الخطأ المتكرر من الفئران منذ الأزل هو اندفاعها نحو قطعة الجبن، والذى اخترع مصيدة الفئران كان يعلم أن الفأر لا يستفيد من الخطأ أبدا حتى لو شاهد بعينى رأسه صديقه وهو يرتعد داخل الصندوق الصغير (المصيدة)، ومع ذلك وفى اليوم التالى مباشرة يكرر الفأر الخطأ ويتجه لتحقيق شهوته فى تناول قطعة الجبن مرة ثالثة ورابعة. ولكن الفئران ليست وحدها فى هذه الصفات بل إن كثيراً من البشر يشاركونها فى مصيبة تكرار الأخطاء، وهو عين ما حدث فى مصر على المستوى السياسى ولم يستفد الدكتور مرسى مثلاً من الأزمة التى تعرض لها مبارك قبله كما لم يستفد من تجارب الإخوان السابقة ووضع داخل نفسه ثقة فى غير محلها فى نفسه وفى التنظيم الذى يدير الإخوان الآن وبدأ فى عزل نفسه عن الشعب وتكرار ذات الأخطاء التى وقع فيها مبارك، والعجيب أن مرسى كان يردد دائماً فى جلساته الخاصة عبارة فحواها «إن ما حدث لمبارك شىء وما يحدث الآن شىء آخر تماماً.. تماماً.. تماماً.. تماماً». وظهرت على الدكتور مرسى أعراض قطعة الجبن فظهرت شهوة الحكم على كل تصرفاته من أول حزمة الإعلانات الدستورية الغاشمة وانتهاءً بالثقة المفرطة فى الغرب وفى أمريكا فظل يدخل إلى المصيدة بصورة أسرع من سابقه بل إن حسابات مرسى كلها قامت على عنصرين، فأما العنصر الأول فهو أن القوات المسلحة ستلتزم الحياد دائماً ليس لأن الغرب وأمريكا قد وعدا الدكتور مرسى بذلك ولكن لأن الدكتور مرسى أيضاً كان قد اطمأن إلى التعهدات الأمريكية التى وعدته فيها أمريكا بأنها لن تسمح للجيش المصرى بالتدخل، أما السبب الثانى فهو أن الدكتور مرسى كان يعتقد أن التجمع الإخوانى التكفيرى المشترك سوف يحبط أى محاولة شعبية من الممكن أن يقوم بها الناس.. وهكذا تكررت الأخطاء والحسابات فوقع الدكتور مرسى فى نفس مصيدة مبارك الذى كان قد استهان بالشعب واعتمد أيضاً على أمريكا اعتماد الواثق من السند فكانت 30-6 الثورة الشعبية الواضحة وكانت مساندة الجيش الذى لم يهتم بأمريكا لا من قريب ولا من بعيد فكانت المرحلة التالية وهى مرحلة الحكومة الانتقالية ولجنة الخمسين، ولكن يبدو أن الحكومة الانتقالية ولجنة الخمسين ربما يدخلون المصيدة أيضاً فمن جهة الواقع السياسى الحالى فلم تسهم الأحزاب فيه ولا حتى لجنة الخمسين إلا القليل منهم طبعا وبالتالى فقد ورثوا تركة جميلة لم يدفعوا فيها شيئا تماما مثلما كان حال الدكتور مرسى وإنما دفع الشباب ثمنها ودفع الشعب الفاتورة كاملة وتحمل الجيش ومعه الشرطة عبء استقرار البلاد.. فماذا فعلت القوى السياسية أو لجنة الخمسين أو الأحزاب بعد 30-6 فى الحكم؟!! الواقع يقول إنه وحتى الآن تعيش الأحزاب السياسية أكسل عصورها فلا هى تحركت مع تحرك الثورة ولا هى حاولت أن تعوض ما فاتها وإنما بدأت تستعد للاختلاف حول قطعة الجبن وحول من يدخل إلى المصيدة أولاً، ولكنهم مع ذلك فعلوا كما فعل أصحاب الشعار الإسلامى حينما وعدوا الناس بالمنهج الإسلامى الذى لم يكونوا على دراية به ولا أكون مبالغا إذا ما قلت إن فوضى الشعارات قد بدأت تظهر من جديد وأصبح الخلاف يدور حول نصوص دستورية وعلى سبيل المثال فالبعض يحشد كل قوته لتعديل نص يقر بحق المسيحيين واليهود فى الاحتكام لشرائعهم، ويصر هذا البعض على شطب كلمة «اليهود والمسيحيين» ليجعل هذا الحق «لغير المسلمين»، أيا