خلف المنازل المجاورة لقضبان السكك الحديدية الممتدة على طريق القاهرة - الإسكندرية، فى منطقة أبووافية بطريق أحمد حلمى، مساحة شاسعة خلف سور يمتد إلى مسافة طويلة، بمجرد الدخول من البوابة الرئيسية للمكان، ترى عربات لبعض القطارات تقف وأخرى تتحرك، هنا منطقة «ورش فرز القاهرة»، المسئولة عن صيانة جرارات وعربات القطار. أولى هذه الورش «ورشة صيانة الجرارات المسئولة عن قيادة القطار»، داخل مجموعة من العنابر ذات أسقف من الصاج، توجد عشرات الجرارات المتراصة على القضبان. أحمد بيومى، الشاب الذى يبلغ من العمر 28 عاما، يعمل «فنى ميكانيكى» منذ 7 سنوات بورش الجرارات، يأتى كل يوم من الساعة 8 صباحاً حتى ال3 عصراً، يقول: إن تخصص عمله هو الكشف عن المشاكل التى يمكن أن توجد داخل الجرار ومعرفة أسبابها، ثم يدون ذلك، حتى يتم عرضه على الفنى المتخصص فى إصلاح هذه المشكلة، مضيفاً: «إحنا بنعمل صيانة دورية كل 15 يوم على الجرار، عشان نضمن الحفاظ على حركة المحرك وسلامة القطار طوال الرحلة». يروى «أحمد» المتزوج ولديه طفلان، أنه يتقاضى راتب 1000 جنيه فى الشهر مع الحوافز، وأنه بعد توقف حركة القطار منذ شهر مضى، أصبح لديه معاناة فى الوصول إلى عمله، بعد أن كان يستقل القطار مباشرة، قائلا: «أنا كنت بركب القطر الصبح أوصل الشغل بسرعة وبيوصلنى لحد مكان شغلى، دلوقتى بركب كل يوم مواصلات رايح جاى ب20 جنيه، غير زحمة المرور وبوصل الشغل متأخر». «أحمد» ليس لديه مانع أن يؤمن الجيش البلاد، لكنه يرى أن توقف حركة القطار يسبب أزمة كبيرة للمواطنين، ويؤثر على الناس فى الوصول إلى محل عملهم، قائلا: «أنا عايز أوطى على قضبان القطر وأبوسها لأنى الأيام اللى فاتت عرفت قيمة القطر من اللى بشوفه فى المواصلات». يعود «أحمد» للحديث عن عمله قائلا إنه يعمل فى درجة حرارة عالية، نتيجة لتعامله المباشر مع الجرار عقب عودته من رحلة سفر تستمر ل24 ساعة، ولا يمكن التأخر عن صيانته حتى يعاود استكمال تشغيله مرة أخرى، مضيفاً: «على سبيل المثال لو هناك رحلة من القاهرة إلى الإسكندرية، يكون على طول الخط فى هذه المسافة ورش تجهيز، تعمل على حل المشكلات المفاجئة التى يمكن أن تحدث أثناء تلك الفترة». عبدالعزيز محمد «جراح القلب»، كما يلُقب بين زملائه، نظراً لطبيعة عمله المنخرط داخل الجسم الرئيسى لميكنة الجرار، فهو يعمل ملاحظ جرارات، يبلغ من العمر 45 عاماً، يذهب إلى عمله كل صباح فيقطع طريقاً كل يوم من القناطر الخيرية إلى عمله، يرتدى بذلته الزرقاء، ليبدأ يوماً جديداً مع مداواة آلام جراح «قلب الجرار». يروى «عبدالعزيز» الذى يعمل فى السكة الحديد منذ أكثر من 30 عاما مضت، مدى المعاناة التى يواجهها فى عمله، فهو يتعامل مع الجسم الرئيسى للجرار، يشرح طبيعة عمله قائلاً: «أنا باستلم الجرار زى الدكتور اللى بيستلم المريض بتاعه، يعمل له فحوصات وكشف عام، ويحدد المشكلة والعلاج المناسب ليها، ونعمل بعد