كان يوم الاثنين يوماً مشهوداً. فى الصباح الباكر جىء بالرئيس المعزول، أُدخل القفص، سوف يمثل محمد مرسى بعد قليل أمام هيئة المحكمة، والتهمة التحريض على قتل المتظاهرين السلميين أمام الاتحادية يومى الخامس والسادس من ديسمبر 2012. كانت الحشود الإخوانية قد بدأت تزحف باتجاه كورنيش النيل، لقد جاءوا بعناصرهم من كافة المحافظات، لقد أعدوا خطة للصدام مع الجيش والشرطة، قرروا أن يدفعوا بعناصرهم إلى المواجهة، إنهم يريدون المزيد من الدماء لأجل السلطة التى انتُزعت منهم، يراهنون على ملل المصريين، ينسون أن هذا الشعب العظيم لديه عناد لا ينتهى، وإصرار على الدفاع عن حقوقه بلا نهاية. مساكين هؤلاء، لا يزالون يتجاهلون الواقع، إنهم يريدون إعادة إنتاج الماضى البغيض، يظنون أن ذاكرة المصريين أصابها العطب، ويعتقدون أن الناس ستتعاطف معهم من جديد، لقد دفعوا المصريين إلى الثورة لإسقاطهم، خسروا فى عام واحد ما خسره مبارك بعد ثلاثين عاماً من الحكم، والآن تحولوا إلى شىء كريه ومرفوض بعد أن راحوا ينغمسون فى العنف وقتل الأبرياء والاعتداءات على دور العبادة ومنشآت الدولة والأفراد. كانت قوات الأمن والجيش لهم بالمرصاد فى هذا اليوم، لقد أغلقوا الطرق المؤدية إلى معهد أمناء الشرطة، حيث تجرى المحاكمة، بدأت وسائل الإعلام فى نقل الأحداث على الهواء مباشرة، منذ قليل أحبطت قوات الأمن عدداً من العمليات الإرهابية، ألقت القبض على عدد من المتهمين، قناة الجزيرة بدأت ترويج حملة من التحريض والأكاذيب منذ الساعات الأولى لهذا الصباح، بعض المموَّلين من ممثلى منظمات المجتمع المدنى راحوا يشككون فى صحة المحاكمة، يبدو أنهم لم يسمعوا أن هناك ثورة قد حدثت، لا يزالون يتعاملون مع محمد مرسى وكأنه الرئيس الشرعى للبلاد، إنه نفس الموقف الأمريكى، ونفس موقف جهات التمويل الدولية صاحبة العطايا والمنح، لقد اصطفوا جنباً إلى جنب مع الإخوان وحلفائهم، غير أن كل ذلك لم يغير من حقائق الواقع، الرئيس المعزول متهم، والأدلة وشهادات الشهود تحاصره وتحاصر عصابته، لقد تآمروا على الوطن، حرّضوا على القتل، جاءوا بالبلطجية من عناصرهم، أمسكوا بالعشرات، عذبوهم عند أسوار القصر، وكان الرئيس يُصدر التعليمات وينفذ أوامر مكتب الإرشاد. ■■ المشهد يعود من جديد، الناس تتذكر وقائع ما جرى فى أيام الرابع والخامس والسادس من ديسمبر العام الماضى، كانت غضبة المصريين قوية، لقد أصدر محمد مرسى إعلاناً دستورياً، انقلب فيه على مكاسب الثورة، احتكر بمقتضاه سلطة القضاء جنباً إلى جنب مع السلطة التنفيذية وسلطة التشريع، تحول مرسى إلى حاكم مستبد، يأمر فيطاع، يدوس على القوانين والدستور بكل جرأة، يعصف بكيان المجتمع ويدفع البلاد إلى الفوضى ويُحدث الانقسام. كانت الشوارع التى تحيط بقصر الاتحادية قد تحولت إلى كتلة بشرية ضخمة، مواطنون جاءوا من كل حدب وصوب، رجال ونساء، شباب وشيوخ، أطفال رافقوا أهليهم، كانوا سلميين، لم يلجأوا إلى عنف أو تخريب، هتفوا مطالبين بسقوط