صباح 13 مارس الماضي .. خرج ابن مدينة "اطار" التي تبعد 450 كم عن العاصمة الموريتانية نواكشوط، صوب القاهرة بحثًا عن "بنت الشاطئ"، في محاولة بحثية ضمن رسالته للدكتوراة من جامعة فاس بالمغرب عن "محاولات نسائية لتفسير القرآن الكريم". محمد السالك ولد فال، خريج قسم الدراسات حول المرأة والنوع الاجتماعي, وهو قسم يقوم بدراسة كافة الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، التي تظلم المرأة باسم الدين أو الأعراف المجتمعية. التركيز على دور المرأة في التفسير لاتكمن فقط في الكشف عن هذا الموروث، ولكن من أجل القضاء على الحيف الذكوري الصارخ الموجود في بعض التفاسير والتراث الفقهي الإسلامي". فى بلده "موريتانيا" عكف السالك على إجراء مقابلات علمية تهدف إلى الكشف عن أسماء لموريتانيات قمن بتفسير القرآن، وزار مدينة شنقيط التي تعتبر عاصمة الثقافة الإسلامية بموريتانيا .. وجد هناك نساء عالمات وحافظات للقرآن وعارفات بالتفسير، إلا أنهن لم يتركن أية أعمال مكتوبة". المغرب كانت المحطة الثانية في رحلة الشاب الموريتاني . أجرى عدة مقابلات مع علماء وأساتذة، إلا أنهن أكدن له أنه على حد علمهن لا توجد أية تفاسير لنساء مغربيات، إلا أنهن قمن بتعريفي على عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، التي درست في المغرب قرابة العشرين سنة، واقترحن أن أقوم بالبحث عن تفسيرها المعنون بالتفسير البياني للقرآن الكريم". يقول محمد:"قررت أن أوجه منظار البحث إلى مصر- بلد بنت الشاطئ، ليكتشف أن الأزهر الشريف أجاز تفسيرات عديدة لنساء مسلمات مصريات، ويضيف:"التجربة النسائية المصرية في تفسير القرآن تبعًا للبحث الذي قامت به هي تجربة رائدة من حيث النتاج التفسيري المطبوع والمجاز من طرف مؤسسة أو صرح علمي سني شامخ كالأزهر الشريف". تفسير بنت الشاطئ كان الخيط الذي أوصل السالك بالتفسيرات الأخرى، ووجد أن بنت الشاطئ خريجة مدرسة حداثية أدبية عظيمة, وهى المدرسة المتجذرة في فكر المجدد محمد عبده, بعدها اكتشفت تفسيرات حديثة الطبع أجازها الأزهر لكل من زينب الغزالي,كريمان حمزة, فوقية إبراهيم الشربيني". أثناء وجود السالك فى مصر، كان يتابع بشغف القنوات الفضائية، وكان السباق الرئاسى على أشده، ولفت انتباهه ماتروجه الجماعات السلفية من رفضهم لمشاركة المرأة فى العمل السياسي، ورفضهم أن تعتلي امراة منصب رئيس مصر القادم، استنادًا للحديث "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة"، ليقول محمد شارحا:"فى المغرب عالمة محنكة وجريئة تدعى فاطمة المرنيسي قامت بالرد على هذا الحديث، قائلة:"إنه ورد في أثناء اعتلاء ابنة كسرى عرش الفرس, فكان الكلام خاصًا بقوم معينين وليس عامًا على كل من ولي أمره امراة". يضيف:"طعنت المرنيسي في الراوية والصحابي (أبا بكره)، حيث تتبعت سيرته وكشفت أنه أقيم عليه الحد لشهادة الزور, كما أنه لم يسمع عنه الحديث إلا في فترة حرجة كانت المبارزة فيها بالأحاديث المفتراة كالمبارزة بحد السيف لنصرة التوجه السياسي". يعتبر السالك أن هذا الاقتطاع الفاضح للأحاديث من سياقاتها التاريخية كان وراء الكثير من التخلف الذي أصاب المجتمعات الإسلامية، ويتابع:"الولاية بالمعنى التقليدي قد انتهت حيث كان الخليفة أو أمير المؤمنين هو القائم بالعديد من الوظائف من إمامة ورئاسة .. إلخ, الأمر الذي انعدم في المؤسسات المدنية الحديثة حيث الأمر شورى, والرئيس أو الحاكم يحكم ضمن نظام مؤسساتي متكامل, فلا مانع من تولي امرأة إذن". ويؤكد أن هذه التفسيرات النسائية بغض النظر عن مدى إسهامها في نشر الوعي النقدي تجاه التقاليد الإسلامية الظالمة للمرأة, فهي "إضافة علمية ثمينة ستفتح المجال واسعًا أمام محاولات فهم جديدة للرواية القرآنية العادلة".