أكثر الناس ينظرون إلى ما يحدث مع الإخوان من منظور مادى بحت، بالاكتفاء بتحليل الأسباب المادية، دونما التوقف عند حكمةِ وإرادة ربٍ حكيم. فهناك إجماع على فشل قيادات الإخوان فى إدارة البلاد، لكن يبدو أن القضية ليست فشل قيادات، وإنما الأمر فى تقديرى خذلان من الله للجماعة، وخذلان الله للجماعة راجع -والله أعلم- إلى أن الله غار على دينه من أن يُتخذ مطية لتحقيق مكاسب سياسية. نتأكد أن ما يحدث مع الإخوان خذلان من الله وليس توفيقاً، وبلاء وعقاب وليس ابتلاء وامتحاناً، بعلامة واحدة، هى: أن كل اختيار تعرضت له الجماعة ما بين صواب وخطأ، وحسن وسيئ نجد أن الجماعة اختارت الخطأ وتركت الصواب، اختارت السيئ وتركت الحسن، مما يعنى أن التنظيم فقد مزية «الفرقان»، التى تعنى نوراً من الله يعطيه للإنسان ليرى الحق حقاً والباطل باطلاً، فتأتى قراراته وفق حاجات المجتمع، ومتطلبات الواقع، «يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً». هل نتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية؟ التوفيق فى عدم الترشح، والخذلان فى الترشح، فإذا بالجماعة تختار ما فيه الخذلان، هل يستمر «قنديل» فى منصبه أم نقيله؟ التوفيق فى إقالته، والخذلان فى استمراره، فإذا بالجماعة تختار استمراره، هل نُقيل النائب العام أم نتركه؟ التوفيق فى إقالته، والخذلان فى تركه، فإذا بالجماعة تختار تركه، هل نرضى «بشرعية الواقع الجديد» بعزل مرسى ونحتسب الأمر لله حقناً للدماء أم نتظاهر حتى عودة مرسى؟ التوفيق فى الرضا، والخذلان فى التظاهر، فإذا بالجماعة تختار التظاهر، هل نفض الاعتصام من تلقاء أنفسنا قبل فضه بالقوة؟ التوفيق فى فضه من تلقاء أنفسهم، والخذلان فى استمرار الاعتصام، فإذا بهم يختارون ما فيه الخذلان، هل نقبل مبادرة من المبادرات المعروضة للتصالح أم نرفضها؟ التوفيق فى قبولها، والخذلان فى رفضها، فإذا بالجماعة تختار الرفض. هذا فضلاً عن أنواع من الخذلان لا قِبَل للجماعة بها، فالإعلان عن بناء سد إثيوبيا يأتى فور زيارة د. مرسى، وحادث قطار أطفال أسيوط يأتى بعد زيارة مرسى للمحافظة، والقبض على محمد بديع يتأتى متوافقاً مع عيد ميلاد محمد مرسى، بل أليس من سوء التوفيق أن يكون أئمة وشيوخ الإخوان من نوعية صفوت حجازى وعبدالماجد وهاشم إسلام وصلاح سلطان ومحمود شعبان، بل إن صفوت حجازى وحده دليل متكامل الأركان على خذلان الله لعبده وللإخوان، حتى الفنانة «كندة علوش» التى لا يعرفها أحد تنكر ما نشروه من تأييدها لاعتصامهم، فسبحان الله.. من أستاذية العالم إلى التمحك فى تأييد «كندة علوش». والأمثلة لا تحصر، والحاصل أنه ما من موقف أو قرار كان لتنظيم الإخوان فيه خياران إلا والتنظيم اختار ما فيه الخذلان على ما فيه التوفيق، وما فيه الخطأ على ما فيه الصواب، وما فيه المفسدة على ما فيه المصلحة، مما يعنى أن الله سبحانه نزع من الجماعة توفيقه وعونه ونصرته، والله إذا نزع التوفيق من الفاسقين فإنما ينزعه لفسقهم، وإذا نزع التوفيق ممن يزعمون نصرة دينه فإنما ينزعه لعلمه أنهم إنما ينصرون شيئاً آخر غير دينه كمصلحة التنظيم، ويقدمون قرارات القيادات على أحكام السماء. فعلى الجماعة أن تراجع نفسها ونياتها فى الشدة والرخاء، وهذا الذى ذكرتُه من خذلان الله للجماعة على مستوى الاختيارات السياسية، وأما على المستوى الشخصى البحت ففيهم الموفق وفيهم المخذول، وفيهم الطيب وفيهم اللئيم، وأكثرهم فيمن عرفتُه منهم أهل خير وفضل.