غلق الموقع الإلكتروني للمرحلة الأولى لتنسيق الجامعات    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. الكليات المتوقعة لطلاب علمي علوم ورياضة بعد نتيجة المرحلة الأولى    وزير الري: أراضي طرح النهر تتبع الدولة لا الأفراد.. ونعفي المزارعين المتضررين من الإيجار وقت الغمر    وزير قطاع الأعمال العام يختتم زيارته للغربية بجولة تفقدية في "غزل المحلة".. صور    بعد الانخفاض الكبير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة وعيار 21 يسجل أقل سعر    بفائدة تبدأ من 15%.. تفاصيل قروض التعليم بالبنوك وشركات التمويل الاستهلاكي    "غزة والمعابر" شرايين قطعها الاحتلال بسيف العدوان.. تاجر على أبوابها الإخوان بسموم الأكاذيب.. إسرائيل ترفع شعار "مغلق لغياب الإنسانية" على منافذ القطاع السبعة.. والإعلام العالمى يفضح ادعاءات الإرهابية    الأردن يدين حملات التحريض على دوره في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني بغزة    وزيرا خارجية إيران وباكستان يبحثان تعزيز التعاون المشترك حفاظا على استقرار المنطقة    اجتماع طارئ لاتحاد اليد لبحث تداعيات الأزمة الصحية لطارق محروس.. ودراسة البدائل    المقاولون العرب: نطالب رابطة الأندية بتعديل موعد انطلاق مباريات الدورى    «مباراة الإنتاج».. إبراهيم نور الدين يكشف سبب إيقافه لمدة عام عن التحكيم للأهلي    الزمالك يجهز لإعلان صفقة "سوبر" تُسعد الجماهير    مصدر مقرب من محمود حمادة: لا توجد مفاوضات مع بيراميدز    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة فى التجمع    القبض على التيك توكر "شاكر" داخل كافيه شهير في القاهرة    ننشر أسماء المتوفين فى حادث قطار بمركز جرجا فى سوهاج    جينيفر لوبيز تستمتع بأجواء البحر فى شرم الشيخ وسط التفاف معجبيها.. صور    راغب علامة يوجه رسالة محبة وتقدير لمصطفى كامل كنقيب وشاعر وملحن ومطرب    بدرية طلبة تهاجم الشامتين في البلوجرز: «أرزاق ربنا محدش بياخد رزق حد»    بيراميدز يلتقي أسوان اليوم في ختام استعداداته لانطلاق الدوري    وكالة الطاقة الذرية ترصد انفجارات في محطة زابوريجيا في أوكرانيا    جيش الاحتلال الإسرائيلي: تفعيل صفارات الإنذار في غلاف غزة    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة نيفين مسعد لحصولها على جائزة الدولة التقديرية    الوطنية للانتخابات تعلن بدء عمليات فرز الأصوات ب25 مقرًا انتخابيًا في عدة دول    اتحاد الكرة ينعى محمد أبو النجا «بونجا» حارس وادي دجلة بعد صراع مع المرض    تعرف على جوائز "دير جيست" والتشكيل الأفضل في الدوري المصري 2025    بالصور.. رش وتطهير لجان انتخابات مجلس الشيوخ فى جنوب سيناء    مصرع 3 أشخاص وفقدان 4 آخرين إثر عاصفة مطيرة في منتجع شمالي الصين    35 شهيدًا فلسطينيًا بنيران الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ فجر السبت    الفاصوليا ب 80 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    أجواء معتدلة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    الجنازة تحولت لفرح.. تصفيق وزغاريد في تشييع جثمان متوفى في قنا    مصرع أب وطفله في حادث تصادم سيارة ملاكي و«سكوتر» بطريق المحلة – كفر الشيخ    تناولت سم فئران بالخطأ.. إصابة فتاة بالتسمم في قنا    معيط: انخفاض الدين الخارجي لمصر وزيادة الاحتياطي الأجنبي مؤشر إيجابي    د.حماد عبدالله يكتب: المدابغ المصرية وإنهيار صناعة "الجلود" !!    رسمياً بدء اختبارات قدرات جامعة الأزهر 2025.. ومؤشرات تنسيق الكليات للبنين و البنات علمي وأدبي    4 أبراج على موعد مع الحظ اليوم: مجتهدون يشعرون بالثقة ويتمتعون بطاقة إيجابية    9 صور ترصد تكريم إمام عاشور رفقة كتاليا في حفل دير جيست    محامي وفاء عامر يكشف حقيقة مغادرتها البلاد    «زي النهارده».. وفاة الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي 3 أغسطس 1999    "القومي للمرأة" ينعى الفنانة النسّاجة فاطمة عوض من رموز الإبداع النسائي    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    ما حكم صلاة الصبح في جماعة بعد طلوع الشمس؟.. الإفتاء توضح    مشروب صيفي شهير لكنه خطير على مرضى الكبد الدهني    استشاري يحذر من مخاطر إدمان الأطفال للهواتف المحمولة    تقضي على الأعراض المزعجة.. أفضل المشروبات لعلاج التهابات المثانة    سموتريتش: رد إسرائيل على فيديو الرهينة الذي يعاني الضعف والهزال يجب أن يكون التدمير الكامل لحماس    الهند تشير لاستمرار شراء النفط الروسي رغم تهديدات ترامب    فريق طبي بجامعة أسيوط ينجح في إنقاذ حياة طفلة من تشوه خطير بالعمود الفقري    الصحة: إنقاذ حياة طفل تعرض لتهتك وانكشاف لعظام الجمجمة ب الضبعة المركزي    فتح بوابات ترعة الإبراهيمية |وزير الرى: 87% نسبة التنفيذ فى قناطر ديروط الجديدة    وزير الأوقاف يشهد افتتاح دورة «مهارات التحفيظ وأساليب غرس الوطنية»    نفقة ومتعة ومؤخر صداق.. محامٍ يكشف حقوق المرأة في كل نوع من أنواع الطلاق    الصحة: 13.2 مليار جنيه لعلاج 1.8 مليون مواطن على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب الدولة الوحيدة القادرة على إخراج موريتانيا من الأزمة / د.عبد الرحمن مكاوي
نشر في محيط يوم 26 - 10 - 2008