الإعلان الدستورى، رفضوا حصار المحكمة الدستورية، وطالبوا مرسى بالتراجع عن أفعاله. كان مرسى قد أعلن تحدّيه للجميع، تراجع حتى عن وعده بإصدار دستور توافقى، وطلب من جمعيته التأسيسية الانتهاء من إعداد الدستور خلال 48 ساعة، وقد حدث، وكان المشهد هزلياً. فى هذا اليوم انطلقت المسيرات فى العديد من المحافظات، احتشد مئات الآلاف أمام القصر الجمهورى والشوارع المحيطة، استطاع المتظاهرون تجاوز الحواجز السلكية دون صدام مع رجال الشرطة، وقفوا أمام أبواب القصر، ولم يفكر أحد فى اقتحامها. بعد قليل غادر مرسى القصر بناء على نصيحة من اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية واللواء محمد زكى قائد الحرس الجمهورى، طارده المواطنون المحتشدون أمام البوابة الخلفية للقصر بالأحذية والشتائم. ظل المحتشدون عدة ساعات حول القصر، ثم سرعان ما عادوا من حيث جاءوا، بقيت هناك «سبع» خيام فقط، ضمت أعداداً محدودة من المعتصمين الذين رفضوا المغادرة وهتفوا بسقوط حكم الإخوان.. طلب مرسى من قائد الحرس ووزير الداخلية فض الاعتصام، أنذر قائد الحرس وقال له: أمامك ساعة من الآن لطرد من أسماهم بشوية «العيال»، قال له قائد الحرس الجمهورى: «من المستحيل أن نفضّ الاعتصام بالقوة، الخسائر ستكون فادحة، ثم إن الأعداد محدودة وسوف ينصرفون خلال ساعات بكل تأكيد». لم يقتنع محمد مرسى بالحجة، هدد قائد الحرس وقال له مجدداً: أمامك ساعة واحدة، وإلا سيكون لى موقف آخر! كان اللواء محمد زكى على اتصال بالفريق أول عبدالفتاح السيسى، لقد حذر القائد العام من أى صدام مع الجماهير، لقد توقع «السيسى» حدوث قلاقل فى البلاد بعد الإعلان الدستورى «الانقلابى» الصادر فى 21 نوفمبر، قال ذلك لمحمد مرسى، لكن مرسى رفض أن يستمع إلى النصيحة. كان أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية وابن شقيقة محمد مرسى، يحرض على المواجهة بكل قوة، مارس ضغوطاً على اللواء محمد زكى، اتهمه بأنه لا يريد أن يفعل شيئاً وحمّله مسئولية ما يحدث. بعد قليل عادت الاتصالات مجدداً بين مرسى وقائد الحرس الجمهورى، قال اللواء محمد زكى: أحتاج إلى 24 ساعة لإنهاء الاعتصام، سأبذل كل الجهد بعيداً عن استخدام القوة، سأخرج إلى المعتصمين وأدعوهم للانصراف سلمياً. رفض مرسى منحه هذه المهلة، قال له: لقد أعطيتك ساعة فقط وإلا فإننى سأتصرف بطريقتى، كلمتى واحدة، عاوز أحضر إلى قصر الرئاسة صباحاً ولا أجد أحداً، استخدم كل الأساليب، بالقوة، بالهدوء، المهم أن تطردهم خلال ساعة واحدة فقط. كان الوقت فجراً، كان قائد الحرس يعرف طبيعة المخاطر، وكان مرسى يحرضه بكل شدة، ويقول له: «جمد قلبك، اضرب وماتخافش». ■■ فى الصباح الباكر من اليوم التالى (الخامس من ديسمبر) كان المعتصمون قد وضعوا أسلاكاً شائكة أمام بوابة القصر الرئيسية، خرج إليهم اللواء محمد زكى، تحاور معهم، أقنعهم بإبعاد الأسلاك الشائعة بعيداً عن بوابة القصر حتى يتمكن الرئيس من الدخول، قبلوا بالأمر ولم يعترضوا. مارس