تتباكى قطر على فلسطين، وتذرف الدمع على القضية الفلسطينية، وتتشدق أبواقها الإعلامية بتلالبيب القضية، ويهيلون التراب على الأنظمة العربية، ويكيلون الاتهامات لها بالتفريط فى حق القدس عبر ما يسمى ب«صفقة القرن»، فى الوقت الذى تخرج فيه أموال الإمارة لتدخل جيوب المنظمات الصهيونية. كيف ذلك؟! قد تتساءل باستنكار، وهذه هى القصة. فى الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، وسائل الإعلام تتناقل مشاهد المجزرة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين فى مسيرة العودة، فيما يطل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى من قناة قطر المسماة «الجزيرة»، فى اختراق واضح للوعى العربى تجاه الكيان الإسرائيلى دأبت عليه الإمارة طوال السنوات الماضية، ولكن تلك الصورة هى جزء من مشهد عام رُسم فى سيناريو تنتجه الإمارة وتنفذه شركات علاقات عامة يهودية نشطت بعد مقاطعة الرباعى العربى الداعى لمكافحة الإرهاب للدوحة، استهدفت إظهار قطر فى دور الحليف والضحية، وشيطنة «مصر والسعودية والإمارات والبحرين». عليك أن تسأل: لماذا لم تكن «الجزيرة» وأخواتها تذكر تفاصيل تلك الزيارات ولقاءات «تميم» السرية مع اليهود الممولين لقتل وتشريد الفلسطينيين.. ولماذا غيّر «ترامب» انتقاده لقطر فى بداية أزمتها مع الرباعى العربى واتهامها بالإرهاب حتى توسطه لإنهاء الأزمة؟ فخلال العام الماضى تعاقدت قطر بملايين الدولارات مع ما يربو على 25 شركة ضغط أمريكية تولت المهمة بمبلغ تجاوز 24 مليون دولار، كان بينها شركة «استراتيجيات ستونينجتون» التى يديرها «نيك موزين»، الذى عمل فى السابق مع السيناتور الجمهورى اليهودى «تيد كروز»، وشركة «ليكنسجتون للاستراتيجيات» التى يديرها رجل الأعمال اليهودى، سورى الأصل «جوى اللحام»، وهما الشركتان اللتان ترتبطان بعلاقات جيدة مع المجتمع اليهودى الأمريكى، وكانت مهمتهما ترتيب زيارات القيادات اليهودية إلى الدوحة وعقد لقاءات لهم مع المسئولين القطريين، ظناً من الجالسين فى الإمارة أن اليهود هم مُلّاك مفاتيح الساكن فى البيت الأبيض، وعملاً بالطريقة المكيافيلية «الغاية تبرر الوسيلة». وحينما ظنت الدوحة أن خطة اتخاذها اليهود كحصان طروادة لتبييض وجهها من تهمة دعم الإرهاب آتت ثمارها بعد الزيارات المتتالية لقيادات المنظمات الصهيونية للإمارة خلال خريف العام الماضى وشتاء العام الحالى، ولقاء أمير قطر مع الرئيس الأمريكى وكبار رجال إدارته، ترك اليهود «تميم» فى منتصف الطريق بعد أن ابتلعوا ملايينه، على وقع تسريب تفاصيل تلك الصفقات فى وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية خلال الأيام الماضية، واتهام تلك المنظمات بجعل أصوات اليهود معروضة للبيع على قارعة الطريق لصالح قطر، فأنهى «موزين» فى السابع من يونيو الماضى عقده مع قطر بعد أن رفع «إليوت برويدى»، وهو جامع تبرعات جمهورى بارز وحليف ل«ترامب»، دعوى قضائية ضد «ستونينجتون» و«موزين» وقطر وشقيق حاكم قطر، واتهمهم باختراق رسائله الإلكترونية وتوزيعها على الصحف لتشويه سمعته ومنعه من الدفاع عن الإمارات. الإمارة استضافت قيادات المجتمع اليهودى الأمريكى.. و«تميم» عقد لقاءات سرية معهم فى الدوحة لمواجهة «مصر