تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات اليوم الخميس    أسعار الخضروات اليوم الخميس 21 أغسطس في سوق العبور    أسعار الفاكهة اليوم الخميس 21 أغسطس    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ أسوان مشروعات الخطة الاستثمارية ومبادرة "حياة كريمة"    مدبولي لوزير ياباني: مصر لديها رغبة في توطين تكنولوجيا تحلية المياه    الرئيس السيسي يتوجه إلى السعودية تلبية لدعوة الأمير محمد بن سلمان    أوكرانيا: نعمل على وضع مفهوم أمني لما بعد الحرب مع روسيا    التشكيل المتوقع للزمالك أمام مودرن سبورت بالدوري    أمطار خفيفة.. «الأرصاد» تكشف حالة طقس الجمعة |إنفوجراف    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى رأس الحكمة ويوجه بتشكيل فرق عمل لرفع الكفاءة وتذليل المعوقات    اشتباه إصابة محمود نبيل بتمزق في العضلة الخلفية.. وبسام وليد يواصل التأهيل لعلاج التهاب أوتار الساق اليمنى    في المباراة رقم 247 له.. علي ماهر يصل ل 100 انتصار في الدوري المصري    تحرك الدفعة ال 20 من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى معبر كرم أبو سالم    «اقتصادية القناة»: جهود متواصلة لتطوير 6 موانئ على البحرين الأحمر والمتوسط    بعد تصدره التريند.. طريقة عمل العيش البلدي المصري    وداعا القاضى الأمريكى الرحيم فرانك كابريو فى كاريكاتير اليوم السابع    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    فصل رأس عن جسده.. تنفيذ حكم الإعدام بحق "سفاح الإسماعيلية" في قضية قتل صديقه    محافظ المنيا يشهد احتفالية ختام الأنشطة الصيفية ويفتتح ملعبين    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    حين يصل المثقف إلى السلطة    رجل الدولة ورجل السياسة    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    كشف المجتمع    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    نجم الزمالك السابق يكشف رؤيته لمباراة الفريق الأبيض أمام مودرن سبورت    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى قبل بداية تعاملات الخميس 21 أغسطس 2025    Avatr تطلق سياراتها ببطاريات جديدة وقدرات محسّنة للقيادة الذاتية    حلوى المولد.. طريقة عمل الفسدقية أحلى من الجاهزة    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    لبنان: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة "الحوش" إلى 7 جرحى    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    نيويورك تايمز: هجوم غزة يستهدف منع حماس من إعادة تنظيم صفوفها    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    علاء عز: معارض «أهلا مدارس» الأقوى هذا العام بمشاركة 2500 عارض وخصومات حتى %50    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    الأهلي يتعامل بحذر مع إمام عاشور «كنز مصر»    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبعاد المخطط الإخوانى لفصل الصعيد عن مصر
نشر في الوطن يوم 27 - 08 - 2013

بدأ الإخوان فى محافظات الصعيد اعتباراً من 20 أغسطس 2013 فى توزيع بيان بعنوان «بيان رقم 1 لحملة انفصال الصعيد.. الإقليم الجنوبى (جمهورية مصر العليا)»، وأُرفق به استطلاع رأى تمت صياغته على نمط استمارة «تمرد»، وقد تضمن البيان الموقع بإمضاء «شباب الصعيد الحر» النقاط التالية:
1- أن إقليم الصعيد -وأبناءه- قد تعرض لظلم فاحش على أيدى الحكام والحكومات عبر مئات السنين، واتخذت مظاهره صوراً متعددة (معاملة أبناء الصعيد باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية - عدم تمثيلهم فى مجلس الوزراء - تعرضهم لحوادث متكررة مثل احتراق القطارات وغرق العبارات - عدم وجود أى مقر للوزارات بالإقليم - تدنى مستوى الخدمات والبنية التحتية - انعدام فرص العمل وهبوط مستوى المعيشة - هجرة 75% من أبنائه سواء للداخل أو للخارج).
2- واستعرض البيان امتلاك الصعيد لمقومات الدولة العصرية الغنية (60% من مساحة مصر - 50% من سكانها - خصوبة تربة أراضيها وقابليتها للاستصلاح - انتشار زراعة القصب وصناعة السكر - صناعات الألومنيوم - السد العالى يكفى لتغطية كافة احتياجات الإقليم من الكهرباء - امتلاك ثلث آثار العالم - نهر النيل).
3- اتهم البيان الدولة بعدم تطبيق القانون فى قضايا الثأر حتى تشغل أبناء الصعيد فى صراعات تشغلهم عن المطالبة بحقوقهم الضائعة.