كانوا، وكأنها مشكلة المشاكل مع أنه لن ينبنى على ذلك التغيير أى عمل؛ فعباد البقر مثلا لن يتظلموا من عدم وجود هذا النص وذلك لسببين أن مصر تخلو من عبادة البقر كما أن عيد الأضحى على الأبواب وسوف تتخلص مصر من كل الأبقار فما الداعى لخلق صراع ساذج لا داعى ولا تطبيق له، كما أن الأسر البهائية التى ما زالت تنتظر نبيها فهى لا تملك شريعة للزواج وإنما الفتاة البهائية تتزوج من بهائى مثلها بزواج مدنى وليس بنظام التوثيق لدى المأذون فلماذا إذن كل هذا الصراع الذى يناضل من أجله بعض الذين ورثوا ثورة لم يدفعوا فيها أبيضَ ولا أسودَ؟!! إنما يبدو أنهم يريدون أن يؤكدوا للناس أن معنى هذه الثورة جاءت من أجل حقوق عباد البقر وعباد الشمس وهذا الترف الحوارى هو عبء على ثورة 30-6 التى لم تقم من أجل حقوق عباد البقر بل من أجل حق الشعب المصرى فى الحياة الكريمة وفى العدالة الاجتماعية التى يجب أن ينشغل بها من ورثوا نتائج الثورة ومن أجل ذلك كان رأى الكنيسة والأزهر هو رأى حكيم ليس لأن الإسلام أو المسيحية سيصيبهم الضرر من هذا النص السقيم وإنما لأنهم ينظرون إلى سمعة هذه الثورة التى يروج لها البعض أنها أتت ضد الدين فيبدو أن الحقيقة أن البعض كان يتمسك بشعارات الدين ولا يطبقها وأن البعض الآخر يتمسك بشعارات الحرية ولا يفهمها. وفى مقام آخر فى لجنة الخمسين نسى البعض أننا ناضلنا لمدة عام ضد الدستور الملاكى الذى صنعه أنصار الدكتور مرسى ومجاملوه وتهكمنا كثيرا من مجلس الشورى ومن اقتراح غير مفهوم يجعل من رئيس الجمهورية عضوا فى مجلس الشورى مدى الحياة ولكن يبدو أن الذين صفقوا لمرسى لم يخرجوا من الحياة السياسية معه بل انتظروا فى مجلس الشورى حتى أتت لجنة الخمسين فقاموا يبثون إليها نفس الأفكار التى ليس لها سابقة فى التاريخ. فيعود المدافعون عن مجلس الشورى ويعود المقترحون بتعيين رئيس الجمهورية فى مجلس الشورى إلى يوم القيامة وهكذا يدخل الفئران الجدد مرة أخرى إلى المصيدة ويظل الشعب متنظرا تلك العدالة الاجتماعية التى يحلم بها ويتحمل الجيش وحده والشرطة معه مهمة استقرار البلاد وتتصارع الأحزاب من جديد حول العدم بل إنها لم تكتسب عضوا واحدا جديدا وبدأت تقل شعبية المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية ليس لأنهم فقدوا البوصلة فقط بل لأنهم أيضاً بدأوا يفقدون أنصارهم ويفقدون مع الأنصار أفكارهم وأصبح الشعب يحاول التمسك بالأمل فى مواجهة نظامين فقد أحدهما مصداقية الشعار الإسلامى وأخطأ الخطأ الجسيم يوم أن استهان بقدرات الشعب على الثورة والتغيير وها هم السياسيون الجدد يخطئون نفس الخطأ وتصيبهم نفس الشهوة تجاه قطعة الجبن ويكفى الأحزاب المصرية أن تسأل نفسها عن عدد الأعضاء الذين استقالوا منها مؤخرا بينما لا تجد من ينضم إليها مع مرور الأيام ولكن مع الأسف تتكرر الأخطاء وبنفس الطريقة وقطعة الجبن باقية فى المصيدة يحج إليها كل مغرور. وبمناسبة تكرار الأخطاء، يُروى أن رجلا قد سأل صديقه عن سبب الحرق الذى على خده الأيمن فأخبره بأنه كان يقوم بكى الملابس عندما رن التليفون فوضع المكواة على خده الأيمن على سبيل الخطأ معتقدا أن المكواة هى سماعة التليفون.. فعاوده السائل مرة أخرى بعد أن رأى حرقا آخر على خده الأيسر فأجاب الرجل: «أصل التليفون ضرب تانى».