مناسبة تتكرر سنويا، تأتى ببهجة وخير عميم.. الزحام المستمر بمواقف الميكروباص من خيرات المواسم والأعياد، حيث تتسارع النفرات للحاق وحجز المقاعد للذهاب إلى أهاليهم وذويهم، «عيد الأضحى» مناسبة يقبل فيها المغتربون على السفر.. حلوله هذا العام فى ظرف سياسى وأمنى غير معتاد جعله نعمة تستدعى سرور بعض بنى البشر، فقدوم «الأضحى» فى مناخ حظر التجوال ووقف السكة الحديدية لاعتبارات أمنية فائدة تصب فى مصلحة: أصحاب السيارات، السائقين، الباعة والأرزقية، بعض المواطنين. تَحوُّل قِبلة المسافرين من محطات القطارات إلى مواقف الميكروباصات منفعة ورزق مضاعف لسكان تلك المواقف، وفقا لحديثهم حول فوائد وقف القطارات فى العيد، زيادة الأجرة وازدياد عدد رحلات تسفير «المُعيّدين».. أبرز أشكال استفادة السائقين وأصحاب السيارات من الإلغاء المؤقت للسكة الحديدية فى العيد، يقر «محمد إبراهيم»، صاحب سيارة ميكروباص، بأنه رفع أجرة الراكب فى ظل الإقبال الشديد للركاب على السفر وحقق عائدا ماديا كبيرا: «فيه حالة رضا عند الركاب على زيادة الأجرة لأنهم مضطرين من ناحية وبعض الناس شايفاه تمن لضمان الأمان بعيد عن التفجيرات والحوادث الإرهابية»، وفقا لابن مدينة السويس، موضحاً أن السائقين بعد وقف القطارات رفعوا قيمة الأجرة كعادة المواقف فى الأعياد ولكن هذه المرة لضعف المبلغ العادى، كما قال. «إبراهيم»، صاحب سيارة أجرة السويس، يرى أن تعطيل القطار عاد عليه بفائدتين: «فرقت معايا فى مكسب مشاوير العربية فى السفر وإفادة لينا من حوادث القطورات لحين الأمن مايقدر يسيطر على البلد»، كما قال سائق خط السويس- القاهرة، مؤمنا بقاعدة «قدر أخف من قدر».. يقول محمد إبراهيم وابتسامة الرضا مرسومة على وجهه: «حتى لو الأجرة زيادة شوية بس يبقى اللى مسافر مطمن على نفسه وفى أمان فى أيام العيد دى»، مضيفا أنه خلال تعاملاته ومناقشاته اليومية مع الزبائن توصل لنتيجة مفادها «الناس بقت فاهمة ومستوعبة إن قرارات الحكومة فى صالحهم برغم ضررها فى الأول عليهم»، «إحنا مش بتوع فلوس وخلاص» يقولها الشاب السويسى مشددا على مراعاة جانب الإنسانية خلال تعامله مع المسافرين «لازم يبقى قلبى على الراكب وأراعى اللى مش معاه أو عنده ظرف معين ومش بزوّد عليه»، كما قال «إبراهيم»، منخرطا بالحديث فى السياسة وتبعات التظاهرات والعنف فى الشارع: «الإخوان المحظورة سبب آلام الناس»، ذاكرا إحدى بطولاته وزملائه السائقين فى الماضى القريب «يوم الأحد بتاع 6 أكتوبر كان فيه مسيرة للإخوان معرفتش إزاى أنا والسواقين طلعنا عليهم ومشيناهم الأول بالذوق وبعدها بقى بالعافية»، وفق رواية السائق الثلاثينى. إلى الصعيد الجوانى مقصده، حلت أيام العيد وكثر المسافرون لا سيما بعد وقف القطارات، «على حسن» سائق صعيدى، يحمد الله على تعويض وقف الحال بموسم العيد لهذا العام: «مش ملاحقين على الركاب عشان مفيش وسيلة سفر غير الميكروباص والأتوبيس وناس الصعيد مش بيحبوا يركبوا أتوبيسات»، وفقا له، «ويا عجبا لشاكٍ منه شاكر» يعترف «حسن» كمواطن بفضل السكة الحديد على المواطنين القادمين والعائدين إلى مسافات بعيدة وأيضا غير القادرين ويحمد الله قائلا: «القطر كان رحمة للغلابة لكن أرزاق وجت لنا نقول لها لأ!»