جلسوا وسطاء بين الرئيس والرعية، بضعة أسطر يدونونها، تكون سببا فى رفع الحمل عن غير المتعلمين من أصحاب الشكاوى أمام الباب العالى، كرسى خشبى ومنضدة صغيرة وأوراق بيضاء وقلم جاف، هى عدتهم، «العرضحالجى» لم يعد وجوده مقترنا بالمحكمة، بل صارت حديقة قصر عابدين مكانا يعين الناس فيه على تقديم مظالمهم، ويحصلون فى المقابل على بضعة جنيهات تسند نواة حياتهم. «طريف عبدالحميد طريف» الرجل الجالس تحت ظل شجرة على رصيف ديوان مظالم قصر عابدين يضع شنطته الجلدية على قدميه ويستخدمها كمنضدة يضع عليها «عدة الشغل» قلم بلون أسود وآخر بلون أزرق ومجموعة من الاستمارات وطلبات الشكاوى: «أنا مش كاتب لكن أنا قررت أساعد الناس»، اسمه لا ينعكس على تعاملاته فنظراته الشديدة وتعامله الخشن مع أصحاب المظالم لا يشير إلى كونه «طريفا». صدفة هى التى قادت الرجل الخمسينى إلى هذا المكان، فلم يأت إلى الديوان لتقديم مظلمة أو شكوى ولكن قراره زيارة أقاربه فى الحى الموجود به القصر كان إيذانا باستلام عمله الجديد، «والله يا أستاذ تعرف تكتب لنا شكوى» سؤال يتكرر كل دقيقتين على مسامعه، يبدأ معها صياغة الشكوى لامرأة مكلومة فقدت عائلها، أو شاب معاق يريد العمل دون العطف عليه، أو أب عاطل يلهث وراء لقمة تسد أفواه أبنائه، أو فتاة تبحث عن سكن يؤويها، ولهذا فقد قرر أن يتخذها وظيفة، يساعد الناس ويجد ما يعينه على غلاء العيش. «أنا قوات مسلحة على المعاش» ربما تقاعده عن العمل فى سن مبكرة، هو الذى جعله يجد فى هذا العمل مجالا لقضاء وقت الفراغ، وربما حاجته المادية هى التى دفعته لهذا لا أحد يستطيع الإجابة إلا عم طريف يعرف الإجابة ويرفض أن يمنحها. الحديقة المواجهة للقصر سارت أشبه بحى سكنى صغير، فعلى الرصيف نفسه تجاوره «مدام ثريا» السيدة المنتقبة، جمعهما ظل شجرة واحدة وعمل واحد، فهى موظفة بدرجة كاتب عمومى، وجدت فى رصيف الديوان والخمسة جنيهات فى كل طلب ما يكفيها «المحاكم دلوقتى فاضية مافيهاش شغل جيت استرزق هنا» قالتها أثناء انهماكها فى كتابة طلب لأحد القادمين من صعيد مصر. أخبار متعلقة جوه ديوان المظالم بيحكى محكوم لحاكم.. عن الليالي الكحيلة موظفو «ديوان القبة»: من نعيم زكريا عزمى إلى مظالم «ديوان مرسى» ديوان قصر عابدين: فتحه المخلوع لتلقى الشكاوى.. لكنه لم يعمل إلا فى عهد مرسى من سوهاج والمنيا والبحيرة والإسكندرية إلى ديوان المظالم بحثا عن «العدل والحل» عسكرى الدورية أمام باب الديوان: «اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته» نائبون عن أبنائهم وأشقائهم جاءوا ليشكوا «الخط الساخن» لأنه أصبح «باردا» «هبة» أصغر بائعة لاستمارات التظلم أمام الديوان: «نفسى فى عروسة بتتكلم» عبد العزيز وزوجته.. مطلب واحد وجهتان للشكوى يوم كامل قضته «الوطن» على رصيف «الشكوى لغير الله مذلة» «تهانى» رضيت أن يكون راتبها 40 جنيها.. فاستكثرت الحكومة الرقم وقررت إيقافه جاء يقدم شكواه وجلس ينتظر الرد.. وبالمرة يسترزق خالد حمل صورة ابنته ضحية الإهمال الطبى واشترط: محاكمة الأطباء وضم ابنتى للشهداء خاف على ابنيه من «البطالة» التى عانى منها 16 سنة.. فأخرجهما من المدارس وعلمهما صنعة «عاليا» رحلة 30 سنة من البحث عن مأوى.. وحياة