لن يهدأ لى بال، ولن أتوقف عن المطالبة بالفريق أول عبدالفتاح السيسى رئيساً لمصر. لن يكتمل إحساسى بالأمان، ولن أطمئن على أن إرادة الملايين التى أطاحت برئيسين فى 25 يناير و30 يونيو وهزمت الإخوان و«أوباماهم» و«أردوغانهم» و«قطرهم» قد أتت ثمارها.. إلا إذا جلس السيسى على مقعد جمال عبدالناصر، هذا المقعد الذى تناوب عليه ثلاثة رؤساء منذ عام 1970: انفتاحى خبيث، وغبى فاسد، وإرهابى خائن. لا أتخيل أن أحداً غير هذا الرجل يستحق أن يحكم مصر. هل تتحمل -مثلاً- أن تصحو من نومك ذات يوم لتكتشف أن رئيسك، والعياذ بالله، شخص تافه مثل خالد على، أو منافق مثل عبدالمنعم أبو وشين (أبوالفتوح سابقاً)، أو حتى ثورى حالم مثل حمدين صباحى؟! فلول «الجماعة» وتجار الثورات و«هتيفة» الميادين وبراغيث النخبة و«الاشتراكيين المعفنين» و«تيار المثليين الثالث» وغيرهم من صغار «الخونة» لا يريدون السيسى رئيساً لمصر، وأسبابهم لا تخرج عن فساد ذمتهم المالية أو السياسية أو الأخلاقية. أما فلول البرادعى والسائرون فى ركابهم من «نحانيح» الدولة المدنية فأسبابهم لا تقل عن دوافعهم تهافتاً وسذاجة. فى جلساتهم الخاصة يتهامسون وكلهم أسى وحسرة: «للأسف لا يوجد غيره»، وفى كتاباتهم ولقاءاتهم التليفزيونية يدّعون أنهم خائفون على السيسى -بوصفه «بطلاً شعبياً»- من «مرمطة» الحكم. يقرون بجدارته، ويتغنون بذكائه وشجاعته ووطنيته التى لا تشوبها شائبة، وقد يبالغ أحدهم فيقول إن هذا الرجل خليط من عبدالناصر والسادات، وعندما تسألهم: لماذا لا يكون إذن رئيساً لمصر؟.. يقولون بميوعة واستعباط: لا نريد آلهة جدداً! من يضمن لنا ألا يتحول السيسى كسابقيه إلى طاغية، إلى ديكتاتور، أو حتى إلى مستبد عادل؟ كفانا ستون عاماً من الحكم العسكرى!.. كأن الحكم العسكرى جريمة، أو كأنه «استعمار»، وكأن جمال عبدالناصر -مؤسس هذه الجمهورية، و«الموجة الأولى» للفريق السيسى، وأيقونة المصريين المخلدة- كان مملوكاً قوقازياً مثلاً!. هؤلاء يتجاهلون حقيقة أن أول رئيس مدنى منتخب كان إرهابياً وخائناً مثل كل المنتمين إلى جماعته القذرة، البغيضة. ويتجاهلون أيضاً أن الملايين التى أطاحت بهذا الرئيس وتلك الجماعة.. هى التى تريد السيسى رئيساً لمصر، وهى صاحبة الحق والمصلحة فى اختياره، وهى التى تتلفت حولها فلا تجد أفضل منه، وهى التى سترد على حجة «السيسى لا يريد» بالنزول إلى الشارع إذا اقتضى الأمر، ومنحه تفويضاً بحكمهم.. على الأقل رداً للجميل: «فوضناك لتحمينا، ونفوضك الآن لتحمى مستقبل هذا البلد». هناك عشرات الأدلة والحقائق التى تثبت أن جموع المصريين لا ترى أية «مؤسسة سياسية» جديرة بحكم مصر إلا قواتها المسلحة. لعلك تلاحظ -على الأقل- التزامهم بمواعيد الحظر وسلوكهم المنضبط فى اللجان رغم تأففهم أحياناً من طول الوقوف وغلظة وتشدد بعض الضباط والجنود. لعلك تلاحظ أن «صورة» الفريق السيسى -وهو المختلف عليه حتى الآن- قد أصبحت معادلاً شعبياً لأيقونة الإرهاب الطالعة من أنقاض الخلافة العثمانية (الكف ذات الأصابع الأربعة على تلك الخلفية الصفراء)، وأن أغنية «تسلم الأيادى» -على سذاجة كلماتها ولحنها وتواضع موهبة مؤلفها وملحنها- أصبحت هى الأخرى سبباً فى خناقات واشتباكات بين أنصار الإخوان وكارهيهم فى كل أنحاء مصر. لعلك تلاحظ -وهذا هو الأهم- أن معركة تطهير مصر من الإخوان لم تعد معركة جيش أو داخلية فقط، بل أصبحت معركة كل المصريين الشرفاء، المحبين لبلدهم، والحالمين ب«مصر» نظيفة، متسامحة، مبدعة، جميلة. السيسى كامن فى صومعته، يدير حربه المقدسة ضد إرهاب الإخوان وحلفائهم فى الداخل والخارج، وفى كل يوم يكسب أرضاً جديدة، وآخر من ركعوا أمام كبريائه المعاند، المدعوم بإرادة ملايين الشرفاء، هو «أوباما».. ومع ذلك لا يريد الحكم، ولا يرى فى نفسه إلا جندياً يؤدى واجبه. لكننا نريده رئيساً لنا. نحن الذين صنعنا «بطولته» التى يخاف عليها ومنها «نحانيح» الدولة المدنية، ونحن أحق بها منه هو شخصياً. نحن الذين سئمنا أسئلة النخبة وحواراتها البيزنطية، ولن نمل أو نتوقف عن صناعة الآلهة، لأننا نحن الذين نعرف، أو أصبحنا نعرف، كيف نحطمها ونسخر منها ونكفر بها إذا تجرأت علينا وخانت ثقتنا وإيماننا. السيسى يعرف أكثر من غيره أن الملايين التى أطاحت برئيسين فى ثلاثة أعوام تستطيع أن تجعلهما ثلاثة.. هذه الملايين هى التى ستضمن لنفسها ولبلدها ألا يتحول السيسى أو غيره إلى طاغية أو فاسد أو خائن. السيسى يعرف أكثر من غيره أن ما من رئيس آخر -حتى إذا كان نبياً مرسلاً- يمكن أن يتحمل بقاءه وزيراً للدفاع وقد أصبح «مهدياً منتظراً»، ويعرف أكثر من غيره أنه لن يتحمل رئيساً آخر يمكن أن يعبث بمصير هذا الشعب. وإذا كان السيسى قد أصبح «مأزقاً» فى نظر النخبة المشكوك فى نزاهتها.. فلا حل -من وجهة نظرى- إلا أن يكون هو «الرئيس».