أسعد الشيخة ضغوطه على قائد الحرس لفض الاعتصام بالقوة، رفض قائد الحرس التورط والصدام، كان يراهن على إنهاء الاعتصام سلمياً، أرسل فى هذا الوقت مدير شرطة الحرس الجمهورى ورئيس عمليات الحرس للتفاهم مع المعتصمين، التقيا المعتصمين الذين أكدوا لهما أن اعتصامهم سيبقى سلمياً، وأن لهم مطالب سياسية يجب تحقيقها، وأن الرئيس لا بد أن يحترم الدستور والقانون، وأن يتراجع عن إعلانه الدستورى «الانقلابى»، تعهدوا بأن يظلوا فى خيامهم، لن يستخدموا القوة، ولن يسعوا إلى الاحتكاك برجال الشرطة أو الحرس. فى هذا الوقت نقل قائد الحرس الجمهورى وقائع ما جرى إلى أسعد الشيخة لإبلاغه إلى الرئيس، ثار الشيخة وغضب، اتهم الجميع بالتواطؤ، قال لقائد الحرس: «الرئيس حيوريكم اليوم، كيف تُفض الاعتصامات، وكيف تعاد للرئاسة وللدولة هيبتها»!! حذر اللواء زكى من خطورة اللجوء إلى العنف، لقد أدرك أن الإخوان قد يحشدون شبابهم للقيام بالمهمة، قال لأسعد الشيخة: «انتم كده حتعملوا مشكلة كبيرة، حتدمروا البلد، الناس لن تقبل باستخدام القوة مع متظاهرين سلميين، سيكون الثمن فادحاً على الجميع». ■■ وصل مرسى إلى القصر الجمهورى فى نحو العاشرة صباحاً من يوم الخامس من ديسمبر، طلب من ابن شقيقته أسعد الشيخة الدعوة إلى اجتماع عاجل لبحث الأمر. بعد قليل بدأ الاجتماع بالقصر الجمهورى، حضر كل من د. أحمد عبدالعاطى «مدير مكتب الرئيس»، والسفير رفاعة الطهطاوى «رئيس الديوان» والمهندس أسعد الشيخة «نائب رئيس الديوان»، ود. ياسر على «المتحدث الرسمى»، وخالد القزاز «مستشار الرئيس» إلى جانب اللواء محمد زكى قائد الحرس الجمهورى، واللواء أحمد فايد «مدير شرطة الرئاسة»، واللواء أسامة الجندى «مدير أمن الرئاسة»، وأيمن هدهد «مستشاره الأمنى». كان الرئيس غاضباً، وجّه اللوم إلى قائد الحرس لأنه لم ينفذ التعليمات، أبلغ مرسى الحاضرين بأن الأمر سوف يُحسم على طريقته، أدرك الحاضرون أن المخاطرة قادمة بلا محالة، ساعات قليلة وحُسم الأمر. فى صباح نفس اليوم، دعا المرشد العام لجماعة الإخوان إلى اجتماع لهيئة مكتب الإرشاد، حضر د. محمد بديع، وخيرت الشاطر، ومحمود غزلان، وأسامة أبوبكر الصديق، تم اعتماد القرار، تمت الدعوة إلى حشد كبير لشباب الإخوان وحلفاء الجماعة، أكد المرشد أنه اتفق مع الرئيس على إنهاء الاعتصام وفضّه بالقوة. اختار الحاضرون كلاً من محمد البلتاجى وصفوت حجازى وأحمد المغير وعبدالرحمن عز وأسامة جمال الدين وأمير النجار لقيادة الميليشيات التى ستزحف إلى القصر لفض الاعتصام بالقوة. فى الرابعة عصراً وصلت طلائع الميليشيات إلى قصر الاتحادية، بدأوا على الفور فى مطاردة المعتصمين، هجموا عليهم، أحرقوا خيامهم، أحدثوا ارتباكاً داخل كافة الأوساط، قائد الحرس حذر أسعد الشيخة وأيمن هدهد من نتائج استخدام القوة، لكنهما تجاهلا التحذير. سالت الدماء وأُحرقت الخيام، وبدأت المطاردات. كانت الفضائيات تنقل الحدث على الهواء مباشرة، زحف الشباب من كل مكان، من