المغرب الدولة الوحيدة القادرة على إخراج موريتانيا من الأزمة

د.عبد الرحمن مكاوي

سوف نلقي نظرة على الأسباب التاريخية و الإنسانية و الدينية التي تضع المغرب في موقع يسمح له بلعب دور الوسيط المحايد في الخلاف الداخلي الموريتاني، إن طلب منه ذلك من طرف الفرقاء المتخاصمين في بلاد المليون شاعر. و لنفهم مكانة المغرب و العاهل المغربي في قلوب الموريتانيين مولاة و معارضة كأمير للمؤمنين ، لابد من الرجوع إلى تاريخ العلاقات العضوية بين البلدين التي تدحرجت بين مرحلة التوتر و النفور و الشك إلى مرحلة الانفراج و التحالف و التعاون. و في هذا السياق سوف لن أتعرض في هذا التحليل إلى الأحداث الجارية في هذا البلد الشقيق منذ 6 غشت 2008، فموقفي منقسم بين ما اعتبره آخر العلاج و هو الكي، و اقصد بذلك الحركة التصحيحية التي يمثلها المجلس العسكري الأعلى بقيادة الجنرال ولد عبد العزيز، والشرعية الدستورية التي كان يقودها السيد محمد ولد الشيخ عبد الله، الرئيس المخلوع، فلي صداقات في كلتا الأطراف المتصارعة : مولاة و معارضة، الشيء الذي يدفعني إلى الحياد أو اقتراح النصيحة في هذا الموضوع المعقد الذي يتم تدويله رويدا رويدا وبتواطئ مع بعض الأشقاء، فكل جانب له مواقفه ودوافعه و تبريراته التي تبدو منطقية وقانونية و سياسية.

أعود إلى موضوعي حول الأسس التاريخية للعلاقات بين المغرب و موريتانيا، لأقول أن هذه العلاقات القديمة جدا عرفت عدة محطات في تطورها شملت عدة عناصر ذات أبعاد إما تصارعية أو سلمية بين البلدين الجارين. فطبيعة العلاقات بينهما كانت دائما هي المحرك الأساسي إما للحرب أو للسلام أو للتوتر أو للانفراج في منطقة المغرب العربي.

إن الحراك السياسي الموريتاني المغربي كانت تمليه معطيات سياسية، دبلوماسية، إيديولوجية، جغرافية، اقتصادية، ثقافية و دينية إقليمية او دولية بين الجارين. فالعلاقات التاريخية بين المغرب و جنوبه الصحراوي، و الأمر هنا يتعلق بالصحراء الكبرى عامة، و ولاية شنقيط (موريتانيا الحالية) خاصة، أمر ثابت تاريخيا و لا يحتاج للكثير من المراجع أو العديد من الشرح و التفسير.