4- حث أبناء الصعيد على الانضمام للدعوة التى سيتم تقديمها للأمم المتحدة لعمل استفتاء لانفصال الإقليم الجنوبى (الصعيد) عن مصر تحت اسم «جمهورية مصر العليا» وفقاً لحدودها من أطراف محافظة الجيزة الجنوبية إلى محافظة أسوان، بالإضافة إلى محافظتى البحر الأحمر والوادى الجديد.
■ ■
ويلفت النظر فى هذا البيان ثلاث ملاحظات رئيسية:
الأولى:
أن الإخوان قد أطلقوا اسم «جمهورية مصر العليا» على الدولة المنفصلة المستهدفة نازعين عنها صفة «العروبة» انطلاقاً من توجههم الرافض للقومية، لكنهم تجنبوا إضافة وصف «الإسلامية» لها حرصاً على عدم إعلان تورطهم فى هذه المؤامرة خلال هذه المرحلة المبكرة رغم أن جميع من يوزعون البيان والاستمارة من الوجوه الإخوانية المعروفة للأهالى.
الثانية:
أن حرصهم على ضم محافظتى البحر الأحمر والوادى الجديد يهدف إلى امتلاكهم القدرة على المبادرة بالتنازل مستقبلاً عن مناطق من كلتا المحافظتين لكل من السودان وليبيا لتحفيزهم على قبول الالتحاق بدولة الخلافة التى تمثل الحلم المستحيل للإخوان.
الثالثة:
تأكيد عداء «دولة الصعيد المزعومة» الصريح لمصر «الموحدة»، الذى يعبرون عنه بالحرص على استهلاك كامل حصة مصر من مياه النيل، وكامل إنتاج السد العالى من الكهرباء لمنع وصولهما للشمال، أى أن الإخوان يسعون لإنشاء كيان سياسى يعبرون من خلاله عن كراهيتهم وعدائهم للشعب المصرى وللنظام السياسى الذى اختاره فى 30 يونيو 2013.
■ ■
وهناك مجموعة من الحقائق المتعلقة بدعوة الإخوان لفصل الصعيد، أبرزها: أنهم قد حاولوا منذ بداية السبعينات وحتى نهاية التسعينات -ومن خلال الجماعات الإسلامية التابعة لهم- تهيئة المناخ لتفجير تمرد إسلامى فى الصعيد من خلال مجموعة من العمليات الإرهابية التى كان أبرزها اقتحام مديرية أمن أسيوط فى 8 أكتوبر 1981 واغتيال 108 من رجال الشرطة، والهجوم على معبد الدير البحرى وقتل 62 معظمهم من السائحين، بخلاف عشرات من العمليات التى استهدفت إضعاف سلطة الدولة على إقليم الصعيد، وقد حاولوا على مدى تلك السنوات ومن خلال تلك العمليات تحويل حربهم للسلطة إلى حركة شعبية تطالب بانفصال إقليم الصعيد عن الدولة المركزية المصرية ولكن دون جدوى.
وظلت الأمور على هذا النحو إلى أن بدأ الإخوان منذ الأيام الأولى لثورة 25 يناير 2011 يوجهون انتقادات وإهانات حادة لمحافظات الصعيد على مواقع التواصل الاجتماعى لعدم مشاركتها فى الثورة بنفس زخم محافظات الوجه البحرى، وتزامن ذلك مع انتشار عبارة «بعد بنى سويف مفيش رجالة» على القطارات المتجهة من القاهرة إلى الصعيد، وهو ما استهدف استفزاز أهل الصعيد الذى أشعله الإخوان هناك إلى حد الدعوة لانفصاله عن مصر، وتعالت صيحات التهديد بتدمير خطوط الضغط العالى عند أسيوط لمنع تغذية الشمال، وفتح «الأهوسة» لزراعة مساحات واسعة من الأرز لحرمان الشمال من مياه الرى، لكن مع نجاح ثورة يناير تم إرجاء الفكرة مع الاحتفاظ بحالة الاستنفار.
