من اللاجدوى إلى اللاشىء.. هذا هو حال تعليمنا فى مصر والتعليم كما التاريخ لا يُكتب على سبورة بيد تمسك طباشير وأخرى تمسك ممحاة. نحن نعيش داخل أنفاق الأمية التى يشطرها نهر البطالة القادرة على استدراجنا إلى العمق أو إلى الخلف. بدون تعليم يتوقف الفهم.. سنظل فى تعليم يمحو الفهم. يوم كان لدينا تعليم كان لدينا تنوير، كان لنا من المفكرين والعلماء والشعراء والكتاب ما يجعلنا نعيش حالة الزهو والغرور. ومع البؤس التعليمى جاء البؤس الثقافى وأصبحنا محدودى الدخل والأحلام؛ فنوعية التعليم ترجمة لنوعية الحياة. وتجريف الوعى خلق لنا أهدافاً صغيرة وانتصارات فردية، وأصبح الحصول على شقة أو الحصول على سيارة أحلاما كبرى رغم أنها حقوق طبيعية. أصبح همنا مواصلة العيش لا غير، وما عدا هذا ترف. محتوى التعليم يحدد قيمته وصفته ويحدد نوعية وطريقة الفكر والحياة. وعندما كان د. طه حسين وزيراً للتعليم كانت الوزارة اسمها وزارة المعارف وكان التعليم علماً وثقافة وتنويراً، وعندما أصبح التعليم مجرد شهادة والسلام حيث سيادة الحفظ وتراجع الفهم كان ذلك مرادفاً لاسم كاذب «التربية والتعليم» وتدريجياً اختفت كل أنشطة التربية من نشاط رياضى وفنى وتعاونى وزراعى وصولاً إلى اختفاء التعليم ذاته ليحل محله الجهل.. حتى لو كان هذا الجهل يحمل شهادة دكتوراه. ومشاكلنا تبدأ أو تمر وتنتهى بتعليمنا.. كارثتنا فى تعليمنا.. التعليم الحكومى والتعليم الأزهرى كلاهما أسوأ من سيئ، والناتج تضخم الجهل ووجود أصحاب فكر تدميرى سلموا مفاتيح عقولهم لنشطاء فى مجال الدين على اعتبار أنهم رجال دين بينما أغلبهم يفتقد للفهم والثقافة ومعرفة حقيقية بصحيح الدين. وتضخم الجهل أنتج أيضاً شهادات دون علم، دون ثقافة، ويبحث أصحابها عن عمل بشهادة لا تؤهلهم لأى عمل؛ فهى شهادة على الورق ولكن الأمية هى المؤهل الحقيقى. تضخم الجهل أنتج أمية أبجدية بأرقام هائلة فى مصر وكأن المساواة فى الجهل عدل. وإذا كان حق العمل مقدماً على جميع الحقوق فى كل البلدان المتقدمة، فالسؤال: هل يكون الجزاء هو العمل لمن لا يمتلك أياً من المؤهلات. ورغم أن مصر بها طبقات لديها القدرة على توفير التعليم الأجنبى لأبنائها فهذا يجعل المسافات بين خريجى هذا التعليم والتعليم الحكومى شاسعة أحياناً، ورغم ذلك نالهم من البطالة جانب. وعندما يكون التعليم دائرة مغلقة على جهل وحفظ فهذا معناه العجز والشلل للمجتمع. شفاء المجتمع وعافيته وقوته تبدأ عندما نجعل التعليم الخبر الرئيسى فى الصفحة الأولى، عندما يكون التعليم طريقاً نرصفه بالأسئلة والتفكير والوعى، عندما يكون التعليم مشروعاً قومياً بإرادة سياسية حقيقية تجعله المشروع الأول فى قائمة أولويات الدولة لتدخل مصر إلى عصر العلم وتعود إلى منظومة المعارف بآليات ومناهج وطرق تدريس ونشر ثقافة التنوير والتقدم. وعافية التعليم تعنى عافية الاقتصاد، تعنى حياة صالحة للتعددية والديمقراطية والتخلص من مجموعة كبيرة من أمراضنا الاجتماعية. والدولة يجب أن تبدأ فى البحث عن حلول لاحتواء أعداد البطالة، وربط التعليم باحتياجات السوق. ويجب على رجال الأعمال إيجاد الطرق لمساندة الدولة فى التعامل مع كارثة البطالة، يجب أن تبحث البنوك ورجال الأعمال عن حلول خارج الصندوق لأداء الرسالة الاجتماعية، يجب أن يكون نموذج «محمد يونس» فى بنجلاديش نموذجاً حاضراً فى الواقع المصرى. محمد يونس أنشأ بنك الفقراء وأقنع البنك المركزى البنجلاديشى والبنوك التجارية بتبنى مشروع يقدم تنمية شاملة وواعية بمنطق: لا إقصاء للفقراء ولا انحياز للبنوك لصالح تعزيز غنى الاغنياء وتكريس فقر الفقراء.