قبل دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا، المخطوطات القديمة كانت تطلق اسم موريتانيا على منطقة "المور" و "الأمازيغ" (البربر)، أي المنطقة الممتدة من طنجة (تانجيس) في الشمال إلى السنغال و مالي في الجنوب، و محدودة في الشرق بمملكة نوميديا (لمساغا) وفي الغرب بالمحيط الأطلسي.

و خلافا لما جاء في مقال للدكتور عثمان السعدي "أن الجزائر كانت موجودة منذ 5 آلاف سنة"، فإنني أؤكد أن العهد الروماني عرف عدة تقسيمات لمنطقة موريتانيا الكبرى: موريتانيا القيصرية، موريتانيا تنجتان، موريتانيا الصطيفية، و موريتانيا الصحراوية، و قد و صفها الملك جوبا الثاني الذي رسم حدود مملكته الواسعة التي كانت تضم المغرب الأقصى و موريتانيا و الصحراء الشرقية الجزائرية حاليا، وسماها ب''مماليك امازيغين''، الذين حكموا المنطقة طيلة عدة قرون خلت. أما الجمهورية الإسلامية الموريتانية الحالية، فكانت تسمى ببلاد شنقيط قبل استعمارها من طرف فرنسا سنة 1899. فعند استقلالها سنة 1960، أصبحت هذه الدولة العربية الإفريقية ممتدة على مساحة مليون و ثمانين ألف كلم2، بلاد صحراوية قاحلة في معظمها، و لكن غنية بالنفط و الحديد و الذهب و الأسماك، إضافة إلى موقعها الجيوستراتيجي الهام. فنعمتها التي اكتشفت مؤخرا، تحولت في الوقت الحاضر إلى نقمة، بسبب الأطماع المختلفة القادمة من الجيران، و من طرف الشركات العابرة للقارات، وهذا عامل مهم في فهم عدم استقرار البلد الشقيق في الوقت الحاضر.

فموريتانيا قبل 1899 كانت تحت نفوذ و سيطرة جميع الإمبراطوريات التي حكمت المغرب الأقصى على مدى التاريخ. و كانت تسمى "بعمالة شنقيط" التي ينبغي تمييزها عن مدينة شنقيطي الموجودة في شمال أطار. فكزافي كوبولاني (Xavier Coppoloni)، الحاكم الفعلي الأول الفرنسي لموريتانيا، كثيرا ما كان يستعمل الصحراء الفرنسية في مراسلاته و مذكراته، لتمييزها عن الصحراء الإسبانية، اللتان كانتا تعتبران الامتداد الجغرافي و الطبيعي و التاريخي و الإنساني للمملكة المغربية. فموريتانيا استعمرت انطلاقا من السنغال لأسباب تجارية، منها على وجه الخصوص احتكار تجارة مادة العلك (la gomme)، ففرنسا كانت تحاول إخراج الهولنديين و الانجليز الذين كانوا يتاجرون مع سكان شنقيط في هذه المادة الحيوية للأروبيين. فقامت حروب كثيرة بين الدول الأوربية الاستعمارية على من يمتلك بلاد شنقيط، إلى أن جاءت معاهدة فرساي التي قسمت الكعكة بين الدول الأوربية، فقبائل ترارزة و لبراكنة و شنقيط و أدرار لم يستسلموا إلى فرنسا إلا بعد معارك طاحنة و مشاورات مكثفة مع المخزن المغربي، الوصي الفعلي على هذه القبائل التي كانت تعترف لسلاطين المغرب إما بسلطتهم الدينية أو الدنيوية (قبائل المخزن أو السيبة). فمقاومة الشيخ فاضل الجلامي والد الشيخ ماء العينين، زعيم قبيلة الترارزة لفرنسا تمت بقوات وأسلحة و قيادة مغربية وبأوامر من سلطان المغرب آنذاك، الذي أعلن الجهاد على الصليبين في الصحراء الكبرى، و هذه الانتفاضة الصحراوية للقبائل المغربية كانت تواجه في ذات الوقت أطماع ومصالح إمبراطوريات أوروبية أخرى كانجلترا و هولندا، اللتان كانتا تبيعان السلاح إلى المغرب قصد طرد الفرنسيين من شنقيط. أما الزاوية التيجانية التي كان مقرها الديني و السياسي بفاس، فقد لعبت هي الأخرى دورا مفصليا في معارضة الوجود الاستعماري في الصحراء الكبرى نظرا لنفوذها الواسع في المنطقة، خاصة بعد استسلام الأمير عبد القادر الجزائري، المنتمي إلى هذه الزاوية المغربية، فتاريخ المنطقة يؤكد طلب قبيلة ترارزة من السلطان المولى إسماعيل العلوي بإرسال 9000 جندي مسلح لمساندة قبائل شنقيط لصد الاستعمار الفرنسي، فالتداخل الاجتماعي و السياسي بين القبائل في موريتانيا و المغرب الأقصى أكدته الهجرات المتعددة من الشمال إلى الجنوب و العكس صحيح، حركة عرفتها المنطقة قبل التصحر واستمرت إلى الآن (موريتانيا كانت تعني اصطلاحا باللغة الفينيقية موري MAURI).