ذلك على حل المشكلة حتى لا تزيد ويزيد معها المخاطر المترتبة عليها». «العمل هنا صعب جداً، إحنا بنشتغل فى نار جهنم»، هكذا قال «عبدالعزيز» وهو يتحدث عن الصعوبة الشديدة التى يواجهها أثناء عمله، نتيجة تعامله مع جسم الجرار فى درجة حرارة عالية. «جراح الجرار»، يتحدث عن السكة الحديد وكأنها جزء من عائلته، فهو يعشق المكان، ويشعر فيه بالراحة، ورغم أن راتبه لا يتجاوز 1200 جنيه، ولديه 3 أطفال فى مراحل تعليمية مختلفة، فإنه يتحدث بوفاء عن مهنته وانتمائه وحبه للمكان قائلا: «أنا هنا بحب شغلى، هنا بدايتى ونهايتى، أكل عيشى ورزقى هنا، رغم مرتبى القليل، لكن أحسن من الشغل فى مكان تانى مش بيدوم، السكة الحديد شايلة هنا السليم والمريض والأرامل، شايلة ناس كتير، وقوفها ده خراب لينا أكتر من الناس اللى بيركبوا القطارات». محمد جمعة الشاب الثلاثينى، يرتدى بذلته الممتلئة بالزيت، يداه مسودة اللون من آثار «الشحم»، يعمل «فنى ميكانيكى»، يقول إن تخصص عمله فى «العوارض» وهى عبارة عن «طقم سلندر والعلب الخاصة بالعوادم»، يقوم الفنى بعد تحديد المشكلة بإحضار «العارض»، ليبدأ هو فى حل المشكلة. يروى الشاب المتزوج ولديه 3 أبناء، أن المشكلة التى تواجهه فى عمله، هى عدم توافر قطع الغيار، وكثيراً ما يضطر إلى الانتظار أو الاستعانة بأجزاء أخرى من الجرارات التى أحيلت إلى التقاعد، قائلاً: «الجرارات القديمة أحسن من الجديدة، بقالها 30 سنة شغالة ومش بتشتكى زى الجديدة». يواجه «جمعة» الذى يبلغ راتبه مع الحوافز 1000 جنيه، مشكلات فى الذهاب إلى عمله بعد توقف حركة القطار، فكان يستقل القطار من محل سكنه بشبين القناطر حتى مكان عمله، ولكن عقب توقف القطارات، أصبح يتكلف على عاتقه مصروفات زائدة نتيجة المواصلات. جمال الدين أحمد، الرجل الخمسينى، يرتدى بدلة رمادية اللون، يغطى رأسه بطاقية، ممسكاً فى يديه مجموعة من المفاتيح، فهو يعمل فى السكة الحديد منذ أكثر من 35 عاما، وطبيعة عمله هى «تبريد البواجى»، وهى وحدة فرامل الإطارات بالقطارات. يقول «جمال الدين» إنه يحب عمله فى السكة الحديد، لأنها ساهمت فى تربية أولاده، لذلك هو حزين على توقف حركة القطارات التى تؤثر عليه سلبياً فى عمله، مضيفاً: «أنا حزين على وقوف السكة الحديد، إحنا علمنا ولادنا منها أحسن تعليم ومربيين ولادنا بسببها أحسن تربية، الفضل يرجع لربنا ثم ليها علينا». من جانبه، قال المهندس سامى عفيفى مدير عام ورش الجرارات بمنطقة ورش فرز القاهرة، إن محافظة القاهرة يوجد بها أكبر تجمع لورش صيانة القطارات، حيث تشتمل على ورش صيانة الجرارات، وورش صيانة العربات الإسبانى، وورش صيانة العربات الفرنساوى وعربات النوم وعربات «الباور» المسئولة عن تغذية العربات المكيفة فى القطار، كما أنها المختصة بكافة القطارات العاملة على الطرق الطويلة. ويضيف أن قوة الجرارات داخل الورش تبلغ ما يقرب من 300 جرار، موزعة خلال الفترة الحالية