تأكيدا لنجاح حالة التواصل التي حدثت بين الجمهور وفرقة التنورة التراثية بوكالة الغوري في عرضها السابق في احتفال عام 2007م بذكري مرور800 سنة لمولد مولانا جلال الدين الرومي في مدينة كونيا بتركيا، وهي محل مرقده و مهد المولوية بالعالم، وبعد أن اقر مركز المولوية العالمي أن العرض المصري اخرج الفكرة المولوية من الخاصة إلي العامة، حيث استطاع أن يتفهمها الجمهور ويتواصل معها بعد أن كانت تختص فقط بالدراويش، قد وجهت الدعوة ثانية للفرقة لتقديم عرضين بكونيا وذلك خلال شهر مايو2011م، وقد عبرت الفرقة في عروضها عن الروح المصرية لرقصة التنورة ذات الأصل التركي، وقد لاقت نجاحا وإقبالا كبيرا جدا برغم التحدي في قبول الأتراك للإبداع الفني المصري واحتمالية رفضهم لمن يتمرد علي تراثهم، وذلك عند مقارنة رقصة التنورة المصرية برقص الدراويش الأتراك، إلا أن الإقبال الكبير جدا علي مشاهدة العروض كان شيئا مؤكدا لنجاحها الفني والجماهيري، وقد يتعلم الإنسان الكثير من فكرة هذا النوع من الرقص ذي المعني والرمز والتعبير، فمنذ بدايته حتي الآن ومع مروره علي الكثير من الظروف ومختلف المجتمعات إلا انه ظل فنا مطلوبا ومحبوبا. فعندما يعجز الإنسان عن الكلام وتستوجب المواقف الصمت، عندما يعجز اللسان عن التعبير وتتحول الصرخات إلي أنين، يقف الإنسان حائرا بين إرادته وإمكانياته فيلجأ هاربا إلي حركات مشتتة أو ضائعة لكنها تلملمه في وقت تخونه فيه قوته ونفوذه. فعندما غضب البعض وتعرضوا للقهر والاضطهاد والغربة صمتت أفواههم وصرخت عقولهم فتحركت أجسادهم ودوت أناتهم واخرجوا فنا، وآخرون قد لمسهم الحب الإلهي فامتلأوا بالحب له وللآخرين حينها تفتح إدراكهم للروحيات والرمزية فتحركوا ولفوا ليثبتوا علي إحساسهم بكل ما هو بديع واخرجوا فنا. الرقص الصوفي يعبر عن الروح والجسد عن نشأة الرقص الصوفي يذكر الأستاذ محمود عيسي مدير فرقة التنورة بوكالة الغوري أنها ترجع لقيام أتباع جلال الدين الرومي "أديب وفقيه إسلامي صوفي" بعد وفاته بتأسيس الطريقة المولوية والتي اشتهرت بدراويشها ورقصتهم الروحية الدائرية، فقد آمن الرومي بأن في الموسيقي والشعر والرقص سبيلاً أكيداً للوصول إلي الله. فبالنسبة له أن الموسيقي الروحية تساعد الإنسان علي التركيز علي الله بقوة لدرجة أنه يفني ثم يعود إلي الواقع بشكل مختلف، لذا فقد شجع الرومي علي الإصغاء للموسيقي فيما سماه (سمع) فيما يقوم الشخص بالدوران حول نفسه، فعند المولويين التنصت للموسيقي هو رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلي الكمال، والرحلة تبدأ بالدوران حيث تملأ المحبة قلب الإنسان وتتضاءل أنانيته فيسعي في طريق الوصول إلي الكمال، وحين يعود الإنسان إلي الواقع يعود بنضوج ممتلئ من المحبة ليكون خادما لغيره من البشر دون تمييز أو مصلحة ذاتية، وعندما يدور راقص التنورة (اللفيف) حول نفسه فكأنه الشمس يلتف حوله الراقصون (الحناتية) وكأنهم الكواكب، ومن خلال الدورات المتعاقبة يرمزون إلي تعاقب الفصول الأربعة فهم يلفون عكس عقارب الساعة تماما مثل الطواف حول الكعبة. في الرقص روحية وتفريغ نفسي يقول أحمد علوان راقص تنورة (اللفيف) بالفرقة انه قبل بدأ العرض يسعي لكي يكون مهيأ نفسيا للعرض، وان يصفي ذهنه لكي يضع كل تركيزه في عرضه، وانه أثناء العرض يستمد إحساسه من المنشد والراقصين الحناتية من حوله، وان شعوره يتحرك تصاعديا حتي يتملئ إحساسه روحيا وبالتالي يتواصل مع الجمهور، ويذكر أن العرض كثيرا ما يساعده علي تخفيف الضغوط النفسية التي يشعر بها داخله قبل أن يبدأ، حيث يشعر بأنه تخفف جسديا من هذه الضغوط وانه مهيأ نفسيا للتفكير بهدوء ومراجعة النفس، كذلك يجد أن الحالة الروحية التي يعيشها في العرض تساعده علي التعبير عما بداخله من طاقة روحانية في ظل الرموز التي يؤديها في الرقصة، مثل ما يقوم به كراقص للتنورة حين يرفع يده اليمني إلي أعلي ويده اليسري إلي أسفل فهو يعقد الصلة ما بين الأرض والسماء وهو بدورانه حول نفسه كأنما يتخفف من كل شيء بقصد الصعود إلي السماء وعندما يفك الرباط الذي حول جذعه وينزله للأرض فهو يرمز لرباط