فبعد نجاح الاستعمار الفرنسي و حليفه الاسباني في الاستيطان في الصحراء الغربية الاسبانية و الصحراء الجنوبية الفرنسية، هاجرت الكثير من القبائل الموريتانية قسرا إلى المغرب، وهكذا أخمدت بالحديد و النار كل المقاومات الموريتانية و ضربت كل الزوايا و فكت كل طرق التواصل التجارية و الدينية في هذه المنطقة التي كانت ولايات مغربية حسب كل المراجع التاريخية و خاصة الفرنسية و الاسبانية و العثمانية.

فالهجرة إلى الشمال لم تتوقف حتى بعد استقلال موريتانيا الإسلامية سنة 1960، حيث هاجرت عدة عائلات شنقيطية التي كانت تساند مغربية موريتانيا و ضرورة عودتها إلى المغرب، و من بينها بعض الزعامات الوازنة و خلفاء بعض الزوايا و زعماء قبائل قوية، فالمغرب لم يعترف بهذا المولود الجديد في شمال إفريقيا ،والدي صنعته فرنسا الاستعمارية الساعية إلى فصل موريتانيا المستقلة عن فضاءها العربي و الإسلامي و المغاربي وإدماجها في الفضاء الإفريقي (إفريقيا الفرانكفونية AOF). فمنذ استقلال هذا البلد العربي لم يعرف استقرارا سياسيا نظرا لعدة أسباب منها : الأطماع الإقليمية و الدولية و الجفاف و الفقر و العصبية القبلية. فالرئيس و لد داده، رحمه الله، أطيح به في انقلاب عسكري تبعته عدة انقلابات عسكرية.

فالعصبية كانت دائما المحرك الأساسي في نمط التداول على السلطة. فللعلم، فموريتانيا كانت مقسمة سياسيا و اجتماعيا إلى أربعة مجموعات قبلية أساسية على رأس كل واحدة منها أميرا أو خليفة ينوب عن سلطان المغرب. هذه الإمارات ظهرت منذ عهد إمبراطورية السعديين إلى غاية 1900. مجاميع قبلية لم يحدث فيها أي تغيير جوهري إلى الآن، فهناك إمارة الترارزة، و إمارة لبراكنة، وإمارة شنقيط، و إمارة أدرار.

وتفرعت عن هذه القبائل عدة كيانات صغيرة تابعة إلى القبائل الكبرى المذكورة سلفا، فإمارة شنقيط كانت جزءا لا يتجزأ من المغرب إلى حدود سنة 1920، سبع سنوات قبل ضم فرنسا لتندوف و بشار إلى مقاطعة الجزائر الفرنسية. فأصبحت كل الإمارات تابعة إلى عاصمة السنغال الاقتصادية سان لوي(Saint Louis)، فنواكشوط لم تصبح عاصمة لجمهورية موريتانيا الإسلامية إلا في سنة 1960.

علاقات الدم و التاريخ لازالت قائمة إلى الآن بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية و المملكة المغربية، بدليل أن احتفالات المغرب مؤخرا بقدوم الأميرة للا خديجة، بنت الملك محمد السادس قد احتفل بها كذلك في شنقيطي التي أعطت للمولودة الجديدة لقب مواطنة شرفية للمدينة الصحراوية الموريتانية. و هذا الإجراء الشعبي والديني الذي قد لا يفهم من طرف المؤرخين والمتتبعين الغربيين و السفسطائيين العرب، هو تعبير واضح و أخوي للعلاقات العائلية العميقة التي تجمع الدولة العلوية الشريفة و قبائل شنقيط، علاقات دفعت ببعض الموريتانيين سنة 1960 إلى المطالبة بضم المغرب الأقصى إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية (طلب المرحوم حمدي ولد مكناس وزير الخارجية الموريتاني و مندوبه بابا مسكي إلى الأمم المتحدة، هذا الأخير الذي تقلد فيما بعد مهام وزير خارجية الجمهورية الصحراوية الوهمية) !