■ ■
وفى أبريل 2011 نجحت الجماعات الإسلامية فى اختبار شعبى؛ إذ حشدت المواطنين بقنا لإجبار الحكومة على تغيير المحافظ القبطى، أعقبها فى 28/8/2012 تلقت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة دعوى قضائية ضد «مرسى» وهشام قنديل تطالبهما بإنشاء مجلس قومى لتنمية الصعيد، محذرة من إهمال الجنوب المصرى حتى لا يقع فى فخ الانفصال عن الدولة على النمط السودانى، وقد تبين فيما بعد أن مقدمى هذه الدعوى من الناشطين المرتبطين بجماعة الإخوان، وهم: رمضان الأقصرى -الذى اتهم شيخ الأزهر فى سبتمبر 2012 بالتآمر على الثورة، كما اتهم الفريق شفيق فى يونيو 2013 برصد 5 ملايين جنيه لدعم تمرد 30/6 لإسقاط «مرسى»- والروبى جمعة، منسق حركة «صعيد بلا حقوق» أحد دعاة انفصال النوبة.
وقد التقطت فلول الحزب الوطنى المنحل خيط التلويح بانفصال الصعيد وحاولت استغلاله كورقة ضغط على الدولة المصرية، خلال مؤتمر عُقد فى الصعيد يوم 5 أكتوبر 2011 هددوا فيه بقطع الطرق وشبكة الكهرباء والسكك الحديدية وتصعيد الإجراءات المعارضة حتى إعلان انفصال الصعيد، وذلك إذا ما شرعت الحكومة فى تطبيق قانون العزل السياسى بحقهم، إلا أن مجموعة من المثقفين والصحفيين والمهنيين من أبناء قبائل جنوب مصر قد ردت عليهم يوم 7 أكتوبر بالدعوة إلى محاكمة كل من شارك فى هذا المؤتمر «المشبوه»، أو دعا لانفصال الصعيد، واستنكروا هذه التهديدات «غير المسئولة» ووصفوها بأنها «خطاب تحريضى لتفتيت الدولة، وعزل الصعيد عن الوطن الأم، وتهديد لأمن الوطن واستقراره»، كما أعلنت «الكتلة الوطنية» بقنا، التى تضم جميع التيارات السياسية وائتلاف شباب الثورة، تصديها لهذه الدعوات التحريضية المغرضة التى تدعو للانفصال وتهدد استقرار الوطن، وبذلك قتلت محاولة «الوطنى» المنحل لاستعارة فكرة التهديد بفصل الصعيد فى مهدها ليظل الإخوان وحدهم فى ساحة الداعين لها.
وفى أغرب مطالب لوقفة احتجاجية يوم 2 أكتوبر 2012، نظم عمال شركة غاز مصر المفصولون من عملهم، وأغلبهم من أبناء أسوان بجانب بعض أبناء قنا والأقصر ونجع حمادى، وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء بوسط القاهرة رفعوا فيها لافتات «صعيد مصر يطالب بالانفصال» و«لا للتهميش.. لا للبطالة.. لا للفقر.. لا تجعلوا صعيد مصر جنوب سودان أخرى» وقد ظهرت بينهم المحامية أسماء إسماعيل، المعروفة بتبنيها مطلب انفصال الصعيد، كما تضامن معهم أيضاًً عدد من العناصر الإخوانية بالاتحاد المصرى لنقابات مصر المستقلة والنقابة المستقلة لعمال غاز مصر.
■ ■
إذن حملة «انفصال» الراهنة التى يشنها الإخوان فى الصعيد هى حملة مؤجلة تم الإعداد لها منذ السبعينات وكان مقدراً أن يتم البدء فى تنفيذها فى حالة فشل ثورة 25 يناير 2011 فى الإطاحة بنظام «مبارك»؛ بحيث يكون البديل فصل الصعيد والتمركز فيه لتنفيذ المشروع الإخوانى على جزء من أرض مصر بدلاً من عودتهم للسجون.. وكأنه كُتب على مصر أن تتعرض باستمرار لمعارك مؤجلة مع الإخوان.. لو أعلن فوز «شفيق» فى انتخابات الرئاسة كانوا سيحرقون مصر.. عندما تحرك الشعب لعزل «مرسى» فى 30 يونيو بدأوا خطتهم المؤجلة لإحراق مصر.. وهاهى خطة فصل الصعيد التى تم تأجيلها فى يناير 2011 يتم الشروع فى تنفيذها منذ فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة» فى 14 أغسطس 2013 بسلسلة واسعة من عمليات التخريب المخططة جيداً، التى نجحوا من خلالها فى تعطيل العديد من دواوين محافظات الصعيد عن العمل، سواء بالحرق أو بالاقتحام أو بالاعتصام خارجها على النحو الذى تختفى معه سلطة الدولة لتحل محلها سلطتهم باعتبارهم الفصيل الأكثر تنظيماً هناك، وكذا اقتحام أو إحراق بعض مديريات الأمن ومراكز الشرطة، وإرهاب أفرادها بالتعذيب والقتل بهدف تفكيك قدرتها، وبالتالى إتاحة الفرصة لميليشياتهم للسيطرة على الشارع والمواطنين، كما أحرقوا العديد من المحاكم والنيابات سعياً لتعطيل العدالة ليكون القضاء العرفى على أيدى شيوخهم هو البديل، أما امتداد عمليات الحرق للكنائس والآثار والمدارس المسيحية فهو يدخل فى إطار نفس خطة الانفصال بترويع المسيحيين بما قد يجبر قطاعا منهم على الهجرة، أما من بقى فسوف يخضع لما يمليه عليه الإخوان من شروط.