الحياة. ويستكمل الأستاذ جمال هلال مصمم التنورة وراقص حناتي بالفرقة بأنه أثناء رقصه يندمج مع كلام الإنشاد الذي يساعده علي الشعور بكونه في عزلة عن الناس، وانه في حالة تركيز علي شخص الله وحده سبحانه وتعالي تجعله مهيأ لمراجعة النفس، ويساعده ما يقوم به من تعبيرات حركية كراقص حناتي مثل الإشارة والنظر إلي السماء ليعقد القران بينها وبين الأرض وليشير إلي التركيز علي الله عز وجل وحده. فن الفلامنكو تعبير عن المظاليم يذكر الفنان مازن المنصور عازف الجيتار في معهد الفلامنكو النرويجي في أوسلو في أحد حواراته الصحفية، بأنه ولد فن الفلامنكو كتعبير للمضطهدين والمسحوقين في جنوباسبانيا المعروفة بالأندلس، بسبب ملك اسبانيا "فرديناند الثاني" وزوجته الملكة "إيزابيلا" عام 1492م الذي اصدر مرسوما ينص بأنه سيتم إعدام كل شخص يعيش في مملكته يدين بديانة غير المسيحية الكاثوليكية وبالتالي فكان علي المسلمين واليهود والغجر والمسيحيين غير الكاثوليك التحول للدين الكاثوليكي، لذا فقد هرب الكثير من الفئات المضطهدة واجتمع كل هؤلاء في تخوف مدركين أن الهجوم آت آجلا أم عاجلاً، وفي ظل تلك الأجواء المعتمة اجتمعت تلك المجموعات العرقية المختلفة لمساعدة بعضهم بعضا في التعبير عن مآسيهم وحنينهم إلي مستقبل أفضل، وهكذا ولد فن الفلامنكو معتمدا علي الإمكانيات البسيطة. ومن الناحية التقنية فإن الفلامنكو فن ثلاثي الأركان يتضمن: الغناء، الرقص والجيتار بالإضافة إلي أن التصفيق بالفلامنكو هو فن بحد ذاته، ويكون الغناء هو مركز مجموعة الفلامنكو، حيث إن الراقص يترجم كلمات وعاطفة المغني جسديا، لذا فكانت الأغنية تتميز بالحزن والكآبة والكلمات تعبر عن رفض الظلم ومقاومته واعتمادهم علي الارتجال، والأداء يشمل الصراخ وأحيانا يشبه العويل، ليعبر راقص أو راقصة الفلامنكو عن القوة والكبرياء ورفض الظلم. و الآن أصبح هناك العشرات من الأنماط الموسيقية المختلفة في الفلامنكو والتي تحمل أسماءً متعددة، فقد تصاعد تدريجيا هوس موسيقي الفلامنكو وانتشر في جميع أنحاء العالم حتي بعد انتهاء الديكتاتورية الثقافية. الفائدة النفسية للرقص الانفعالي تذكر الدكتورة منال شحاتة أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أن الراقص حين يؤدي حركات جسدية راقصة مصاحبة للموسيقي هذا يعتبر نوعا من أنواع التفريغ النفسي، ذلك لان الرقص يساعد علي تخفيف التوترات والضغوط النفسية لان الطاقة التي يبذلها الجسم في الرقص تساعد علي تخفيف حدة هذه الضغوط ، وحيث إن كل إنسان يكون له نوع من أنواع النشاطات التي تتفق مع شخصيته لتحقق له الراحة حتي وان كان في اللاوعي. يقول الدكتور هشام ناجي (اخصائي علاج طبيعي) أن هناك عاملين مؤثرين في أداء الرقص الانفعالي، وهما التأثير النفسي والتأثير الجسدي، فمن جهة التأثير النفسي يكون الإيحاء له تأثير أقوي من تأثير الفعل، اي الاقتناع النفسي لدي الراقص بمدي فائدة التأثير الايجابي عليه الذي ينتج عن أدائه للحركات وإيحائها المعنوي وهذا العامل النفسي هو الذي يوجه الفعل، أما من جهة التأثير الجسدي فيكون في أداء الحركات مع الاستماع للموسيقي عامل قوي يساعد علي تفريغ طاقة مكبوتة داخل المؤدي. ومن الجدير بالذكر هنا ما أكدته الأستاذة ريتا عطا وهي مساعدة اجتماعية بمركز الخدمات الاجتماعية في بيروت عن أحد انواع الرقص الانفعالي وهو "الرقص التعبيري" (الكريوغرافيا) وهو أحد الفنون التي يستطيع الإنسان من خلالها التواصل مع أخيه الإنسان من خلال لغة الحركة والجسد والإضاءة، وقد أكدت في أحد حواراتها التليفزيونية حول مشروع "الرقص التعبيري في خدمة الأطفال والفتيات ذوي الظروف الحياتية الصعبة" ، بأنه يوفر الراحة النفسية للفتيات وتضيف أن تجربة الرقص العلاجي أثبتت نجاحها في تطور سلوك الفتيات الجسدي والنفسي والذهني، وطالبت بضمان استمرارها وتوسعها لتكون ضمن الجهود العامة للتحولات الاجتماعية التي يحتاج إليها المجتمع، وقد تم تنفيذ هذا المشروع في معهد بيروت للرقص ليحكي المشتركون به عن معاناتهم وأفكارهم ويومياتهم المختلفة، والذي أطلق بدعم من منظمة اليونسكو عام 2010م.