تناولنا فى المقالين السابقين ضرورة رفض الإرهاب الإخوانى المؤسس على أفكار ومفاهيم تحض على العنف وتلتزم بأفكار سيد قطب التى تكفر المجتمعات الإسلامية وتتهمها بالجاهلية، واستبدال بذلك الفكر التكفيرى المناهض لمفاهيم «الوطنية» بناء فكرياً جديداً يكرس مفاهيم الإسلام الوسطية وقيم المواطنة وإعلاء أهداف «المجتمع» لا «الجماعة». وبدراسة منهج الجماعة تبدو حقيقة تحويل أعضائها إلى آلات تسمع وتطيع لا تملك من أمرها شيئاً! فعضو الجماعة مأمور بإطاعة المرشد «الإمام» وطاعة الرؤساء فى التنظيم، بدءاً من قائد الأسرة، وهى الخلية الأساسية فى التنظيم الإخوانى، وصولاً إلى قمة التنظيم، ممثلاً فى مجلس الشورى العام ثم المرشد العام. وتكرس أساليب التربية الإخوانية مفاهيم الطاعة والولاء للتنظيم وقياداته، وتعمل على «تنميط» الإخوان بحيث يصبحون أدوات يسهل على القادة تشكيلهم وتوجيههم إلى الوجهة التى تتفق وأهداف الجماعة فى سعيها إلى امتلاك الوطن وتحويله إلى «خلافة إخوانية»! ويصل تحكم الجماعة فى أعضائها إلى حد التدخل فى حياتهم الخاصة ودفعهم إلى قبول مبدأ «الإخوانى يجب أن يتزوج إخوانية»، وإلى حد أن تقوم قيادات الشُّعب والمناطق بالتدخل فى خصوصيات الأسر لحل مشكلاتهم العائلية. وتشجع الجماعة على تنمية علاقات النسب والمصاهرة بين أعضائها، فى محاولة لتكوين مجتمع مغلق خاص بهم بعيداً عن المجتمع الوطنى الكبير، فما أشبههم بفكرة «الجيتو» عند اليهود! وقد وردت أحاديث كثيرة عن الأصول الماسونية للجماعة بدءاً من مؤسسها حسن البنا. وجاء فى رسالة «التعاليم» لحسن البنا أن الطاعة هى «امتثال الأمر وإنفاذه تواً، فى العسر واليسر والمنشط والمكره»، فى كل مراحل الدعوة الثلاث، بحسب قوله؛ وتبدأ بمرحلة التعريف «بنشر الفكرة العامة بين الناس»، وفى هذه المرحلة تعمل الجماعة بنظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى. ويفهم من رسالة «البنا» أن هذه المرحلة تمثل بداية لترويج فكر الجماعة بأسلوب هادئ لا يكشف عن طبيعتها الحقيقية متخفية فى شكل محاولات لدعوة دينية بغير إفصاح عن الأهداف الحقيقية للجماعة، مع تقديم خدمات فى شكل مشروعات مدارس ومستوصفات، إلى جانب مساعدات عينية للفقراء حتى تتمكن الجماعة من غزو عقول الناس. ويمضى المرشد حسن البنا قائلاً إنه فى مرحلة التعريف يتصل بالجماعة «كل من أراد من الناس، متى رغب المساهمة فى أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها. وليست الطاعة التامة لازمة فى هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة». ثم تنتقل الدعوة إلى جماعة الإخوان إلى مرحلة التكوين «باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد، وضم بعضها إلى بعض. ونظام الدعوة فى هذه المرحلة صوفى بحت من الناحية الروحية، وعسكرى بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة)، من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج». فهل بعد ذلك من شك فى الأساس التى تقوم عليه الجماعة من استخدام الدين كوسيلة لاجتذاب أعضاء للجماعة ثم تدريبهم عسكرياً لتنفيذ ما يؤمرون به دون مناقشة وذلك باسم الدين؟! ويضيف المرشد العام للجماعة بوضوح وصراحة أن الدعوة فى مرحلة التكوين تكون «خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعداداً تاماً حقيقياً لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة». ثم تتحول «الدعوة» فى مرحلتها الثالثة من دعوة ربانية تستدرج الناس بالتمسح بالدين إلى أمر «بالجهاد الذى لا هوادة فيه، وعمل متواصل فى سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح فى هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك»! ويقول المرشد الأول للجماعة إن الصف الأول من الإخوان المسلمين قد بايعوه على الجهاد والعمل للوصول إلى الغاية فى يوم 5 ربيع الأول سنة 1359ه [1938م]، ويخاطب الأعضاء الجدد بقوله: «وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بهذه البيعة، تكون فى الدور الثانى، وبالقرب من الدور الثالث، فقدّر التبعة التى التزمتها وأعدّ نفسك للوفاء بها»! وما تعيشه البلاد حالياً ومنذ 30 يونيو من إرهاب وعنف يتصاعد يوماً بعد يوم خير دليل على تورط الجماعة الإرهابية فى دفع أعضائها والمتورطين معها إلى ارتكاب جرائم غير مسبوقة ضد الوطن والمواطنين، دون أن يناقشوا أو يعترضوا ودون أن يسألوا أنفسهم ما دوافع قادتهم إلى حرق الوطن وتدميره! ويرتبط بالأمر بالسمع والطاعة فى منهج الإخوان المسلمين ما جاء فى رسالة حسن البنا حول مفهوم الثبات وهو «أن يظل الأخ عاملاً مجاهداً فى سبيل غايته، مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين؛ فإما الغاية وإما الشهادة فى النهاية». كذا يطالب «البنا» أعضاء جماعته بالتضحية، ويقصد بذلك «بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شىء فى سبيل الغاية، وليس فى الدنيا جهاد لا تضحية معه، ولا تضيع فى سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم»! ورغم أن المرشد البنا يطالب «الأخ الصادق» بضرورة تحرى الدقة فى أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، فإن الإرهاب الحادث فى الوطن يؤكد أن الإخوان الإرهابيين قد نسوا «تعاليم» مرشدهم وإمامهم ونجح «القطبيون» من قيادات الجماعة فى هدم المعبد على رؤوس الجماعة!