هل سألت نفسك مرة: ما صورتى فى العالم؟ كيف ينظر إلىّ الناس؟ ما الصفات والأدوار التى ينسبونها إلىّ بمجرد سماع اسمى أو صفتى؟ مسلم.. عربى.. مصرى؟ ماذا يعنى هذا لدى الآخر؟ كيف يترجمه؟ ما النمط أو القالب الذى يضعنى فيه بمجرد سماع هذا الوصف؟ أنت تسأل عن الصورة الذهنية IMAGE؛ أى جملة الانطباعات التى تلحق باسم علم ما (سواء كان فرداً أو دولة أو مؤسسة) لدى الآخرين، بمجرد سماع اسمه، والتى ليس أصعب من بنائها على نحو إيجابى سوى تغييرها إن بلغت درجة كبيرة من السوء. لا تستهن بهذه الصورة، ولا تخطئ فتتجاهلها أو تتقاعس عن رصدها وقياس أثرها فى حياتك وتفاعلك مع الآخرين. فالمسألة لا تبقى محض انطباع مغلق عليه فى الأدراج أو محبوس فى الأدمغة؛ إنها صور تغذى السياسة والعسكرية والاستراتيجية، وتعصف بالأمن أو تعززه، وتحرك الاقتصاد إما صعوداً أو هبوطاً، وتؤثر فى شتى التعاملات وعلى المستويات كلها؛ بدءاً من الأفراد بين بعضهم بعضاً، ومروراً بالجماعات والشركات والمؤسسات على اختلاف أنواعها، وليس انتهاء بالدول والتكتلات والتجمعات الجغرافية سواء كانت إقليمية أو قارية. وثمة علماء ومتخصصون مهنتهم قياس الصورة الذهنية والعمل على تحسينها أو إعادة بنائها إن استدعى الأمر، وهم يستخدمون فى عملهم مؤشرات وأدوات علمية بات متفقاً عليها ومبرهناً على جدواها فى إنجاز هذا الأمر على نحو سليم. لكن الجميع يتفق على أن أقصر طريق لتحسين «الصورة الذهنية» هو التصرف بشكل سليم وإيجابى، وأن أسرع وسيلة للحصول على «صورة ذهنية» سلبية تتمثل فى التصرف بشكل خاطئ. أنت نفسك لا تستطيع أن تنكر أنك ربما اشتريت يوماً سلعة ما معززاً قرارك بسمعة بلد المنشأ، التى تحددها عبارة «MADE IN..» (أو صُنع فى)، المكتوبة فى مكان ما من جسم السلعة، وقد تكون أيضاً تراجعت عن زيارة بلد ما، رغم توافر برنامج سياحى متكامل وبسعر عادل أو منافس، لأن الأفكار التى يحملها رأسك عن هذا البلد أو أهله لا تشجع على ذلك. واليوم تدرك الدول المتقدمة أن كثيراً من الجهد يجب أن يبذل من أجل تحسين صورتها؛ فمن خلال الصورة الإيجابية ستتحقق عوائد كثيرة؛ فتقل حدة التهديدات والمخاطر المحدقة بمصالحها ومواطنيها، وتزيد أعداد السائحين الوافدين إليها، وتنتعش صادراتها السلعية للبلدان، وترتفع درجة مصداقيتها فى السياسة الدولية، فيتحسن أداء دبلوماسيتها العامة، وتُفعل سياساتها على النحو الأمثل بما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية ويجلب لها أكبر المنافع بأقل التكاليف. لقد لاحظت شركات كبرى ومؤسسات عامة وجمعيات «غير هادفة للربح» فى الولاياتالمتحدةالأمريكية أن صورة بلادها كدولة بلغت مستوى من السوء قياسياً؛ الأمر الذى يطرح تهديدات جمة وينذر بعواقب وخيمة على الأمريكيين ومصالحهم المنتشرة فى العالم. وما زاد الأمر سوءاً أن عبارة «لماذا يكرهوننا؟» التى كانت مقتصرة لفترة من الزمن على الحكومة والسياسة الأمريكية فى العالم، اتسعت لتشمل الشعب الأمريكى أيضاً على ما يبدو، فقد اكتشفت «بزنس فور دبلوماتيك أكشن»، وهى مؤسسة متخصصة فى الإعلانات والدعاية، عبر مسح أجرته فى دول عديدة، أن «الانطباعات عن الشخصية الجمعية للأمريكيين باتت أحد الأسباب الجذرية لمشاعر العداء العالمى للولايات المتحدة». فماذا فعلت هذه المؤسسة، التى تلقت تمويلات من شركات كبرى مثل «ماكدونالدز» و«إكسون»، لتنفيذ خطتها فى تحسين الصورة الأمريكية للتخفيف من مشاعر العداء العالمية تجاه الولاياتالمتحدة وسياساتها فى العالم؟ لقد طبعت عشرات الآلاف من النسخ من كتيب عنوانه: «دليل المواطن العالمى»، ووزعته على رجال الأعمال والسائحين الأمريكيين الذين يجوبون العالم لقضاء المصالح أو الاستمتاع وتمضية العطلات. ويستهدف الدليل إعطاء الإرشادات التفصيلية للأمريكى الذى يخرج من بلاده، بما يمكنه من التصرف بشكل يكسب الإعجاب والاحترام ويتفادى أنماط السلوك التى قد تجلب الاستنكار أو الاحتقار وتكرس العداء. فكرة جميلة.. كتيب بعنوان: «دليل المواطن العالمى»، يشرح لنا كيف نتصرف حين نغادر بلادنا، وما الأمور التى، للأسف، اعتدنا عليها، ويجب أن نقلع عن فعلها، حتى نجلب لأنفسنا ولبلدنا أكبر قدر من الاحترام ونتجنب الاستهجان أو الاحتقار أو العداء. تقول «بزنس فور دبلوماتيك أكشن» إن الدليل الذى أعدته ووزعته لاقى اهتماماً من قطاع من المواطنين الأمريكيين الذين اعتادوا السفر إلى الخارج، وتؤكد أيضاً أن لديها مؤشرات تفيد أن هذا الدليل حقق نتائج قابلة للقياس فيما يتعلق بتحسين سلوك الأمريكى خارج بلاده، وبما ينعكس إيجابياً على صورة البلد فى دول عديدة فى هذا العالم. لقد عدت للتو من رحلة عمل طويلة قادتنى إلى ست دول؛ وقد اكتشفت مثلاً أننا نعطى أسوأ الانطباعات عن أنفسنا عادة، بسبب أنماط سلوك معينة اعتدنا عليها ولا نريد التخلص منها. سأتحدث فقط عن المواقف التى نتجمع فيها كمصريين بالضرورة عند إتمام إجراءات السفر من أو إلى القاهرة، أو عند الصعود إلى الطائرة، أو النزول منها، يحاول بعضنا أن يتجاوز دوره، أو يتخطى حدود الوزن المسموح به، أو يناكف مسئولى السفر، أو يتحرك من مقعده فى الطائرة قبل أن تقف عجلاتها تماماً عند الهبوط؛ وهى تصرفات تثير الاستياء لدى الكثير من أبناء الشعوب الأكثر تنظيماً واحتراماً للقواعد. ترى فى كم صفحة يجب أن يصدر «دليل المواطن العالمى»، الذى يمكن أن نعده لكل مصرى، ليحمله معه فى سفرته المقبلة؟