وفى المقابل تسعى أوروبا إلى الأوكرانيين ولكن ليس بنفس الروح الروسية التى تجرعت كأس الثورة البرتقالية وهزمها شعار الاستقلال! اليوم يعاود الأوكرانيون جهادهم، وأتذكر عند رؤية مظاهراتهم وقفات منظمة منضبطة تغار عند رؤيتها، يكنس فيها الناس خيامهم وما حولها ويرسمون على لوحات صور زعيمتهم «يوليا توموتشينكو» وعروض للثورة البرتقالية للتذكرة بأيام ثورتهم الجميلة، بين روسيا والغرب تدور المعركة الأوكرانية وكأنه قدر الثورات أن يتكأكأ عليها الخارج كل فى سبيل مصلحته، فبينما تتأرجح كييف بين بروكسلوموسكو، تنظر القاهرة بين موسكو وواشنطن رغم الفارق، الأمم التى تتحرر تخشى عليها القوى الكبرى من هبات التغيير ونغمات الإصلاح ومن ثم تأتى الحلول من الخارج «دليفرى» فالتغيير حسب الأجندات الخارجية مشروط وحسب الهوى، فما بالك لو كانت إلى جانبها مؤامرات تستدعى كافة الأزمات للذهاب إلى الفوضى وترتيب الأوضاع لما فيه المصلحة، مصلحة القوى الكبيرة وليس مصالح شعوب تريد التغيير! فى برد أوكرانيا يغسل الأوكرانيون أوجاع سنوات ما بعد 2004 ويستنشقون هواء جديدا ومعه أحلام أخرى بالذهاب غربا لأنه من وجهة نظرهم فيه الصلاح والإصلاح والتغيير، فى حين أن التبعية واحدة سواء كانت لدب روسى أو يورو مستغل، المصالح فى البحر الأسود تنادى الجميع كما لدينا فى المنطقة، فمصر الكبيرة بتاريخها وموقعها وجغرافيتها تستدعى أيضاً الجميع؛ متآمرين ومستغلين ومتصارعين! «أوكرانيا» بلاد تشرنوبيل لن تنسى كوارثها التى ارتبطت فى الأذهان بالاتحاد السوفيتى، ولن يتجاوز التاريخ عن أن دينامو كييف كان نادى الروس الأبرز قبل الانفصال عن الاتحاد، الأوكرانيون يحاربون زمناً مضى و«كرملين» لم ينس ولاياته، وينظرون لغرب طامع طامح مسيطر، والنتيجة تعثر للثورات وأمانى التحول؛ لأن الوجهة الوطنية بامتياز هى الطريق لآمال الشعوب فى المستقبل! الغرب يشترط علاج «توموتشينكو» فى الخارج كشرط للانتساب للاتحاد، فى حين يحارب «يانكوفيتش» مع بوتين على قطعة شطرنج جديدة مع أوروبا لعرقلة الذهاب إلى بروكسل، وكما يفعل الغرب دائما يتخفى وراء حقوق الإنسان لإنجاز مصالحه فى مواجهة روسيا بإيعاز أمريكى واضح! المواجهات واحدة وإذا جئت إلى القاهرة من كييف ستجد المشهد متشابها، شعب يتوق للتغيير ومصالح كبرى تتصارع، ووطن يئن بمشكلاته، والفارق فى التفاصيل وبعض الأطراف وعلى رأسها تنظيم دولى يحارب شعبا بأكمله، انظروا إلى أوكرانيا فالدرس البرتقالى امتد 10 سنوات، ويبدو أنه سيستمر، فهل نستطيع أن نتغلب على الأوكرانيين ونختصر سنوات المعاناة لتصبح التضحيات أقل والدماء المسالة ذكرى فقط وليس حاضراً وواقعاً نعيشه ومستقبلاً ننتظره!