«اسعى يا عبد وانا اسعى معاك»، جملة كثر ترديدها فى غرفة «أم حازم»، تذكر بها زوجها كل صباح وهو يذكرها بالجنيهات القليلة التى يكسبها بعد يوم عمل على ماكينة خياطة الجلابيب البلدى، «الشغلانة مابقتش جايبة همها، ما تشوفلك شغلانة تانية يا خويا تساعدنا بيها»، تقول الزوجة وهى تعد كوب الشاى الصباحى، ليخرج الزوج بعدها ولا يعود، بينما يحل محله تقرير قصير صادر عن مستشفى، ملخصه «توفى فى حادث سيارة». «إلا للضرورة»، هكذا حدثت نفسها، فمن أين ستأكل ويأكل أبناؤها حتى تنقضى «أربعة أشهر» هى عدة الأرملة حسب الشرع؟ كما ذكرها أحد الجيران، «إلا للضرورة يا سيدنا الشيخ، ولو ماخرجتش أشتغل مين هيأكل ولادى؟». خرجت «أم حازم» تبحث عن عمل يسترها من غدر الأيام: «ولاد الحلال جابولى شغلانة فى بيت، وربنا يسترها واعرف أعيش أنا وعيالى». أربعة أبناء هم فرحة الست «علية» وجل همها؛ الكبرى تزوجت بعد عناء وما زال الباقون صغاراً؛ «بنتين فى أولى إعدادى وولد فى تانية ثانوى، كل اللى أتمناه إنهم يكملوا تعليمهم ويمسكوا شهادة تبعد عنهم الهم اللى احنا شايفينه». يصعب أن تتحدث عن «منزل» هنا، فالكلمة ليست دقيقة، ففى حارة الزواتنة بمنشية ناصر يمكنك الحديث عن «غرفة وطرقة»، لتبقى «أم حازم» وأبناؤها وضيوفها مجبرين على ممارسة رياضة القفز أكثر من مرة فى اليوم، فلكى تصل إلى الحجرة التى تحوى سريراً واحداً ودولاباً قديماً عليها أن تقفز متراً أسفل مستوى الأرض: «نفسى أردم الأوضة بدل التربة اللى عايشين فيها دى، بس منين؟»، علامة استفهام لا تفارقها، فالثلاجة الإيديال ذات الباب الواحد هى من تصاريف أهل الخير، والتليفزيون الأبيض واسود هو كل ما استطاع زوجها أن يوفره لها من متع الدنيا «الله يرحمه! ارتاح». بعد يوم عمل طويل فى أحد منازل مدينة نصر عادت «أم حازم» إلى منزلها لتجد أبناءها يساعدونها فى تنظيف «الأوضة»، تفرح عندما تخبرها صغيرتها «ندى» بدرجتها النهائية فى المدرسة، وتنساب دموعها وهى تأسف لأن حذاءها قطع وتحتاج جنيهين لتصليحه: «ماقدرتش أجيبلهم جزم ولا شنط جديدة فى دخول المدارس، بس كان لازم أجيب اللبس عشان اتغير». فرحة وحيدة تنسيها كل همها وتبدل حزنها تفاؤلاً وسعادة: «المدرسين فى المدرسة بيقولولى بنتك شاطرة أوى وذكية، ربنا يباركلك فيها، كلامهم بيشرح قلبى ويحسسنى إن ربنا بيطبطب عليا».