لقد نوقش الموضوع في المنتظم الدولي بتشجيع جزائري و فرنسي، تحت ذريعة أن المرابطين هم موريتانيون (الملثمون)، و قد حكموا المغرب الأقصى و الأندلس لمدة قرون، إلا أن الطلب الموريتاني آنذاك انقلب إلى نكتة أو مسرحية دبلوماسية، لان إمبراطورية المرابطين كانت عاصمتها مراكش، وهذا خير دليل على التداخل بين الشعبين الموريتاني و المغربي، فالخلاف الموريتاني المغربي القصير في عمره كانت له أسباب موضوعية ترجع إلى التدخل الاستعماري و الإقليمي السلبي في الارتباطات التاريخية والإنسانية و الدينية و الثقافية بين البلدين الجارين، فلقد كان يصور المغرب بمثابة الغول الذي سوف يبتلع موريتانيا، فاعتراف المغرب باستقلال هذا البلد الشقيق أعاد اللحمة إلى العلاقات الأخوية القديمة بين الشعبين وقطع الطريق أمام كل التدخلات الأجنبية التي كانت تدفع في اتجاه القطيعة التامة بين المغرب وموريتانيا .

في هذه الظروف، انتهزت الجزائر فرصة الفراغ الدبلوماسي بين موريتانيا و المغرب رغم استمرار التواصل الثقافي و الديني و الاقتصادي بينهما للتسرب إلى كل مفاصل الدولة الموريتانية (اقتصاد،جيش،تعليم،استخبارات...الخ) إلى درجة اعتبرت من طرف المرحوم هواري بومدين "ولاية من الولايات الجزائرية" و أن "المرحوم ولد داده ما هو إلا حاكم تحت الوصاية الجزائرية" (un vice-président)، حسب تصريح المرحوم الرئيس الموريتاني ولد داده لجريدة لومند الفرنسية سنة 1978، حالة دفعت بالعسكر إلى سلسلة من الانقلابات المتكررة، فانحياز موريتانيا إلى الجزائر في الفترة الممتدة بين 1960 إلى 1969 كانت و لازالت نتائجه و تأثيراته الجيوستراتيجية قائمة إلى الآن، تحالف بني على أساس مكره أخوك لا بطل !.

إن حرق المسجد الأقصى ودعوة المغرب إلى انعقاد قمة إسلامية للبحث في الموضوع، سهل عودة موريتانيا إلى أصولها الطبيعية والإنسانية أي موريتانيا الكبرى، فالاعتراف المغربي بدولة موريتانيا الإسلامية غير من التحالفات في المنطقة رأسا على عقب، فالدولتين قامتا بتحرير الصحراء الاسبانية معا واقتسمتا الإقليم بناء على الرأي السياسي لمحكمة العدل الدولية، وطبقا لاتفاقية مدريد التي بموجبها سلمت اسبانيا للمغرب وموريتانيا الوصاية على الصحراء باعتبارها امتدادا جغرافيا وإنسانيا وتاريخيا للبلدين.

فالمغرب لا يرى في موريتانيا حاجزا أو عائقا سياسيا أو دينيا أو أمنيا يقطعه عن جذوره الإفريقية، كما أن الموريتانيين بدورهم لا يرون في المغرب تهديدا مباشرا لهم .وبناء على هذا التحالف العضوي بين البلدين، نشأ محور باريس ،مدريد ،الرباط ،نواكشوط ودكار. أمام هذا الوضع الجيوستراتيجي الجديد في شمال إفريقيا و بعد التهديد و الوعيد، قام المرحوم الرئيس بومدين بعدة محاولات عسكرية للإطاحة بالرئيس ولد داده مستعملا كتائب البوليساريو المؤطرة و المسلحة من طرف الجزائر، و بعد فشلها، قامت الجزائر بتحريك بعض الضباط الموالين لها، دافعة بهم في عمليات انقلابية متتالية للإطاحة بالشرعية الدستورية وهذا ما تم بالفعل. أما مصالح الجزائر و أهدافها في موريتانيا خلال تحالفها الغير الطبيعي من سنة 1960 إلى 1975، فيمكن تلخيصها في ثلاثة نقط أساسية هي : أولا الوصول إلى المحيط الأطلسي و محاصرة المغرب عدوها الإيديولوجي من الجنوب، وثانيا تصدير حديد مناجم غار الجبيلات عبر ميناء نواديبو، و ثالثا تكوين نخبة موريتانية تعمل لصالحها و لفائدتها في المنطقة.