، أمام سيارته ممسكا «فوطة» تنظيف وحيوية الشباب تبدو جلية على حركته.. يعتبر الشاب السوهاجى اشتغاله على نقل الناس إلى الصعيد الجوانى خدمة جليلة ولو بمقابل مادى: «أغلب اللى بيسافروا معايا متغربين وبياكلوا عيش وعايزين يعيّدوا مع عيالهم»، يعلق سائق الميكروباص على وقف السكة الحديدية أمنيا وتبعاته بالإيجاب على بنى مهنته: «علينا أقساط ومتطلبات كتير وكله برزقه عشان كده ربنا بيعوض وقفان الحال اللى إحنا فيه بيومين كويسين» يقولها «على» وهو مسرور. يؤكد «السائق الشاب» أن سبب زيادة الأجرة فى مواسم الأعياد وازدحام المواقف تعوض عودة السيارات بلا ركاب، موضحاً: «فى العيد وكده بارجع فاضى خالص فلازم التكلفة تشيل بعض»، «حسن» يلفت النظر إلى تعود المواطنين على استقلال الميكروباص بدلا من القطار: «بعد وقف القطر المرة الأولى الناس نسيته وبقت تركب معانا برغم ان المسافة بعيدة وبيتعبوا لكن مواصلة مضمونه على الأقل»، حسب كلامه. أسفل الطريق الدائرى يجلس بين بضاعته، علامات الرضا ترتسم على وجهه.. «محمد ماهر» صاحب كشك بموقف المنيب، موقعه يجمع بين المكان المخصص للسيارات والأتوبيسات معا، «ماهر» واحد من المستفيدين من تعطيل السكة الحديدية، فمبيعاته زادت 50% عن معدلها فى الأيام الأخرى، وفقا لكلامه.. ازدحام الموقف وقت الأعياد جعله لا يلقى بالاً لتربحه من غلق محطات القطار، يصمت برهة وكأنه يستحضر فى ذهنه جوانب المعادلة قائلا بتلقائية: «فعلا أغلب الناس اللى بتسافر بتيجى هنا بدل المحطة وأنا وباقى البياعين بنبيع لهم»، ابن محافظة أسيوط يؤكد عدم قدوم بائعين جدد إلى موقف المنيب بعد وقف القطارات «محدش بييجى منهم لأن المكان هنا محتفظ برجالته وهما ليهم مكانهم وإحنا ده مكاننا ومترخص من زمان»، حسب كلامه.. يسجل «ماهر» ملاحظة ذاتية الرصد قوامها اكتشافه الازدحام المفاجئ وسرعة حركة الموقف خلال الأيام الأخيرة: «من زيادة الناس اللى بتشترى من عندى قلت يمكن عشان الضرب والمظاهرات الناس مروحة بدرى شوية»، وفقا له. «أم وليد» بائعة شاى بموقف المنيب.. بين السائقين والركاب تجد قوتها، برغم بساطتها لكن الراسخ فى علمها أن مكان عملها البديل الوحيد والملاذ الأول والأخير للمسافرين بعد محطة السكة الحديد: «هيرّوحوا منين غير هنا أو موقف عبود عشان المحطات واقفة»، هكذا تقول، وسط نداءات السائقين وطلبات الزبائن.. لا تنكر «أم وليد» استفادة الموقف بكل طوائفه من توقف القطار «أيام العيد بيبقى البيع والشراء زيادة لكن عشان القطر واقف الحركة ماشية أكتر»؛ وفقا لتوضيحها.