التنورة فن يضرب بجذوره في عمق تاريخ الدولة الإسلامية منذ أن ابتكره الفيلسوف الصوفي جلال الدين الرومي «من جماعة المولوية بتركيا» ليصل من خلاله إلي حالة الانفصال الصوفي المنشود. ورغم أن رقصة التنورة تعد من الفنون التراثية اقتربت من الانقراض في ظل وجود مؤسسة تحتويها فلا نقابة او رابطة خاصة بأبنائها والعاملين فيها رغم كثرة عملهم وانتشار تواجدهم علي مستوي الجمهورية. «صوت الأمة» التقت حسين منصور اشهر لاعبي التنورة في مصر وتجول بها عارضا فنونها في أكثر من دولة عربية وأوروبية في حوار سألته في بدايته: ما الشكل الذي بدأت عليه رقصة «التنورة»؟ - لم تبدأ «التنورة» كلعبة وإنما كطريقة وأسلوب في عبادة الله سبحانه وتعالي وعلي يد جماعة «المولوية» التي كان يتزعمها جلال الدين الرومي وهو فيلسوف وعالم ديني مميز بأنقرة في تركيا وكان همه الأول وشاغل تفكيره الأساسي مسألة «التأمل في الذات الالهية» شأنه شأن جميع علماء التصوف ومن هنا ابتكرت الحركات الأولية للتنورة في دوران الجسد حول نفسه حتي يصل إلي حالة «الغيبوبة» التي اعتبروها لحظة «الانفصال» المنشودة.. وفي الوقت الذي كانت الطرق الصوفية عندنا في مصر تعبر عن نفس هذه الحالة بحلقات الذكر المعروفة حتي اليوم بأن يأرجحون وجوههم يمينا ويسارا كانت جماعة المولوية بتركيا ابتكرت رقصة «السما» بأن يلف المتعبد بها بكامل جسده حول نفسه دورات كاملة رافعا يده اليمني إلي أعلي في إشارة إلي ارتباطه بالسماء ويده اليسري في اشارة لارتباطه بالأرض وهو بروحه في المنتصف بين السماء والأرض وبالطبع يذكر الله بكافة ألفاظ الجلالة أثناء هذه الحركات.. ومع حركة ترحال القوافل التجارية والسياسية في زمن المماليك انتقلت طريقة المولوية في التعبد من تركيا إلي سوريا ومن الأخيرة إلي مصر حيث تم استقبالها علي المستوي الشعبي البسيط واستغلها الفقير في إحياء جميع احتفالاته كحفلات السبوع أو الطهور أو الزفاف أو حتي علي مستوي احتفالاته الدينية كإحياء ليالي رمضان وذلك لأن احتفالات الرقص والسمر التي كان يغلب عليها الخمر وجو اللهو كانت مقتصرة في ذلك الوقت علي طبقة الأغنياء فقط في حين كان يغلب علي احتفالات الفقراء الجو الروحاني والمناخ الديني فكانوا يدعون أحد أعضاء جماعة المولوية سواء أكان مصريا أو أجنبيا لاحياء الاحتفالات بهذه الطريقة المبتكرة في التعبد وذكر الذات الالهية. ومع مرور الوقت استقلبت الطرق الصوفية المصرية هذا الأسلوب وحاولت هضمه واستيعابه كل طريقة بأسلوبها فكان كل مؤد أو متعبد بهذه الطريقة يرفع علم أو شعار الطريقة الصوفية التابع لها والتي كان لكل منها لون مستقل أثناء تأديته لها. وبالتدريج هبطت التنورة من أسلوب وطريقة خاصة في التعبد والذكر إلي رقصات وفن يستهدف أكل العيش والإرتزاق فكان تتم دعوة الراقص علي أساس لون تنورته الذي يعكس انتماءه الديني للطريقة الصوفية المعنية بمعني أن كل مضيف أو صاحب دعوة كان يدعو اللاعب الذي يمثل طريقته الصوفية حتي راقصي التنورة إلي مزج أكثر من لون في تنورته من باب الترويج وإتساع رقعة داعيه ومضيفيه في حفلاتهم لكي لايتخصص لطائفة أو أبناء طريقة واحدة فهو يستهدف الارتزاق من لعبته التي أصبحت مهنة. في العصر الحديث الذي تحتاجه التنورة كفن؟ - تحتاج إلي نقابة تعترف بها كفن من الفنون الجميلة وتضم ابناءها والعاملين بها وهم كثيرون بالمناسبة فلو أحصينا الموجودين بالقاهرة وبالجيزة فقط سنجد أن عددهم يفوق ال400 لاعب وفي الاسكندرية يوجد أكثر من 500 لاعب فبرغم عدم وجود احصائية نهائية أو رسمية بهم فإنني أقول لك وأنا مسئول عن كلامي هذا أن عدد راقصي التنورة يفوق الخمسة آلاف علي مستوي الجمهورية ولاتوجد لهم نقابة مستقلة أو رابطة تجمعهم فمنهم المنتمون لوزارة الثقافة ضمن الفرق القومية وفرقة رضا وعددهم قليل جدا، أما الغالبية العظمي فيحصلون علي تصريح مزاولة الرقصة من نقابة المهن التمثيلية. كيف يتم تعيينكم أو انتسابكم لوزارة الثقافة؟ - عن نفسي لم أعين بالوزارة حتي اليوم أما عن طريقة تعيين راقصي التنورة بوزارة الثقافة فيتم اضافتهم أو انتسابهم إلي وكالة الغوري أو إلي مسرح البالون أو ضمن الفرق القومية والبيت الفني للمسرح ويكون ذلك عن طريق مسابقات فنية حينما تعلن الوزارة عن حاجتها لتعيين عدد منهم وباختبارات وشروط معينة مثل السن والشكل العام وغيرها ولكن في حال تعيينه يصبح الفنان موظفا بالوزارة ولايحق له أن يتركها أو يعمل بأي مكان آخر غير تابع لها وبالطبع كل ذلك مقابل راتب زهيد جدا لايتعدي ال400 أو 500 جنيه شهريا.