والسعودية والإمارات والبحرين».. و«الدوحة» منحت 100 ألف دولار لرئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية.. و50 ألف دولار لوالد المتحدثة باسم البيت الأبيض وموّلت مؤسسة تنظم رحلات لجيش الاحتلال الإسرائيلى وكان «موزين»، الذى زار الدوحة أكثر من مرة، ووقّع عقده مع السفارة القطريةبواشنطن فى 24 أغسطس 2017 مقابل 50 ألف دولار شهرياً (عدّله فى ديسمبر من نفس العام مقابل 300 ألف دولار شهرياً) مهمته أن يحول الإمارة إلى قبلة لليهود، يذهبون إليها ليطربوا فيها بكلام معسول عن العلاقات القطرية الإسرائيلية المتينة ويغترفوا بأيديهم من أموال قطر ويعودوا إلى واشنطن يتحدثون عن مظلومية ما تتعرض له الإمارة. ومن هؤلاء المحامى وأستاذ القانون فى جامعة هارفارد الأمريكية، «آلان ديرشوفيتز»، الذى ذهب فى يناير إلى قطر وكتب على موقع «ذا هيل» الأمريكى عن تلك الرحلة واصفاً قطر بأنها «إسرائيل دول الخليج»، وأنه سمع من أمير قطر أنه تم طرد قادة «حماس» من الدوحة، مبرراً العلاقات القطرية الإيرانية، ومشيراً إلى انفتاح قطر على إسرائيل فى مقابل رفض السعودية استقبال لاعب شطرنج إسرائيلى على أراضيها، ويمكن الرجوع للمقال على الرابط التالى: http: //thehill.com/opinion/international/368764-why-is-qatar-being-blockaded-and-isolated. وممن زاروا الدوحة، عبر «موزين»، أيضاً «مالكولم هولينن»، وهو يهودى من أصل تركى سبق أن التقى بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ويشغل «مالكولم» منصب نائب الرئيس التنفيذى لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، والقريب الصلة من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، والذى قدم دعوة لولى عهد قطر بحضور حفل زفاف ابنته. وشهد شهر يناير الماضى، أكبر رحلة ليهود أمريكا المؤيدين لإسرائيل لزيارة الدوحة ولقاء «تميم»، وضمت تلك الرحلة «مناحيم جناك»، وهو حاخام أرثوذكسى ورئيس شعبة «كاشروت» التابعة للاتحاد الأرثوذكسى، و«مارتن أولينر» العمدة السابق لمدينة لورانس فى نيويورك، ورئيس الصهاينة الدينيين فى أمريكا. وبجانب عمل «موزين» كان هناك «جوى اللحام» وشركته المسجلة باسم زوجته، والتى وقّعت عقداً مع قطر بقيمة 1.45 مليون دولار، فيه إقرار لوحدة قانون تسجيل الوكلاء الأجانب بوزارة العدل الأمريكية، عن منحها 100 ألف دولار على دفعتين ل«مورت كلاين»، رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، ليزور الدوحة، وحجزت له لتلك الزيارة تذكرة فى الدرجة الأولى على الخطوط الجوية القطرية، وكانت إقامته فى منتجع فندق «شيراتون جراند الدوحة»، كما مُنحت 100 ألف دولار لمنظمة «جنودنا يتكلمون»، التى تنظم رحلات للجنود الإسرائيليين إلى الولاياتالمتحدة، كما حصل حاكم ولاية أركنسو السابق، والمؤيد لإسرائيل، «مايك هاكابى»، ووالد المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، على 50 ألف دولار مقابل زيارة الدوحة. ومكّن «اللحام» الدبلوماسى القطرى السابق أحمد الرميحى من حضور الحفل السنوى لمنظمة «إيباك» فى نوفمبر الماضى، كما مكّنه من التقرب للدائرة القريبة ل«ترامب» مثل مايكل كوهين، محامى ترامب الشخصى، وقد قام مايكل أفيناتى، المحامى الخاص