منذ أيام أبلغ وزير الخارجية الأوكراني فلاديمير أوغريزكو السفير الروسي تشيرنوميردين، بأنه يمكن أن يعلن شخصاً غير مرغوب فيه، بسبب تعليقاته غير الودية التي لا تمت إلى الدبلوماسية بصلة، والتي تتعلق بسياسات أوكرانيا وتصريحات قيادتها. واعتبرت وزارة الخارجية الروسية تهديد وزارة الخارجية الأوكرانية للسفير الروسي في كييف فيكتور تشيرنوميردين، وعدداً من المسؤولين الروس الآخرين، بإعلانهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم، «خطوة غير ودية» من جانب السلطات الأوكرانية، وتثير الاستغراب، بل رأت فيها إصراراً من الجانب الأوكراني على الإساءة للتعاون الروسي الأوكراني، وإعاقة خلق جو بناء في الحوار الثنائي. ولابد من القول ان موقف الخارجية الأوكرانية لا يثير الاستغراب، ليس في إطار التعليق على تصريحات السفير تشيرنوميردين، وإنما لأن القيادة الأوكرانية تسعى منذ فترة طويلة لتصفية العلاقة مع روسيا، بل ان العلاقة مع روسيا أصبحت من أوراق معركة انتخابات الرئاسة القادمة، ولم يعد أمام الرئيس الأوكراني الحالي فيكتور يوشينكو سوى الذهاب نحو تصفية الصلة مع روسيا، والارتماء في أحضان الغرب وخاصة واشنطن، ليحصل على أي دعم قد يمكنه من الاحتفاظ بمقعد الرئاسة. والتلويح بأن روسيا تتدخل في شؤون أوكرانيا ورقة مثمرة أمام الغرب، وأمام الناخب الأوكراني، تستهدف إقناعه بأن يوشينكو يدافع عن استقلال بلاده! والمشكلة تكمن في أن المواطن الأوكراني لا يتعامل مع روسيا كطرف خارجي، ليس فقط بسبب الانتماء القومي السلافي وإنما أيضاً لأن روسيا هي المكان الذي يتوجه إليه مئات الآلاف من العمال والمنتجين لتسويق ما لديهم، وتستقبلهم موسكو وبقية المدن الروسية، وتمكنهم من حل أزماتهم المالية، ومن أجور هؤلاء يدخل أوكرانيا سنوياً نحو أربعة مليارات من الدولارات. ويدرك المواطن الأوكراني ان كل الاتهامات والتصريحات التي يطلقها السياسيون الأوكرانيون اليوم، ليست أكثر من محاولة للتقرب من الناخبين، في وقت فقد الناخب الأوكراني الثقة في العملية الانتخابية ورموز السلطة السياسية، كما فقد الأمل في كافة الوعود التي أطلقتها الثورة البرتقالية عام 2004. ولابد من القول ان أزمة الغاز الأخيرة بين موسكو وكييف قد تركت رواسب سلبية في نفوس الأوكرانيين، الذين شعروا بأن روسيا يمكن أن تتخلى عنهم، إلا أن البعض بدأ يعتقد أن أزمة الغاز لم تكن أكثر من لعبة سياسية استهدفت القيادة الأوكرانية منها إضعاف المحور السلافى، وإفشال جهود روسيا لتشكيل اتحاد اقتصادي يجمع روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية سابقاً. خاصة بعد أن كشفت التطورات الجارية عن توحيد بلدان الفراغ السوفييتى السابق في إطار اقتصادي واحد أمر حيوي ومهم بالنسبة لشعوب هذه البلدان، وأن الغرب لن يتمكن من إفشال ذلك، ولا يسعى لدعم هذه الدول أو مساعدتها للخروج من أزماتها. ويرى البعض أن تفجير أزمة الغاز الروسي ينسجم مع مساعي الغرب بتحفيز تشييد خطوط أنابيب جديدة لنقل الغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا خارج أراضي روسيا وأوكرانيا على غرار مشروع خط الغاز «نابوكو». وتكشف دراسات مراكز الأبحاث الاقتصادية أن مشروع (نابوكو) لن يحقق العائد الكبير، إلا أنه سيضعف من علاقة بلدان وسط آسيا مع روسيا، وسيمكن الغرب من إزاحة روسيا من القوقاز ووسط آسيا. لقد بات واضحاً أن يبدو أن الرئيس يوشينكو لم يجد سبيلاً للبقاء في الحياة السياسية للبلاد إلا عبر السماح باستخدام أوكرانيا في لعبة صراع المصالح الدولية على مناطق الثروة. وجاء تصعيد التوتر الأخير في العلاقة مع روسيا، بعد أن كشفت استطلاعات الرأي عن إن 9, 70% من الناخبين يؤيدون استقالة يوشينكو من منصب الرئاسة، بينما يدعم 3, 19% بقاءه. ويؤيد حجب الثقة عن يوشينكو 6, 56%. ويدعو1, 43% إلى استقالة رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو، فيما يدعم 2, 45% يؤيدون بقاءها في هذا المنصب. ما يعنى أن مصير يوشينكو بات محسوماً، وأن الصراع سيكون بين تيموشينكو ويانكوفيتش زعيم حزب الأقاليم. بقلم :فلاديمير س ادافوي كاتب ومحلل سياسي أوكراني