الغريب أن نجد عناصر الإخوان بالصعيد -بتلقين من قياداتهم- تردد على المقاهى وفى وسائل المواصلات وأماكن التجمعات العامة أحاديث عن جمهورية سوهاج التى أعلنها شيخ العرب همام عام 1767م وتمرد الشيخ الطيب فى عهد الخديو إسماعيل عام 1867م، ويستشهدون بأحد الأعمال الدرامية التى أذاعتها الفضائيات المصرية مؤخراً، كما يستكملون ذلك حالياً بإصدار كتاب جديد بعنوان «جمهورية الصعيد» يحاولون من خلاله تأصيل فكرة الانفصال وتعميقها لدى القارئ الصعيدى.. وللأسف فإن هذا النوع من الأحاديث يجد صدى لدى قطاع من الأميين منعدمى الثقافة ممن يعانون ظروفاً معيشية متدنية.
■ ■
سكان الصعيد قرابة 22 مليون مواطن، وفقاً لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يمثلون 27٪ من سكان مصر، فى الوقت الذى لا تزيد فيه حصته من الاستثمارات على 13% فقط من إجمالى الاستثمارات العامة والخاصة فى الدولة (تشمل الاستثمار المباشر من الدولة فى المرافق والخدمات والاستثمار فى مشروعات تشغيلية).. نسبة الفقر تجاوزت الحد المسموح به عالمياً، فبلغت نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر فى أسيوط 60٪، وفى سوهاج 47٪، وقنا 41٪، وأسوان 40٪، بل إنها تزيد فى بعض قرى الصعيد على 80% من السكان.. تلك المؤشرات عن عام 2011، أى قبل أن تنهار السياحة وترتفع تلك النسب بالقطع.. نسبة الأمية قاربت 40% بين أبناء الصعيد، والتسرب من المدارس وصل إلى 18%.. أما فتيات الصعيد فإن 80% منهن لم يلتحقن بالتعليم.. و67٫9% من مساكن الصعيد فقط تصلها المياه النظيفة.. ومن المخزى أن يتضمن تقرير للأمم المتحدة صادر فى نوفمبر 2012 أن نسبة الذين لا يتمتعون بخدمات الصرف الصحى فى الصعيد تصل إلى 99%.. محافظات الصعيد تحتل المراكز الأخيرة فى مؤشر التنمية البشرية (المنيا فى المرتبة ال21 والأخيرة - أسيوط المرتبة ال20 - سوهاج ال19 - بنى سويف ال18 - الفيوم ال17 - قنا ال15 - أسوان الأفضل فى المرتبة ال9). ومن حيث مؤشرات الخدمات، فالعلاج هو الأسوأ فى الصعيد مقارنة بباقى محافظات الجمهورية، فقد بلغ عدد أَسِرّة المستشفيات 14 لكل 10 آلاف نسمة، مقابل 38 فى المحافظات الحضرية.. أما الرعاية التعليمية فنجد مُدرساً واحداً لكل 26 تلميذاً فى الصعيد مقابل مدرس لكل 14 تلميذاً فى محافظات الوجه البحرى.
■ ■
فى ضوء ما سبق من مؤشرات اقتصادية مرعبة، فإن الأوضاع فى الصعيد يمكن تلخيصها فى مجموعة عناوين رئيسية (انتشار الأمية - الفقر - البطالة - انتشار السلاح فى كل بيت - تهميش دورهم السياسى فى مؤسسات السلطة - وجود أصابع أجنبية تعبث فى الإقليم - انتشار طابور خامس قوى)، وهذه العناوين تشكل معادلة تعنى ببساطة أن هذا المناخ اليائس مهيأ تماماً لتقبل أى فكرة متطرفة بما فيها «الانفصال»؛ لأنه لا موضع للحديث عن الشعور بالولاء عندما تتخلى الدولة عن التزاماتها، ولا يجد المواطن قوت يومه.
