"عندما دخل فيدل كاسترو على رأس رجاله الظافرين هافانا، وقد امتشقوا بنادقهم وأحزمة رصاصهم مطلقين لحاهم الكثيفة مال الرئيس عبد الناصر إلى اعتبارهم جماعة من المغامرين على الطريقة السينمائية التي كان يقوم بأدوارها إيرول فلين وأمثاله من أبطال أفلام المغامرات المثيرة، وليس ثوارا حقيقيين وربما ساعد على هذا الانطباع أن الممثل إيرول فلين نفسه كان مع الموكب الغريب الذي دخل كاسترو به إلى هافانا"، هكذا وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه عبدالناصر والعالم وجهة نظر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في الثورة الكوبية. يقول هيكل في كتابه: "التقى عبد الناصر بفيدل كاسترو للمرة الأولى في نيويورك بعد ذلك بثلاثة أشهر عندما حضر الاثنان "دورة خروشوف " في الأممالمتحدة، وفي ذلك اللقاء كرر فيدل كاسترو ما كان قاله جيفارا عن الشجاعة التي استمدوها في 1956 من الطريقة التي صمدت بها مصر في وجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وكيف خرجت ورأسها مرفوعة في عنان السماء، في معركة السويس وطلب من الرئيس عبد الناصر أن يلخص له التجربة المصرية وقت السويس وأبدى إعجابا صادقا به". أعطى الرئيس عبد الناصر تأييده لكاسترو في نيويورك حيث دبر الأمريكيون حملة ضده تستهدف إجباره على مغادرة الولاياتالمتحدة، وكان قد حجز لنفسه ولأعضاء وفده في فندق شلبورن حيث تعمدت إدارة الفندق إهانته إذ طلبت من الكوبيين تقديم بعض الضمانات المالية ثم امتلأت الصحف الأمريكية بالقصص الفاضحة التي تزعم أن غرف المندوبين الكوبيين امتلأت بريش الدواجن التي زعموا أن هؤلاء كانوا يذبحونها في غرفهم ويلتهمونها. وانتقل كاسترو إلى الإقامة في هارلم - حي الزنوج- وذهب عبد الناصر لزيارته فى ذلك الحي الزنجي المعزول لإبلاغه رغبته فى أن يقترح نقل الأممالمتحدة إلى بلد آخر إذا جعل الأمريكيون من المستحيل على كاسترو أن يشترك في دورة الجمعية العمومية تلك. وحمل كاسترو لعبد الناصر هدية كانت عبارة عن صندوق خشبي موشى بجلد التمساح، وعندما فتحه عبد الناصر قال: " ظننت أنه صندوق سيجار"، فاعتذر كاسترو قائلا: "لم أكن أعرف أنك تدخن السيجار، لكنني سأتحقق من أن تصلك كمية من السيجار، ولربما أخطأت في إهدائك صندوقا موشى بجلد التمساح لأن النيل عندكم يعج بالتماسيح ". أجابه عبد الناصر: " نعم، عندنا"، وتطلع الزعيم إلى سقف الغرفة قبل أن يضيف "أربعة منها بالضبط"، وتطلع إليه كاسترو مشدوها: "كيف تيسر لك أن تحصيها "، فأجابه الرئيس لأنها جميعا في حديقة الحيوان. وسأله كاسترو، إذا كان سيستمع إلى خطابه الرئيسي الذي ينوي أن يلقيه في جلسة بعد الظهر في الأممالمتحدة، فرد عبد الناصر بأنه على قدر ما كان يود ذلك، فلن يكون في وسعه أن يحضره لأن موعده مع الرئيس أيزنهاور كان قد حدد في نفس الموعد المقرر الذي كان كاسترو يتحدث فيه، واكتأب كاسترو للغاية واعتقد بأن الأمريكيين تعمدوا تحديد الموعد بهذه الطريقة حتى يعرقلوا أي تقارب بينه وبين عبدالناصر. ولكن حتى إذا كان ذلك صحيحا فالواقع أن الأمريكيين لم ينجحوا في غرضهم إذ قام بين الرجلين إعجاب متبادل تزايد على مر الأيام. وحث الرئيس عبد الناصر كاسترو- باجتماعاتهما في نيويورك- على أمرين: أولهما أن لا يعلق اهتماما أكثر مما يجب على القاعدة البحرية الأمريكية في" جوانتانامو" في كوبا، وأن لا يسمح لنفسه بأن يساق إلى نزاع عسكري بسبب تلك القاعدة. وثانيهما: أهمية وجود قاعدة للثورة، كالوحدة العربية مثلا بالنسبة للثورة المصرية، وأوضح الرئيس لكاسترو كيف أن فكرة الوحدة العربية قد أعطت النضال المصري عمقا عظيما وأمدت الثورة بالعمق الاستراتيجي والأدبي والسياسي. وسأل كاسترو إذا كانت ثمة قاعدة أو أسس للوحدة في أمريكا اللاتينية، ورد كاسترو بأن هناك بعض الأسس: الدين، واللغة -باستثناء البرازيل بلغتها البرتغالية-والاضطهاد الذي يؤلف القاسم المشترك الأعظم بين جميع دول أمريكا اللاتينية.