كان قدر المصريين فى كل عصر وحين، ألا يختاروا مستقبلهم أو يقرروا مصيرهم، فلما منحهم القدر فرصة أن يختاروا، احتاروا، بين أحزاب مدنية تائهة علاقتها بالناس توقفت عند زمن الاتحاد الاشتراكى، وبين «متأسلمين» باعوا لهم «الوهم» بدراهم معدودة، وكثير من النصب باسم الدين الحنيف، و«تمسكنوا» حتى «تمكنوا» فسعوا فى الأرض فسادا، حتى قال معظم المصريين «متى نصر الله؟»، فخرجت ملايين الشعب وتشرفت بأنى كنت منهم، ليقولوا لحكم المرشد «كفاية»، كما قالوها من قبل لمبارك ونظامه فى 25 يناير. استبشرنا خيرا بنجاح 30 يونيو وما بعدها، فى إسقاط حكم «كان فى ظاهره الرحمة ومن خلفه العذاب والتعذيب واحتكار السلطة، وفوق ذلك الفشل الذريع، والمكابرة وعدم الاعتراف بالخطأ»، وتلقفنا خارطة الطريق كما تحتضن أم رضيعها، لكن الفرحة بالوليد الثورى لم تدم طويلا، مثلما حدث مع شقيقه المولود فى 25 يناير، وبدا مع إعلان تشكيل حكومة الببلاوى أننا أمام تكرار يكاد يكون بالمسطرة لأخطاء سابقة، قلنا لبعضنا «اصبروا شوية ياولاد، لعل الله يجعل لنا من بعد عسر يسرا فى هذه الحكومة»، فتسابق الزمن وتصلح ما أفسده حكم مرسى ومرشده، لكن أكثرنا تشاؤما لم يتوقع أن يكون أداء الحكومة بهذا الشكل الهزيل، فقد بدت كسلحفاة منقرضة دخلت سباقا مع قطار سريع! عموما ما زالت الأمانى ممكنة هذه المرة، إذا خلصت النوايا، واستمع الحكام بجدية إلى كل مقترحات البناء، فمثلا «افرض يعنى مثلا» لو أن رئاسة الحكومة خصصت فريقا، يمكن أن يكون متطوعا من عشاق هذا الوطن، يجمع أفكار الناس من صفحات الصحف وشاشات الفضائيات، ويعيد تصنيفها وتنقيحها، وتقديمها لصناع القرار، لكان لديهم كنز لا ينضب، كفيل بإصلاح حال البلاد فى زمن قياسى. مقترح آخر لو تم تنفيذه لشعر كل سكان مصر بتحسن سريع فى حياتهم، ويقضى بإلزام جميع المحافظين بترك مكاتبهم فى دواوين المحافظات، على أن يجهز لكل محافظ مكتب ميدانى فى كل مركز تابع له، ليتابع عن قرب حالة الطرق والمرور والخدمات الجماهيرية، وذلك بالتناوب على مدار الشهر، ولن يتحجج أحد بالدواعى الأمنية والحرب على الإرهاب، فالجماهير ستحمى محافظيهم فى هذه الحالة بأجسادهم قبل رجال الأمن. مقترح آخر يتعلق بقنبلة الدستور الموقوتة، التى كادت لجنة العشرة تفجرها فى وجوه غالبية المصريين، قبل أن تفجرها فى وجه «الفئة الضالة»، ويقضى المقترح بالأخذ بمقترحات النقابات المهنية والعمالية، وترك المسائل الخلافية، مثل نظام الانتخابات البرلمانية، مفتوحة لتنظمها قوانين يقرها البرلمان المقبل أو يغيرها البرلمان الذى يليه. فإنما هلك الإخوان ودستورهم من قبلهم، عندما «عاندوا وعموا وصموا»، عن الأخذ بمقترحات مخالفيهم فى الجمعية التأسيسية لدستور 2012، الذى لم يكن يعيبه سوى هذا الصلف، الذى انعكس فى صورة مواد متنطعة مثل 219، ليقولوا للناس إنهم أكثر حرصا على شرع الله، وأيضاً صياغته الركيكة، حتى إننى وصفته بأنه «معداش على ديسك»، والديسك لمن لا يعرف هم مجموعة صحفيين مهرة، يتهمهم البعض ب«تحويل الفسيخ إلى شربات»، وصياغة المواد الصحفية فى صورة بهية، فما رأى السادة الحكام.. لسه أمانينا ممكنة؟ «والا نقول خلاويص»؟