بعيداً عن السؤال حول رغبة السيسى فى الترشح أو عدم الترشح لانتخابات الرئاسة، يبقى السؤال الأخطر المتعلق بالظروف والمعطيات المحيطة بالمشهد السياسى فى مصر الآن وهل تمنح «السيسى» فرصاً جيدة فى هذا الاتجاه؟ لو أننا حاولنا استقراء مواقف الأطراف المختلفة التى تتفاعل داخل هذا المشهد فسنجد أن الإخوان ومجموعة كبيرة من أبناء التيار الإسلامى يرفضون طرح اسم «السيسى» كمرشح رئاسى من الأصل، ويجدون فى هذه الخطوة دليلاً يمكن التمحك به لوصف ما حدث فى 3 يوليو بالانقلاب العسكرى. تعال بعد ذلك إلى فلول نظام «المخلوع» -ممن ظهروا فى الصورة بعد 30 يونيو- لتجد أنهم منقسمون إزاء مسألة ترشح «السيسى» للرئاسة، فقطاع منهم يدعم ذلك، وهناك قطاع آخر لديه اختيارات أخرى يراهن عليها، ويستعد لدعمها فى الانتخابات الرئاسية القادمة. الأمر الأكثر وضوحاً فى هذا الاتجاه أن هناك قطاعاً -لا بأس به- من المصريين يرى فى «السيسى» الرجل الأنسب للمرحلة، وهو ما شجّع أصحاب حملة «كمّل جميلك» على البدء فى جمع توقيعات من المواطنين تدعو «الفريق» للترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، ويخطط أصحاب الحملة لجمع 30 مليون توقيع. ويبدو أن حملة «تمرد» قد أثارت خيالهم، عندما أفلحت فى جمع أكثر من 20 مليون توقيع، كما أكد القائمون عليها، أدت فى النهاية إلى عزل «محمد مرسى». وكل ما أخشاه أن يشطح الخيال برؤوس أصحاب حملة «كمّل جميلك» فيتصورا أن جمع 30 مليون توقيع كفيلة بتتويج «السيسى» رئيساً لمصر، فيما يشبه «البيعة» كنوع من التفكير خارج «الصندوق»! ومن يتوقف قليلاً أمام المتحمسين لترشح «السيسى» للرئاسة يجد أن عليه أن يسأل: هل يبحث هؤلاء عن شخص أم عن حل أم عن شخص يمتلك حلاً؟ الأرجح أن المتحمسين ل«السيسى» منحازون إلى شخص يملك من وجهة نظرهم حلاً سحرياً لمشاكل الفقر والقهر وإهدار الكرامة التى عاشوا فى ظلها سنين. فأغلب هؤلاء يعتبرون الفريق «السيسى» نموذجاً لزعامة جمال عبدالناصر، لكن يبقى أن عبدالناصر كان يمتلك رؤية وخطة وبرنامجاً واضحاً للتغيير وإصلاح أحوال الطبقات الدنيا من المصريين، وحتى الآن يتوقف أصحاب حملة «كمّل جميلك» عند عتبة تقديم الشخص، لكنهم لم يشرحوا لأحد البرنامج الذى يحمله هذا الشخص للتغيير والإصلاح! والواقع يشهد أن هذا الشعب الذى اشتهر سنين طويلة بالصبر أصبح خلقه شديد الضيق، ونفَسه شديد القصر، وهو فى الأول والآخر يريد حلاً، إنه قد يرحب اليوم بشخص ويحمل صوره ويهتف بحياته، لكن إذا مر الوقت دون أن ينقل لهم هذا الشخص إحساساً بأن الأمور من حولهم تتغير، وأن ثمة أملاً يومض فى الأفق، فمن الممكن أن ينقلب عليه فى لحظة. أمران أساسيان يجب أن يستوعبهما الجميع بعد ثورة 25 يناير: أولهما أن لهذا الشعب مطالب محددة فى الإصلاح، وثانيهما أن المصريين على استعداد لتغيير أى رئيس لا يثقون فى جديته فى تحقيق هذه المطالب.