ميدان التحرير والمطرية وحدائق القبة، من روكسى ومصر الجديدة وعين شمس ومدينة نصر، حدث ما كان متوقعاً، وبدأت الاشتباكات، احتمى المعتصمون بمسجد عمر بن عبدالعزيز، الميليشيات دخلت خلفهم وقاموا بالاعتداء عليهم وخطفهم وتعذيبهم بجانب أسوار القصر فى حماية مسئولى القصر. مضوا بالعشرات من المصابين إلى بوابة القصر، أرادوا إدخالهم واستجوابهم داخل القصر، اتصل العميد خالد عبدالحميد رئيس مجموعة التأمين بقائد الحرس وأبلغه بالواقعة، رفض اللواء زكى فتح أبواب القصر لإدخال المخطوفين، وقال: لن أسمح بتحويل القصر إلى سلخانة للتعذيب. مع مضىّ الساعات كان الموقف يزداد تدهوراً، اتصل الرئيس مرسى بقائد الحرس فى منتصف الليل، طلب منه التدخل للفصل بين المتصارعين، كانت المنطقة قد تحولت إلى ساحة حرب، سقط عشرة لقوا حتفهم، وهناك مئات الجرحى، كان فى مقدمة هؤلاء الصحفى «الحسينى أبوضيف» بجريدة «الفجر»، لقد قتلوه رمياً بالرصاص عن بعد. كانت الاستقالات من بعض مستشارى الرئيس تتوالى، كان مرسى سعيداً بما جرى، لقد ظن أنه استطاع أن يعطى درساً للمعتصمين، وأن أحداً لن يجرؤ على تكرار ما جرى. فى هذا الوقت طلب الرئيس من الفريق أول عبدالفتاح السيسى مساعدته فى الوصول إلى قائد الحرس الجمهورى، ومكّن السيسى من الاتصال باللواء محمد زكى وأبلغه بالأمر، حذّره من أى تورط فى الأحداث، اتصل قائد الحرس بالرئيس، طلب منه التنسيق مع أسعد الشيخة، رفض قائد الحرس التدخل، تجاهل دعوة مرسى للتنسيق مع الشيخة. فى نحو الخامسة صباحاً من فجر الخميس السادس من ديسمبر وصل اللواء محمد زكى إلى قصر الرئاسة، أدرك أن الموقف يزداد خطورة، دفع بعدد من كتائب الحرس الجمهورى لمحاولة الفصل بين المتظاهرين ووقف الاشتباكات، ظل قائد الحرس على موقفه رفض استخدام القوة، أبدى الرئيس استياءه الشديد من رفض اللواء زكى، طلب من أسعد الشيخة إصدار بيان باسم الحرس الجمهورى يطلب فيه من المعتصمين إخلاء المنطقة فوراً، لم يكن اللواء محمد زكى على علم بهذا البيان، طلب من ضباطه عدم الاستجابة لأية تعليمات إلا ما يصدر عنه شخصياً. فى هذا الوقت كان مكتب الإرشاد قد طلب من مرسى إلقاء خطاب على الشعب، لقد قدموا إليه معلومات كاذبة تقول إن المقبوض عليهم أقروا واعترفوا بأنهم تلقوا أموالاً من قيادات حزبية معارضة لتنفيذ مؤامرة ضد الرئيس. وفى مساء يوم الخميس السادس من ديسمبر، ألقى الرئيس مرسى بياناً إلى الشعب عبر التليفزيون الحكومى قال فيه حرفياً: «لقد ألقت قوات الأمن القبض على 80 متورطاً فى أعمال عنف وحمل للسلاح ومستعمل له، وإن النيابة العامة قد حققت مع بعضهم، والباقون محتجزون قيد التحقيق بمعرفتها، وإنه من المؤسف أن بعض المقبوض عليهم لديهم روابط عمل واتصال ببعض ممن ينتسبون أو ينسبون أنفسهم إلى القوى السياسية، وبعض هؤلاء المستخدمين للسلاح والممارسين للعنف من المستأجرين مقابل مال دُفع لهم، وكشفت ذلك التحقيقات واعترافاتهم فيها»، وفى الخطاب تساءل الرئيس: من أعطى لهم المال ومن هيأ لهم السلاح، ومن وقف يدعمهم؟ قال الرئيس بجرأة يُحسد عليها: «لقد رأينا قبل ذلك حديثاً مجهّلاً عن الطرف الثالث فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد، ولم يتمكن أحد من التوصل للطرف الثالث، إن هؤلاء المقبوض عليهم تكلموا عنهم وعن ارتباطاتهم بهم، وإن اعترافات هؤلاء سوف تعلن النيابة العامة نتائجها فى ضوء التحقيقات التى تجرى الآن فى هذه الوقائع المؤسفة مع مرتكبيها والمحرضين عليها ومموليها فى الداخل كانوا أو فى الخارج». وقال الرئيس: «إن الدماء الزكية التى سالت فى الأحداث خلال اليومين السابقين، لن تذهب هدراً، والذين زودوا المتهمين بالسلاح والمال وحرضوا على العنف بدأوا ينزلون إلى النيابة العامة تمهيداً للتحقيق معهم». كان الاعتقاد السائد حتى هذا الوقت أن المعلومات التى ذكرها الرئيس مستقاة من محاضر التحقيق، إلا أن الصورة كانت على العكس من ذلك تماماً، وهو ما كشفه المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام لنيابات شرق القاهرة، والذى نفى هذه المعلومات جملة وتفصيلاً، وكشف الحقائق فى خطاب الاستقالة المقدم منه إلى النائب العام بعد أن أصدر قراراً بنقله إلى محافظة بنى سويف. فى اليوم التالى، الجمعة السابع من ديسمبر، توجه قائد الحرس الجمهورى لأداء صلاة الجمعة مع الرئيس مرسى فى دار الحرس الجمهورى، أبلغه أنه على علم بأن حشوداً أخرى من الإخوان ستزحف مجدداً إلى القصر لطرد المعتصمين، وأنه يتخوف من دخول المعتصمين القصر، ساعتها قال له محمد مرسى، وفقاً لشهادة اللواء زكى فى تحقيقات النيابة: «من يتوجه إلى هناك اضربه بالنار واقتله فوراً». رفض اللواء زكى تعليمات الرئيس، قال له إنه لا يستطيع إطلاق الرصاص على المواطنين، «دعنى أتعامل مع الوضع بطريقة سلمية»، رفض محمد مرسى بكل قوة، وقال له إن تعليماتى واضحة. أدرك الرئيس أن قائد الحرس ليس مستعداً لتنفيذ تعليماته، بالضبط كما فعل اللواء أحمد جمال الدين، الذى قال: لن أسمح بإعادة تكرار أحداث 28 يناير 2011، ولن أقبل أبداً بمواجهة المتظاهرين السلميين بالقوة، كان مرسى غاضباً أيضاً من اللواء أحمد جمال، كان ينتظر اللحظة المناسبة لإبعاده من موقعه، وهو ما حدث فى 6 يناير 2013. كان أحمد جمال يبذل كل ما لديه لإنهاء الموقف سلمياً، لقد طلب فى هذا الوقت من د. سعد الكتاتنى، رئيس حزب الحرية والعدالة، إصدار تعليماته إلى أنصاره للانسحاب من حول الاتحادية بعد تصاعد الاشتباكات مساء 5 مارس، وبالفعل قام الكتاتنى فى هذا الوقت المتأخر من الليل بإبلاغ أيمن هدهد، المستشار الأمنى للرئيس، بضرورة فض المتجمهرين من أعضاء الجماعة وإبعادهم فوراً عن محيط الاشتباكات. عندما التقى وزير الداخلية بأيمن هدهد سأله: لماذا لم يجر سحب عناصر الإخوان كما طلب الرئيس، قال له: لن ينسحبوا إلا بعد أن يؤدوا الصلاة على أرواح شهدائهم. كان غالبية الشهداء من المعارضين، لكن الإخوان أصروا على أن جميع من سقطوا «إخوان مسلمين». كانت