فجمهورية موريتانيا الإسلامية هي بلد فقير و هش من الناحية السوسيواقتصادية، و سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة لم تقوى على الصمود أمام الحصار و الضربات الجزائرية، من 1976 إلى تاريخ استرداد وادي الذهب، الجزء الآخر من إقليم الصحراء الاسبانية الذي استرجعه المغرب تحت المطالبة الملحة لسكانه وقبائله، فمطالب موريتانيا في الصحراء الاسبانية كانت ضعيفة و لا تقوم على أية أرضية لا تاريخية و لا سياسية، ولم تكن هناك رغبة شعبية أو مصلحة مادية في الموقف الموريتاني، الذي لا يمكن تفسيره إلا بالتشجيعات الفرنسية والجزائرية السرية و العلنية بغية محاصرة المغرب.

إن موريتانيا الآن واقفة أمام مفترق طرق خطير، و إن البلد الوحيد القادر على مساعدتها للخروج من مخلفات الحركة التصحيحية التي أطاحت بالرئيس ولد الشيخ عبد الله هو المغرب، لأن هذا الأخير، له حلفاء أقوياء في المعسكرين المتخاصمين، فعلى الدبلوماسية المغربية بذل كل ما في وسعها دون مماطلة أو إملاءات أو انحياز لطرف على حساب الآخر وجر جميع الفرقاء إلى طاولة المصالحة الموريتانية الموريتانية، فأهل هذا البلد قادرين على تجاوز المحنة إذا سلمت النيات وكف الفاعل الخارجي من التدخل في الشؤون الداخلية لموريتانيا لتأجيج الأزمة.

لهذه الأسباب التاريخية و الإنسانية و الدينية و الجغرافية، يمكن القول أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، هو الرجل الوحيد في المنطقة القادر على فك ألغاز الأزمة الموريتانية وإعادة اللحمة إليها، نظرا لتوفره على رصيد محترم عند الأطراف المتصارعة، شريطة أن يطلب منه التدخل للوساطة و شريطة أن تكف الأيادي الإقليمية و الدولية عن خلط الأوراق داخل هذا البلد العربي الشقيق الذي يحتاج إلى تعاون الجميع في المنطقة.، و هنا أساند موقف الرئيس السنغالي و أحد حكماء إفريقيا السيد عبد الله واد القائل بأن فرض عقوبات على الحركة التصحيحية و الإستقواء بالخارج لن يحلا الصراع داخل هذا البلد، لان الشرعية الدستورية لم تجهض بأكملها، فلازالت كل المؤسسات تشتغل و لازال الدستور يحفظ و يحمي حقوق الأغلبية و الأقلية. فلا مصلحة لأحد في صوملة الشعب الموريتاني أو بلقنة موريتانيا.أما أنا فاعتقد أن سبيل الخروج من الأزمة، و هذا على سبيل النصيحة، فيكمن في إطلاق سراح الرئيس المخلوع محمد ولد الشيخ عبد الله، وتكوين مجلس رئاسي مؤقت مكون من ثلاثة أشخاص: واحد يمثل العسكر والثاني يمثل المعارضة تحت إشراف رئيس المحكمة الدستورية، وتكون مهمة هذا المجلس المؤقت تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في أجل لا يتعدى العام. و في إطار هذه الصيغة السياسية المدنية، يمكن للجميع بما فيهم زعيم الحركة التصحيحية والرئيس المخلوع تقديم ترشيحاتهم إلى الرئاسيات القادمة مع المرشحين الآخرين،ويبقى الشعب الموريتاني الفيصل بين الجميع وذلك تحت إشراف دولي. إن هذا الكلام ليس كما يعتقد البعض سفسطة أو هذيانا أو إثارة لجدل عميق، بل هو عين العقل و رسالة محبة و أخوة للشعب الموريتاني بأكمله.

** أستاذ العلاقات الدولية جامعة الحسن الثاني المغرب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.