غاب عن المشهد السياسى فى أحلك لحظاته، رئيس جاء وعُزل، وجماعة حكمت وحُلت، وبقى الفقيه الدستورى ملتزم الصمت، ينظر للمشهد من بعيد خلف نظارته الطبية دون إبداء رأى، طالت لحظات صمته، جاء بمبادرة أثارت الجدل على عكس المبادرات السابقة، يراها المؤيدون خطوة لوقف الدم، والمعارضون يصفونها بصفقة بيع الدم، وبين ذلك وذاك يعكف الدكتور أحمد كمال أبوالمجد على المضى خطوة فى المبادرة دون توقف. بدأت رحلته السياسية مبكراً، الرجل ذو العقد الثامن من عمره يرجع إليه الفضل فى تشكيل التنظيم الطليعى، أقوى تنظيم شبابى سياسى عرفته مصر فى الستينات وبداية السبعينات، تنظيم سرى بامتياز يظل الغموض يلقى ستائره على صفحات تاريخه وإن دفع لمصر بكوادر سياسية قادتها فى عهودها السابقة حتى زجت بنفسها ونظامها فى أتون موجة ثورية شبابية أيضا استطاعت أن تلقى بتلك الكوادر خلف قضبان السجون. لم تخلُ مبادرة «أبوالمجد» من النقاط المثيرة للجدل، ومنها: الإفراج عن بعض قيادات تنظيم الإخوان السجينة مقابل وقف أمواج التظاهرات الإخوانية، وفى مقابل ذلك، أكد إقناع الجميع باستحالة عودة «المعزول» كخطوة إن لم توقف المظاهرات فلن تتصدرها صور «مرسى» مرة أخرى. يقف الوسيط بين طرفى النزاع السياسى محاولاً الإمساك بالعصا من المنتصف، باعه السياسى، من وزير الإعلام والشباب الأسبق وصولاً إلى منصبه الحالى نائبا لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، وضع على عاتقه ضرورة التدخل لوقف نزيف الدم، عائداً بدوره الذى شغله وقت ثورة 25 يناير مقرراً للجنة الحكماء، اختلفت الأزمنة وتظل المشكلة واحدة بين نظام كان يحكم وشعب يرفضه بشدة، وفى سبيل ذلك يتلقى الهجوم والنقد من كل حدب وصوب. بين تصريحات «أبوالمجد» التى انتشرت بين ليلة وضحاها على القنوات الفضائية وتصدر المواقع الإلكترونية، يأتى رد فعل الجانب الإخوانى مرتعشاً، تارة يلتزم الصمت، وتارة أخرى يخرج محمد على بشر، عضو مكتب إرشاد «التنظيم» ووزير التنمية المحلية السابق، ليؤكد عدم وجود مبادرات أو مفاوضات فى الفترة الراهنة لرأب الصدع بين إخوانه والسلطة الحالية، متناسياً إراقة دماء أعضاء جماعته، ضارباً عرض الحائط بالتفكير فى مصلحة البلد والبحث عن سبل التوافق. «مبادرة الوساطة».. هكذا أطلق «أبوالمجد» على محاولته لنبذ العنف، مؤكداً أن أى تقارب فى الأفكار بين الإخوان والنظام الحاكم حالياً والتقدم، ولو ببوصة واحدة يومياً، قد يكون فيه أمل كبير فى الوصول إلى بر الأمان، فى وقت أصبح فيه الدم هو المسيطر والتنافر بين فئات المجتمع هو السمة الغالبة.