النيابة العامة تواصل تحقيقاتها اعتباراً من فجر الخميس 6 ديسمبر، وأثناء المعاينة تلقى المستشار مصطفى خاطر اتصالاً من المستشار طلعت عبدالله، النائب العام المعيّن، أبلغه المستشار خاطر أنه تم ضبط 90 متهماً على ذمة الأحداث، وأن أفراداً ينتمون إلى مؤيدى الرئيس هم الذين ألقوا القبض عليهم، وأن التحقيقات لا تزال جارية. طلب النائب العام من المستشار خاطر التوجه إلى قصر الاتحادية وأبلغه أنه تم ضبط 49 (بلطجياً) وجميعهم محتجزون عند البوابة رقم «4» بالقصر الرئاسى، وأنه اتفق مع السفير محمد رفاعة الطهطاوى، رئيس الديوان، على توجُّه النيابة إلى القصر لاستلام المتهمين المحتجزين بواسطة عناصر الإخوان، وأوصى النائب العام بضرورة حبسهم احتياطياً. أبدى المستشار مصطفى خاطر دهشته من موقف النائب العام، وفى الثالثة والنصف من عصر يوم الخميس 6 ديسمبر شرع فريق التحقيق فى مباشرة التحقيقات واستجواب جميع المتهمين، فثبتت براءة جميع المتهمين الذين تم ضبطهم بمعرفة الإخوان، وأن التحريات أكدت عدم وجود أى أدلة تثبت إدانتهم، ولذلك رفض المحامى العام حبسهم احتياطياً كما طالبه بذلك النائب العام «المعيّن»، ثم قام السيد إبراهيم صالح، رئيس نيابة مصر الجديدة، بعد التشاور مع المحامى العام المستشار مصطفى خاطر بإخلاء سبيل جميع المتهمين. أحدث القرار صدمة لدى النائب العام ولدى رئيس الدولة، تلقى المستشار خاطر والسيد إبراهيم صالح إخطاراً لمقابلة النائب العام «المعين»، وجّه إليهما لوماً شديداً واستقبلهما استقبالاً فاتراً، وعندما عاد المستشار خاطر إلى مكتبه فوجئ بفاكس يحمل قراراً من النائب العام «المعيّن» يتضمن قراراً بنقله، وانتدابه للعمل فى نيابة بنى سويف، مما أثار سخط أعضاء الهيئة القضائية الذين احتشدوا فى اليوم التالى ورفضوا القرار، مما أجبر النائب العام على التراجع. كان المستشار مصطفى خاطر قد رفض قرار النقل وبعث بخطاب إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى يطلب فيه هو والسيد إبراهيم صالح إنهاء انتدابهما من النيابة العامة، شرح فيه وقائع تمثل إدانة لعصر محمد مرسى وتآمره على الشعب وعلى القضاء. ■■ كانت تلك هى حقيقة ما يحدث، وبعد سقوط النظام جرى تحريك القضية، قُدمت الأدلة وشهادة الشهود، فأحالت النيابة العامة الرئيس المعزول وآخرين إلى المحاكمة، ليلقوا جزاءهم على ما اقترفوه من آثام فى حق هذا الشعب وحق هذا الوطن. ■■ فوجئ محمد مرسى بالأدلة والوقائع، لقد بدأ بادعاء أن القضية ملفّقة، وأنه لا يعترف بالمحاكمة، زعم أن المحاكمة باطلة، وأنه رئيس جمهورية شرعى، يبدو أنه لم يسمع بعد بثورة الشعب المصرى ضده، قال إنه سيتولى الدفاع عن نفسه، يبدو أنه سيعيد إنتاج خطاب 26 يونيو. كانت الجلسة الأولى إجرائية، انتهت سريعاً، لتعود المحاكمة مرة أخرى فى وقت لاحق، ولتتكشف فيها الحقائق كاملة لرئيس عزله الشعب بعد أن أدرك أنه سيقود البلاد حتماً إلى الانهيار والدمار وسيشعل على أرضها حرباً لا تنتهى بسهولة.