إذن ما الحل؟! وكيف نواجه ذلك الموقف بالغ الخطورة؟!
المواجهة فى تقديرى ينبغى أن تتخذ مسارين رئيسيين:
1- المسار العاجل: نلجأ فيه للاستعانة بروح الوطنية المصرية.. تلك الروح التى حركت الوطنيين من أبناء الصعيد فى 7 أكتوبر 2011 للتصدى لدعوة الانفصال التى رفعها الأعضاء السابقون بالحزب الوطنى.. بل هى نفس الروح التى جعلت أعضاء «الوطنى» السابقين يشعرون بالخزى بعد تعرضهم للهجوم، ويتراجعون عن دعوتهم، ولم يعودوا لها ثانية.. وهى أيضاًً نفس الروح التى دفعت المسيحيين لرفض أى تدخل خارجى للدفاع عن مصالحهم رغم تعرض دور عبادتهم وبيوتهم ومدارسهم ومحلاتهم للحرق، وهو نفس الدافع الذى رفضوا به من قبل أى تجاوب مع فكرة إنشاء دولة مسيحية.. والتحرك على هذا المسار يفرض شن حملة إعلامية وشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى يشارك فيها المثقفون والفنانون والأدباء للكشف والتنديد بدعوة الإخوان لانفصال الصعيد، وتعبئة الروح الوطنية المصرية للتحرك الفعال لإجهاضها.
2- المسار التنموى: ويتمثل فى سرعة البدء فى خطة للتنمية الشاملة، البشرية والاقتصادية، للصعيد على النحو الذى يخرجه من نطاق استغلال وتوجيه التيارات الدينية، صعيد مصر لم يشهد عبر تاريخه سوى ومضات أمل مع مشروعات كبرى مثل خزان أسوان والسد العالى ومصنع الألومنيوم بنجع حمادى وقلاع السكر الوطنية، وذلك لأن حصة الصعيد من إجمالى الاستثمارات العامة والخاصة فى الدولة (13%) لا تسمح بذلك، هذه النسبة المتواضعة ينبغى أن ترتفع فوراً من خلال مصدرين، الأول: طرح المشروع القومى للنهوض بالصعيد على المستثمرين ومنح تسهيلات ومزايا تكفل نجاحه، الثانى: التفاوض مع المؤسسات والجهات العربية والدولية المانحة على قروض مخصصة لمشروعات تنمية الصعيد، وعلى الدولة أن تمهد فوراً لإنجاح ذلك من خلال مراجعة مخططات التنمية التى تملأ الأدراج والكتب، لكنها تفتقد الفعالية والجدية.. وذلك بتيسير إجراءات الحصول على الأراضى بالمناطق الصناعية، وتطوير النقل النهرى بإنشاء موانئ متخصصة لهذا الغرض، وتطوير المطارات والسكك الحديدية للتوسع فى نقل الركاب والبضائع، واستكمال المرافق اللازمة لتشجيع الاستثمار، بالإضافة لوضع منظومة لتدريب العمال وتأهيلهم لاحتياجات سوق العمل فى تلك المحافظات الجنوبية.
■ ■
عندما نجتر ذاكرة التاريخ ونستدعى المشهد فى مصر عام 3200 قبل الميلاد، أى منذ قرابة 5000 عام، نرى الوجه البحرى (القطر الشمالى) مقسماً إلى مقاطعات، على رأس كل منها أمير، كان الأمراء يتنازعون السلطة، حتى شاعت الفرقة، وساد الظلم، ودبت الفوضى، وعم الفساد، وتطلع الشعب إلى الوجه القبلى (الصعيد - القطر الجنوبى) الذى كان قد وحّده الملك مينا، وأنشأ فيه نهضة وجيشاً قوياً، بما انعكس على شعبه بالرخاء والأمن، واستجاب «مينا» وتحمل مسئولية تاريخية فى توحيد القطر الجنوبى الغنى بالذهب والمعادن مع القطر الشمالى الزراعى الخصب، فى دولة مركزية قوية موحدة، ذات جيش موحد وحاكم واحد، فأدخل مصر عصر بناء الأهرامات والمملكة الحديثة وسلاسل من الانتصارات التى حمت مصر والعروبة والإسلام.
هل نقبل أن تعود مصر من جديد دولة مقسمة إلى قطرين على أيدى الإخوان؟! إنها مسألة حياة أمة.. مصير شعب.. قضية لا تحتمل سوى الحياة بشرف أو الموت دون الوطن.. فلنخُض جميعاً هذه المعركة، حتى نهايتها، ولا نتراجع مهما كان الثمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.