بالممثلة الإباحية «ستورمى دانيلز»، التى تتهم «ترامب» بإقامة علاقة جنسية معها، بنشر صورة للرميحى مع كوهين. وأمام الضغط اليهودى أعلن «اللحام» إنهاء علاقته بقطر، مشيراً إلى أن تعاقده المبدئى كان الترويج لكأس العالم 2022 فى قطر، قبل أن يتم توسيع العقد ليشمل بناء العلاقات مع المجتمع اليهودى الأمريكى. كذلك لجأت قطر إلى الدكتور «جوزيف فراغر»، الذى يُعد أشهر أخصائى أمراض الجهاز الهضمى فى نيويورك، وأحد قادة المجتمع اليهودى الأمريكى وجامع التبرعات الشهير للمستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، لمساعدتها فى هذا الأمر، وذلك فى الفترة من سبتمبر 2017 وحتى فبراير 2018، وفقاً لما قدمه من وثائق إلى وزارة العدل الأمريكية فى أبريل الماضى. وإلى جانب تلك الشركات، تعاقدت قطر كذلك مع شركة وزير العدل الأمريكى الجمهورى السابق «جون أشكروفت»، مقابل 2.5 مليون دولار خلال 3 شهور فقط، وتنصبّ مهمة «أشكروفت» على تبرئة الدوحة من تهمة الإرهاب والتزامها بالقواعد التنظيمية المالية العالمية، ومن بينها قواعد الخزانة الأمريكية ومكافحة غسيل الأموال، وتعود الاستعانة ب«أشكروفت» إلى عمل العديد من كبار المسئولين الحكوميين الأمريكيين السابقين فى شركته. الآن نعلم لماذا يظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى على شاشة «الجزيرة»، إن كان منا من نسى العلاقات القطرية الإسرائيلية الممتدة خلال العقود الماضية التى لجأ إليها حمد بن خليفة لحمايته بعد أن أطاح بأبيه، والتى تُرجمت إلى لقاءات بين قادة الكيان الصهيونى وشيوخ الإمارة، وإقامة تطبيع اقتصادى تمثّل فى فتح المكتب التجارى الإسرائيلى فى الدوحة، حيث، ووفقاً لمكتب الإحصاء المركزى الإسرائيلى، بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى قطر 509 آلاف دولار فى عام 2012، فى حين بلغت الواردات من قطر 353 ألف دولا فى عام 2013، وموّلت الحكومة القطرية بناء ملعب الدوحة فى إسرائيل. عليك أن تسأل: لماذا لم تكن «الجزيرة» وأخواتها تذكر تفاصيل تلك الزيارات ولقاءات «تميم» السرية مع اليهود الممولين لقتل وتشريد الفلسطينيين، ولماذا غيّر «ترامب» انتقاده لقطر فى بداية أزمتها مع الرباعى العربى واتهامها بالإرهاب، حتى توسطه لإنهاء الأزمة؟ ولكن وسائل الإعلام الأجنبية أشارت، طبقاً لتصريحات تلك الشخصيات التى التقاها أمير قطر، إلى أن «تميم» طلب مساعدة اليهود لمواجهة الرباعى العربى، فى المقابل طلبوا هم منه أن يساعد إسرائيل فى معرفة مصير الإسرائيليين الذين بحوزة «حماس»، وأن يغير مناهج إمارته المحرضة على كراهية إسرائيل، وأن تتوقف الجزيرة عن انتقاد اليهود، ووقف الفيلم الوثائقى الذى أعدته القناة عن «اللوبى اليهودى»، ومنع الكتب المناهضة للسامية من معرض للكتاب بالدوحة، وفسّر لهم «تميم» لجوءه لإيران بتوفير الغذاء لشعبه، وأنه جعل قادة «حماس» يغادرون الدوحة، وأن الإسرائيليين مرحب بهم على أرضه فى أى وقت، وأنه سيسعد حينما يراهم فى كأس العالم 2022. تلك هى أموال الإمارة؛ جزء يذهب إلى اليهود، وآخر إلى الإرهابيين، ويدفع العرب الثمن، فيما يجلس إعلامها القرفصاء، يبيع الشعارات للأغبياء، ويحشو عقول الجماهير تبناً وقشاً، ويتركهم يعلكون الهواء.