حين قبل على بن أبى طالب التحكيم والمصالحة مع معاوية بن أبى سفيان كان على قناعة بحقه فى الخلافة لأن المسلمين قد بايعوه خليفة لهم بإرادتهم فى ظروف استثنائية وهى قتل الخليفة عثمان، وأن معاوية هو الخارج عن الجماعة وإجماع المسلمين، لكنه رأى أن يخضع لرأى المسلمين فى التحكيم، واختار الفرقاء عمرو بن العاص عن معاوية وأبوموسى الأشعرى عن على، على أن يبدأ التحكيم بعد الهدنة التى أقرها الطرفان ليلملم المسلمون شهداءهم وقتلاهم وجرحاهم، واعتبر بعض أنصار على أن قبوله فكرة التحكيم والمصالحة خروج عن حكم وإرادة الله. وقالوا «أتحكمون فى أمر الله بالرجال؟» وقال على «كلمة حق يراد بها باطل». وأعلنوا تكفيرهم لعلى ومعاوية وعمرو بن العاص وأبوموسى الأشعرى وكل من وافقهم الرأى فى التحكيم، وأباحوا دماءهم وقتلهم، ونسبوا الآية الكريمة وسحبوها فى غير موضعها على موقفهم من على (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)، وحين عاد على إلى الكوفة زاد عدد الخوارج ثلاثة عشر ألف مقاتل من أنصاره منهم عدد لا يستهان به من حفظة القرآن والدعاة والوعاظ. كان الخلاف بين على والخوارج على نقاط ثلاث ناقشهم فيها «ابن عباس»، الأولى: وافق على كتابة اسمه مقرونا بابن أبى طالب وتنازله عن لقب خليفة المسلمين ورد ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد قبلها فى صلح الحديبية، ووافق على كتابة اسمه مقرونا بابن عبدالله وقال لعلى اكتبها يا على فربما تضطر لها فى يوم من الأيام، ولم يكن يعرف أنه سيفعلها على مضض حين رفض عمرو بن العاص كتابة خليفة المسلمين فى وثيقة الهدنة، وقال «لو كتبناها فعلى ماذا نقاتلك؟». الثانية: أن عليا قبل تحكيم الرجال فى أمر من أمور الله فرد ابن عباس بالآية (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً)، فإذا كان هذا أمر الله فى الخلاف بين الرجل وزوجه فإن حقن دماء المسلمين أولى بالتحكيم. الثالثة: أن عليا لم يوزع عليهم سبايا وغنائم معركة الجمل فرد ابن عباس بأن من بين سبايا المسلمين السيدة عائشة أم المؤمنين فإن قلتم إنها ليست أماً لكم فقد كفرتم وإن استحللتم سبيها فقد كفرتم، فاقتنع نصف الخوارج وعادوا إلى صفوف على ولم يقتنع الآخر. ماذا فعل على فى أمر الآخر؟ كان موقفه حازماً محدداً وقاطعاً وقال قفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) وبيننا وبينكم ثلاثة، أولا: ألا تقتلوا دماً حراماً، ثانيا: ألا تقطعوا سبيلا، ثالثا: ولا تظلموا ذمياً يهودياً أو نصرانياً، فإنكم إن فعلتم هذا نبذنا إليكم الحرب على السواء إن الله لا يحب الخائنين، ولقد ارتكب خوارجنا وإخواننا المظالم الثلاث، أحلوا الدم الحرام، قطعوا الطرق والسبل، وأباحوا لأنفسهم ظلمنا وقتلنا وظلم وقتل المسيحيين. إن الملاحظ يا دكتور أن عليا لم يُكفر خوارجه وإن قاتلوه وآذوه وقتلوه، ولم يُكفر معاوية عليا وإن قاتله وآذاه، ولم يكفر كل من على ومعاوية قتلة عثمان الذين ظلموه وقتلوه.. هذا هو الرأى السديد يا دكتور الذى قرره الإمام على ابن أبى طالب وألا نعود إلى حكم وحديث النبى (صلى الله عليه وسلم): «سيخرج قومٌ فى آخرِ الزمانِ، أحداثُ الأسنانِ، سفهاءُ الأحلامِ، يقولون من خيرِ قولِ البريَّةِ، لا يجاوزُ إيمانُهم حناجرَهم، يمرُقون من الدينِ كما يمرقُ السهمُ من الرمِيَّةِ، فأينما لقِيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ فى قتلِهم أجراً لمن قتلَهم يومَ القيامةِ». ألديك يا دكتور خيار ثالث أحق بالاتباع، أو سبيل آخر نسلكه معهم؟ نرجوك الرد علينا.