إنشاء ديوان المظالم، كان رد الرئيس الدكتور محمد مرسي، على تزايد أعداد المحتجين والمتظاهرين أمام القصر الجمهوري، طالبين مساعدتهم وحل مشكلاتهم، ولم يكن ديوان المظالم "اختراع جديدا" في عهد الرئيس الجديد، فقد سبق وظهر في مصر خلال عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وبالرغم من عدم حل مشكلات كثيرة عن طريق ذلك الديوان، إلا أن أعداد المواطنين لا تقل على باب الرئيس، أو تفقد الأمل في قدرة ديوان المظالم على حل أزماتهم. قبل نحو 1400 عام، طبّق الرسول عليه الصلاة والسلام، فكرة ديوان المظالم، فكان كل من لديه مشكلة أو شكوى يذهب إليه، فيرد له حقه، ولم يكن وقتها هناك ديوان خاص للنظر في تلك المشكلات، فعدد الأفراد كان قليل وكذلك المشكلات، فكان الرسول يحلها بنفسه. أما أبو بكر الصديق، أول خليفة لسيدنا محمد، في حكم الدولة الإسلامية، كان أيضا أول من اقتدى به في تطبيق ديوان المظالم، لكنه لم يقيم ديواناً خاصاً للمظالم أيضا، فقد كان يحلها بنفسه مثلما كان يفعل الرسول. وبدأ قضاء المظالم في التطور في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، باعتباره أول من أنشأ ديوانا خاصاً للمظالم، وجعل لكل ولاية والي، وهو رئيس ديوان المظالم بها، ويجمعهم عمر كل عام في موسم الحج ويستمع منهم إلى شكاوي الأفراد، وكان عمر يحاسب الولاة أنفسهم إذا قصروا في عملهم، فكان أول من أقر مبدأ "إساءة استعمال النفوذ"، وقد طبقه على عمرو بن العاص والي مصر عندما أساء نجله إلى قبطي مصري. أما في عهد الأمويين فقد استمرت آلية ديوان المظالم، ولكن وضعت شروط لمن يتولاها، فكانت تتطلب علماً غزيراً بالأحكام الشرعية، وقدرة على تفسير النصوص القرآنية، في عهد الدولة الأموية وكان الخلفاء أنفسهم هم من يتولوا رئاسة ديوان المظالم، فكان الخليفة عبد الملك بن مروان من أوائل الخلفاء الأمويين الذين ترأسوا الديوان، وتوسع ديوان المظالم بعد ذلك في عهد عمر بن عبد العزيز، وفي عهده ذهب رجل إليه شاكياً عدي بن أرطاة والي البصرة، اغتصب أرضه، فأمر الخليفة أن ترد للرجل أرضه ويدفع له تكاليف رحلته من البصرة وحتى دمشق من بيت المال. وأصبح لديوان المظالم في العصر العباسي شكل مستقل، أي ما يعادل وزارة متخصصة لشكاوي المواطنين الآن، وأصبح هناك فئات معينة هي التي تختص بهذا الديوان، هم: الحماة وهو كبار القادة في الدولة والأعوان وهم مثل الشرطة الآن، والقضاة والحكام للفصل في المظالم التي يقدمها المواطنون، والفقهاء يرجع إليهم في القضايا محل الشك، والكتاب ليسجلوا كل ما يدور في جلسة التخاصم بين الطرفين، والشهود لتتحقق من الواقعة من خلالهم لإثباتها أو نفيها. ومثلهم مثل الخلفاء الأيوبيين، تولى الخلفاء العباسيين رئاسة ديوان المظالم، و كان من حق الرعية أن تشتكي الخليفة نفسه، وقد كان الخليفة العباسي المأمون يُخَصِّصُ يوم الأحد من كل أسبوع للنظر في المظالم، واتبع العباسيين نظاماً لتأديب الظالمين وخاصة الولاة والأمراء، حيث كان الخليفة يصادر جميع أموال وممتلكات الوالي الظالم ويضعه في بيت المال، ولكن بصفة مؤقتة لتأديبه ثم يرده له. وتغير مسمى ديوان المظالم في الدولة الأندلسية، لكن ظلت له نفس مهامه، فكان يسمى ب"خطة المظالم"، اختلف تطور خطة المظالم في الأندلس عن مثيله في الدولة الأموية والعباسية، فلم يترأس الخلفاء في الأندلس رئاسة الديوان، بل كان يقوم بهذه المهمة الفقهاء والعلماء، واشتهر بعض من تولى رئاسة خطة المظالم في الأندلس، وترقى بعضهم ليشغل مناصب إدارية عليا في الدولة. كافور الإخشيدي، والي مصر في عهد الدولة العباسية، كان يجلس للحكم في المظالم يوم السبت من كل أسبوع، واستمر هكذا حتى توفى، كما استمر الأمر هكذا في عهد أمراء السلاجقة، وهم مجموعة أمراء من تركيا، فقد خصص الأمير طغرل بك ثالث أمراء السلاجقة يومين من كل أسبوع للنظر في المظالم، والملك العزيز عماد الدين أبو الفتوح عثمان بن صلاح الدين أيوبي في الدولة الأيوبية كان يجلس يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع للنظر في المظالم. وبقيام دولة المماليك في مصر، لم يلغ ديوان المظالم بل اهتم به المماليك وعينوا له أفضل القضاة والفقهاء، ولكن بعض المماليك كانوا ينظرون في بعض المظالم بأنفسهم، كان يمكن للسلطان من خلال ديوان المظالم أن يحاسب وزير الحربية ورئيس الوزراء والمؤسسة القضائية وكذلك الفقهاء، كثير من سلاطين المماليك كانوا يذهبون للميادين العامة لقضاء مظالم الرعية مثل سيف الدين برقوق. وعند نشأة مصر الحديثة على يد محمد علي لم يختفي ديوان المظالم، بينما اقتصرت تخصصاته في عهد محمد علي على نظر شكاوي المواطنين من الضرائب، واستمر هكذا طوال حكم أسرة محمد علي لمصر، ثم اختفى مفهوم ديوان المظالم حتى أعاد السادات إحيائه في بداية توليه حكم مصر، فأعاد ديوان المظالم وجعل وزيراً يترأسه، واختص الديوان بتلقي شكاوى المواطنين، لكن مع قرب انتهاء فترة حكم السادات بدأ الضعف يشوب هذا الديوان واعتبر السادات أن أي شكوى ضد موظف كبير في الدولة هي إساءة لعهده كرئيس، فتم إلغاء ديوان المظالم. وفي عهد مبارك لم يتم إقامة ديوان للمظالم، لكن حاول مبارك في بداية عهده أن يكسب ود الشعب فأعلن أن بابه مفتوح لكل شكاوي المواطنين، وانهالت الشكاوى عليه ولكن بدأت تقل بعد ذلك تدريجياً بسبب المضايقات التي كان يتعرض لها المواطنين من الحرس الجمهوري. وجاء مرسي ليعيد إحياء فكرة ديوان المظالم، كحل مؤقت لجميع مشاكل المصريين، وفي يوم عمله الأول وقف على بابه بقصر عابدين المئات ليتقدموا بشكواهم للرئيس الجديد، على أمل أن يجدوا لها حلاً في القريب العاجل، وألا يضطروا للانتظار مرة أخرى.