يبدأ الجدار ببورتريهات لوجوه ألفتها العيون، نرى ضيَّها في أغنية وطنية تحمل معنى فداء الوطن بالروح، جميعها وجوه لشباب مصري أصيل، لبعضها لِحَى وتعلق الأخرى صلبانا، قُتلوا جميعا من أجل مطلب الحرية. تتوسط المشهد جدارية كبيرة للشيخ عماد عفت ومينا دانيال، يمسكان لوحة عليها تساؤل: "مين بعدينا؟"، وتحتهما شواهد لقبور شهداء فاق عددهم الحد، اختلفت المناسبات التي قُتلوا فيها، واختلفت أسباب قتلهم، ليكون الشارع نفسه مثل المقبرة التي تحوي وجوهًا رُسمت بالجرافيتي، وأرواحًا ترفرف في مكان قتلها. في نهاية الشارع، يوجد رسم تعبيري لمعركة لا تنتهي بين الثوار والداخلية، يرتدي أفراد الأمن فيها الزي الأسود، ويشبهون إلى حد كبير زبانية جهنم، فيما يتساقط حولهم شهداء بالعشرات، لهم أجنحة كالملائكة، وأمهاتهم ثكالى يجلسن على قبورهم. شارع محمد محمود شهد معركة صمود وقتال بين الشباب الثوري و"داخلية منصور العيسوي" في سبتمبر 2011، راح ضحيتها عشرات الشباب ومئات المصابين، ولكثرة الجدران بالشارع، تحول إلى متحف مفتوح لفن الجرافيتي، يجبر المارة على تذكر شهداء "دفعوا ثمن الشوارع دم". سيطر "جيكا" على معظم جرافيتي محمد محمود، كما رُسمت جدارية عليها شعار "شارع الشهيد جابر صلاح". وجابر شاب لا يتعدى عمره 18 عاما، توفي بطلق ناري في الرأس أثناء مشاركته في إحياء الذكرى الأولى لمحمد محمود عام 2012. كانت الرصاصة من قوات وزارة الداخلية أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي انتخبه "جيكا". وبابتسامة عريضة على وجه ملامحه صافية، مرسوم على جدارية بخلفية زرقاء، ترفرف عليها حمائم بيضاء، نرى الشهيد محمد حسين "كريستي"، الشاب العشريني ذا البنيان القوي، في الشارع. "كريستي"، وهو الاسم الذي اختاره الشهيد لنفسه رفضًا للعنصرية، استشهد خلال مشاركته في مظاهرات أمام قصر الاتحادية، لإحياء الذكرى الثانية لثورة 25 يناير. اخترقت طلقتان من الرصاص الحي صدر ورقبة الشهيد، وأودتا بحياته. الطبيب الشهيد، الطالب بالسنة النهائية بطب عين شمس، ذهب به طلق ناري في الرأس إلى الجنة. علاء عبد الهادي، توفي مواجهًا قوات الجيش التي فضت اعتصام مجلس الوزراء في 16 ديسمبر 2011. جدارية الشهيد تصوره مرتديًا زيه الأحمر، وتغطي عيناه نظارة طبية عريضة، وابتسامة تخفي وراءها تفوقا وذكاء شهد له جميع رفقائه. كان علاء طبيب الميدان خلال ثورة 25 يناير، وتوفي وعمره لا يتعدى 24 عامًا. يُرفع الأذان داخل الجامع الأزهر. صلاة الظهر تعقبها صلاة جنازة شيخ شهيد، لقي ربه أثناء فض اعتصام مجلس الوزراء في ديسمبر 2011. لحنٌ حزينٌ داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في أكتوبر 2011. صلاة الجنازة على شهيد قبطي قُتل أثناء مشاركته في مظاهرة أمام مبنى "ماسبيرو". جرافيتي كبير جمع الشهيدين؛ عماد عفت بجلبابه الرمادي الفضفاض وعمامته الأزهرية، ومينا دانيال بشعره الطويل في جلباب أسود. واجها نفس المصير، لقي أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية (52 عامًا) ربه بطلق ناري برصاص قوات الجيش، التي قتلت مؤسس ائتلاف شباب ماسبيرو (20 عامًا) أيضًا. لم يكن الشهداء فقط عنوان جداريات محمد محمود، فكل جرافيتي له معنى ورسالة محددة، ولم تترك الجداريات أمرًا سلبيًا وقع في مصر خلال ثلاث سنوات إلا وعرضته. "اللي يقول لِك يا بطل، ورِّيه العضل، أوقفوا التحرش". جدارية لحث الفتيات على مقاومة التحرش الجنسي. الإعلام وما يفعله في عقول المتفرجين، صوَّره الجرافيتي كأنه كائن فضائي يحتل العقول. جدارية بعنوان "الحرية لكل سجين، حبسوا إخواتنا في الزنازين" مطلب الحرية الدائم، مع صور لبعض المعتقلين السياسيين، كما لم يخلُ المشهد من فلسطين، وصورة لطفل ينتظر العودة بصبر بالغ. لم يُسعف الجدار الرسامين لنقش كل وجوه الشهداء والأبطال في نضال الحرية، لكنهم تذكروهم بكاتبة الأسماء. لا يستطيع أحد أن يغفل محمد الجندي، ومحمد يسري سلامة، وعاطف الجوهري، وكريم خزام، ومحمد عادل، ومصطفى إسماعيل حسين، وعمرو إبراهيم الدسوقي، وأحمد إبراهيم، وفتيات كشوف العذرية، وعمر صلاح "طفل البطاطا"، وأحمد صالح، والحسيني أبو ضيف، و74 شهيدًا ضحايا مجزرة بورسعيد.