الاسم: أحمد موسى، السن: 29 عاما، المهنة: لفيف.. هكذا سيعرف لك أحمد نفسه. هو عضو بفرقة المولوية المصرية، تقتضى منه مهنته أن يدور لساعات طويلة كل يوم، وأن يرتدى ملابس يستغربها الرائى لأول مرة، ليست كالتنورة متعددة الألوان التى نعرفها جميعا ونراها فى حفلات التنورة التراثية، إنها ملابس المولوية. حين قُتل الشاعر ذو الأصل الفارسى شمس تبريز عام 1248، أصاب جلال الدين الرومى حزن شديد على فقدان معلمه وملهمه وصاحبه المقرب ومرشده الروحى، كان الحزن أكبر من أن تجبره الأيام، وشعوره بالفقدان والحنين والألم يزداد، فلجأ إلى ما يُعرف اليوم بالطريقة المولوية؛ إذ خرج إلى باحة بيته وظل يدور آملا أن يتحد مع الأجرام السماوية وأفلاك الكون فى دورانها ضد عقارب الساعة، ساعات وساعات حتى ينهك التعب جسده فتسمو روحه أكثر وأكثر ويشعر بأنه صار أكثر اقترابا من هذا العالم الملائكى حيث لا اشتياق ولا ألم. لا يعرف أحمد تلك القصة ولا الهدف من وراء الدوران، مجرد معلومات متناثرة، كلمة من هنا وأخرى من هناك، لا يمكنه أن يجيب سائله بوضوح عن فلسفة الدوران، لكنه يعطى مشاهديه الشعور كاملا، ويدخلهم فى جو صوفى بديع عبر دورانه وتناسق حركته مع الموسيقى، الكل يشعر أنهم من يدورون وليس هو. «أنت كعبة الأرواح.. فلأقُم بالطواف حولك، فأنا كالفلك، عملى ليل نهار هو الطواف.. ولا ترتعد فى جواد الجسد وترحل سريعا فالله يهب جناحا لمن لا يمتطى الجسد، هيا طر أيها الطائر نحو معدنك.. فقد نجوت من القفص وصار لك جناح وقوالب».. تلخص هذه الأبيات ببساطة فلسفة الدوران، الرغبة فى الاتحاد مع الكون المتحرك الذى يدور حول نفسه باستمرار، أحمد يشعر بذلك، لكنه لا يعرفه، يقول: حين أدور أشعر بشعور مختلف، تختفى عنى كل متاعبى لا أفكر بشىء، ولا أدرك كم فات من الوقت إلا حين ينبهنى الموسيقيون بنهاية الإنشاد الذى ينتهى دوما بالكوبليه القائل: «إن وصلت هناك وبلغت مناك، ووضعت يديك على الشباك بلغ سلامى إلى محمد، إن وصلت المقام وبلغت المرام ووقفت أمام خير الأنام بلغ سلامى إلى محمد»، عندها أتوقف عن الدوران ببطء وأنهى الفقرة وسط تصفيق الجمهور. مرت قرون ولم يزل المولوية يدورون فى تركيا على أنغام كلمات جلال الدين الرومى، وأصبحت فرق المولوية من المعالم الرئيسية للمدينة، أما فى مصر فقد ظهرت منذ سنوات أيضا فرقة المولوية يقودها الفنان عامر التونى تقيم حفلاتها على فترات متباعدة، تنقل لمشاهديها نفس الإحساس الذى أراد جلال الدين الرومى أن يصل له حين هم بالدوران. ملابس اللفيف فى فرقة المولوية ترمز للهدف الذى جاء لأجله الدوران، يتكون من طربوش طويل بنى اللون فى إشارة إلى شاهد القبر، للتذكير بالموت والفناء والمصير الحتمى لكل البشر، وعباءة سوداء ترمز إلى ذنوب الدنيا وآلامها، تحت العباءة يكون الجلباب الأبيض الصافى فى إشارة إلى الروح، وحين يبدأ الدوران، يعمد الراقص إلى خلع العباءة فى إشارة إلى التحرر من الدنيا وذنوبها، ثم يبدأ فى الدوران رافعا يده اليمنى لأعلى فى إشارة إلى الاتصال بالسماء ويده اليسرى إلى أسفل فى إشارة إلى الاتصال مع الأرض، ويبدأ الدوران عكس عقارب الساعة متحدا مع حركة الكون والأجرام السماوية فتسكن النفس وتسمو الروح عبر إنهاك الجسد. حين سمع أحمد بعض الموجودين يتحدثون عن تلك المعلومات عقب أحد حفلاته أمّن عليها ولم يستغربها، رغم أنه لم يكن يعرفها، وهو يمارس عمله فى الدوران منذ سنوات طويلة، لكنه فسر عدم استغرابه بقوله: أشعر بكل هذا، لكننا لا نرتدى العباءة السوداء، نكتفى بالطربوش البنى الطويل، والجلباب الأبيض الواسع، وتلك هى المرة الأولى التى أعرف فيها بأمر الدلالات، لكن من يهتم بالدلالة إن كان الشعور بها قائما دون معرفة؟ ليس شرطا أن أكون على علم بمعنى ما أفعل كى أنقل الشعور إلى المشاهدين، يكفى الإخلاص والإحساس بما أفعل. أحمد يعمل فى بعض الفنادق ويقدم فقرات فى الأفراح، يسافر إلى قرى سياحية ويعمل كلفيف يرتدى التنورة متعددة الألوان ويدور، لكنه يقول إن أحب الدوران إلى قلبه الدوران فى حفلات المولوية فى الملابس ذات اللون الأبيض، ورغم أنها تقدم مرة أو اثنتين على مدار السنة فإنه كجمهورها ينتظرها ويشتاق إليها.