قبل القبض عليه بأيام قليلة.. كتب محامى الشيطان «عصام سلطان» على صفحته الخاصة فى «فيس بوك» يتهمنى بأننى أحد عملاء الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وافتكس فانتازيا سمجة.. قال فيها إن السيسى طلبنى للاجتماع أكثر من مرة فرفضت، ثم قبلت على مضض. وقال إننا عقدنا اجتماعاً مغلقاً لمدة ساعة، خرجت بعدها ب«سيارة» فخمة و«شقة» أفخم فى التجمع الخامس!. لم يقل هذا المتحول التافه، الذى لا تجوز عليه الرحمة.. لا عصاماً ولا سلطاناً، ماذا دار فى اجتماعنا هذا، وما الذى قدمته للسيسى ليمنحنى سيارة وشقة. وكم كان عدد غرف السيارة وسعة موتور الشقة؟!. لكن الحكاية أعجبتنى وأشعرتنى بالزهو، إذ يشرفنى أن أكون «عميلاً» لرجل وطنى، ذكى، جسور، ومتدين مثل عبدالفتاح السيسى، كما يشرفنى أن أكون عميلاً لجيش مصر، المؤسسة «السياسية» الوحيدة التى تتشرف ب«موت» أبنائها دفاعاً عن كبرياء المصريين وهيبة بلدهم، ولا تفرّق فى «عقيدتها» بين بائعة «فجل» وأستاذ جامعة، بين من يؤمنون برسالتها ومن يهتفون بسقوطها ويحرّضون ضدها: «تتقطع إيدينا لو اتمدت على مصرى». كتبت عن السيسى أكثر من مرة منذ اندلاع ثورة 30 يونيو.. ولم أشبع من الكتابة عنه.. ولن أشبع، ففى كل طلعة شمس يتبين لى ولغيرى من المشتغلين بمهمة البحث عن الحقيقة أن مصر كانت ذاهبة بسرعة القذيفة نحو مصير لا تستحقه.. لولا هذا الرجل. فى كل طلعة شمس يكتشف المصريون فصلاً جديداً من مؤامرة كونية كانت تُحاك ضد بلدهم، وأن الله الذى يدافع عن الذين آمنوا بث فى أرواحهم قبساً من نوره، فاندلعت شرارتهم وانبثق من وعيهم وطهارة قلوبهم رجل كهذا. فى كل طلعة شمس، وكلما تخيلت أن جماعة الإخوان الإرهابية (بجهادييها وتكفيرييها وحمساوييها وقرضاويها وظواهريها) حكمت مصر شهراً واحداً بعد 30 يونيو.. أحسست بالفخر لكونى «مصرياً»، وأحببت كل كلمة كتبتها ضد هؤلاء الخونة بالحق أو بالباطل، ووقفت أمام صورة السيسى مشدوداً مرفوع الرأس أؤدى تحية الشرف والامتنان وكأننى وُلدت من جديد. كتبت عن السيسى.. ولا أتذكر أننى كتبت بهذا الحب والإعجاب والطمأنينة إلا عن جمال عبدالناصر (الشخص قبل التجربة)، لم أعلق على جدرانى وعلى رفوف مكتبتى صوراً لزعيم سياسى وطنى إلا لعبدالناصر، ولم أكن غيوراً وغوغائياً وفاشياً وكارهاً للاختلاف حول «زعامة» و«وطنية» شخص حكم مصر إلا حين كان «المختَلف عليه» عبدالناصر، ولم أكسب رهاناً على «عمالة» بعد أكثر من أربعين عاماً من التشويه والمحو إلا لعبدالناصر. وإذا كان مخرّف الإخوان الذى يُدْعى فهمى هويدى قد رأى ظلماً فى المقارنة بين عبدالناصر والسيسى على مستوى التجربة، فإننى أرى أوجه تشابه كثيرة بينهما؛ من الناحية الشخصية: الحضور الكاريزمى منذ أول إطلالة، الذكاء الحاد، الانحياز لبسطاء المصريين والاحتماء بهم، الحس الوطنى، الخطاب المؤثر.. الخارج من القلب، ثم هذا «العرق» المعاند فى مواجهة مؤامرة تتراوح أطرافها بين نقيضين: أمريكا بكل جبروتها وعدوانيتها.. وقطر بكل تفاهتها وعُقَد نقصها، وإذا كان المرتزقة وعاصرو الليمون يرون فى 30 يونيو موجة ثانية ل«25 يناير» -التى أتت برئيسهم الخائن وجماعتهم الإرهابية- فإننى أرى فى عبدالفتاح السيسى موجة ثانية لجمال عبدالناصر. ما الذى ينقص عبدالفتاح السيسى إذن ليكون رجل دولة على غرار عبدالناصر: التجربة. أن يكون رئيساً لمصر إذا كان يحبها ويخاف عليها بالفعل. أن يكمل جميله ويلبى نداء الملايين التى تحركت بإشارة من إصبعه فى السادس والعشرين من يوليو ليخوض معركتهم ضد الإرهاب، ألا يخذلهم مثلما خذلتهم نخبتهم المأجورة ولم تقدم لهم وجهاً سياسياً يليق بحكمهم وإدارة شئونهم. السيسى رئيساً لمصر: ثمة استقطاب هنا. الشارع - بفطرته الواعية وباستثناء جماعة الإخوان وحلفائها فى الداخل والخارج- يريده رئيساً، وقلة من العقلاء المحايدين يريدون بقاءه على رأس المؤسسة العسكرية صوناً لها وحفاظاً على تماسكها وقوتها وجديتها فى مواجهة هذه الموجات المتتالية من الإرهاب.. وبين هؤلاء وأولئك أعلن السيسى أنه لا يريد الحكم ولا يسعى إليه: «شرف الدفاع عن مصر أهم عندى من شرف حكمها». لكن المؤشرات كلها تقول إن ما من شخص يأتمنه المصريون على بلدهم ويثقون فى وطنيته سوى عبدالفتاح السيسى، حتى أولئك الذين يهتفون ضد الحكم العسكرى بنية ساذجة أو مغرضة لا يملكون بديلاً له، وكل المخاوف والوساوس مردود عليها. سيقول الخبثاء: لم تكن ثورة إذن، بل كانت انقلاباً.. فليكن! سيقولون: هو لا يريدها.. ونحن نقول: هو ليس حراً فيما يراه المصريون حقاً.. وقد أرادوه رئيساً وقُضى الأمر.. سيقولون: من يضمن ألا يكون طاغية؟ وأنا أقول: الملايين التى أتت به. سيقولون أخيراً: انت لاحس بيادة.. وأنا أقول بملء فمى: «بيادة السيسى أشرف من كل الرؤوس التى تتدحرج أمامنا هبوطاً وصعوداً على سلم السياسة».