أثناء توقف حركة السكة الحديد على عدة أماكن مختلفة فى عدد من المحطات بالقاهرةوالإسكندرية والأقصر وأسوان، مشيراً إلى أنهم عملوا خلال الأيام الماضية على تجميع الجرارات داخل المناطق حتى لا تتعرض للسرقة. داخل ورش العربات، تتجمع عربات القطارين الإسبانى والفرنساوى، التى تعرض كثير منها للسرقة، نظراً لوجود الورش فى مكان مفتوح، يسهل دخول مجموعات من أماكن مختلفة. ويقول المهندس محمود الجز، مدير إدارة القطار الإسبانى، إن أكثر ما يواجههم من صعوبات هو التأمين على الورش من السرقة، وهى تؤثر على حركة القطارات، فمن يسرق يفك جزءاً كاملاً من القطار، كوحدة التكييف أو كابلات الكهرباء، مع تخريب داخل الماكينة الخاصة بالعربة، حتى أن لدينا ما يقرب من 12 قطارا تم سرقة أجزاء مهمة فيها، وهو ما دفعنا لتقسيم العمال إلى مجموعة ورديات، حتى يكون هناك أكبر قدر ممكن من العمالة فى المكان على مدار 24 ساعة. ويقول حبيش أحمد 37 عاما، يعمل فنى تكييف بالعربات الإسبانى، إنه كان يعمل من 8 صباحاً حتى 3 عصراً، ولكن خلال هذه الفترة تغيرت مواعيد عمله، وأصبح يقضى وقتا أكثر حتى يؤدى مهام عمله بجانب المساعدة فى تأمين الورش نتيجة عمليات السرقة. يشرح «حبيش» أن مهمتهم معالجة أى مشاكل فى وحدات التكييف وسيارات «الباور» والكهرباء، ولا يمكن أن تقوم رحلة بالقطار إلا وهناك تأمين كامل على كل هذا، حتى لا يتعرض المواطن إلى خطر فى حالة حدوث ماس كهربائى على سبيل المثال، مضيفاً بغضب نتيجة توقف السكة الحديد: «أنا زعلان بسبب توقف السكة الحديد، وكمان العربات بتتعرض للسرقة، وأنا راتبى لا يزيد على ألف جنيه، وحالياً بدفع للمواصلات أغلبه حتى أحضر إلى عملى». ويقول إسماعيل أحمد الشاب الثلاثينى الذى يأتى يومياً من محافظة الشرقية، إن طبيعة عمله هى صيانة التكييف من أى أعطال تلحق به، وذلك يتم بصورة دورية على جميع العربات، مشيراً إلى أن أصعب ما يواجهه هو التعامل مع العربات بعد سرقتها، لأن من يسرق أى جزء من العربة يعمل على تخريبها، ومن ثم يكون هناك صعوبة عند إعادة إصلاحها، كما أن ازدياد عمليات السرقة دفعه هو وزملاءه للمبيت داخل الورش حتى يساهموا فى عملية تأمينها. ويروى «إسماعيل»، أنه أصبح يقضى ساعات أكثر فى عمله بعد توقف حركة القطارات، لأنه لا يستطيع العودة إلى محل إقامته يومياً، لأن ذلك يكلفه 25 جنيها مواصلات يومياً، قائلا: «أنا مرتبى 800 جنيه، وبعد وقف القطارات بقيت أدفع 25 جنيه كل يوم مواصلات عشان آجى شغلى، نحن غاضبون من توقف السكة الحديد، ونتمنى أن تعود للعمل من جديد.. إحنا عايزين السكة الحديد ترجع لأننا تعبنا خلاص». أخبار متعلقة : «خفير شاكوش»: المشى على القضبان 10 كيلو مترات يومياً فى «عز الحر» الخسائر: 200 مليون جنيه فى شهر ونصف.. ورئيس الهيئة يحذر من استمرار النزيف ضحايا وقف الحال يتحدثون: «إحنا اللى بندفع التمن» هنا محطة مصر الأرزاق «معطلة» حتى إشعار آخر