ننوه – في البداية – أن رؤية المؤرخ لا تعني التأريخ لثورة مازالت تعارك تحقيق أهدافها المعلنة في " العيش و الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية "، وتصارع قوى " الثورة المضادة ". فالتأريخ للثورات خصوصاً تبدأ بعدم حسم هذا الصراع الذي قد يستمر لعقود، ولا يمكن إنجاز تأريخ موضوعي في غياب الوثائق التي يعول عليها المؤرخ في الإجابة عن أسئلة ثلاثة هي : ماذا حدث ؟ و كيف حدث ؟ و لماذا حدث ؟. مهمتنا إذن تنحصر في تقديم إجابات أولية تحتمل الصواب أو الخطأ، لكنها لا تضرب في الفراغ. تقتضي الضرورة رؤية ثورة 25 يناير في إطار تحديد مفهوم " الثورة " الملتبس عند كثيرين، كشباب الثورة الذين احتفلوا بانتصارها عشية خلع مبارك، و " جنرالات " السلطة الحالية وأزلامها من " الإسلامويين، بل التبس الأمر حتى على المنظرين من رواد الفضائيات، ممن اتشحوا بأردية الثوار بعد خلع المخلوع. إنهم " مرجئة " العصر الحربائيين " أعوان من غلب " ؛ بل هم " حشوية الملوك "على حد تعبير " واصل بن عطاء "شيخ المعتزلة. فيجب أن نؤطر لثورة 25 يناير كحلقة في سلسلة حركات المقاومة في التاريخ المصري ضد الطغاة والغزاة منذ العصر الفرعوني وحتى ثورة يوليو؛ بهدف التمييز بين مفاهيم " التمرد "و" الانقلاب " و"الانتفاضة " ... و ما شابه . و هو أمر يقودنا إلى دحض مزاعم حيكت لتشويه عبقرية " الشخصية المصرية "، ودمغها بالسلبية، والمذلة والاستكانة؛ تأسيساً على مقولة توراتية فحواها "هوذا على من اتكأت حتى عصيت عليا؛ لقد اتكأت على مصر ؛ تلك القصبة المرضوضة التي ما اتكأ عليها أحد إلا وخذلته " !!! علينا ألا نغفل دور الصهيونية والإمبريالية الغربية المتوحشة في التآمر على الثورة، ألم يعلن أوباما - عشية خلع المخلوع - أنه لن يسمح بقيام نظام ثوري في مصر يشكل خطراً على إسرائيل والدول العربية المعتدلة - والصواب العميلة - مهما كلفه الأمر؟ و نحن على يقين من أن ما تعرضت له الثورة من مآزق كان نتيجة جهود دائبة خطط لها المؤرخ اليهودي الأمريكي" برنارد لويس " وتلميذه الإسرائيلي " شلومو أفينيري " ؛ ونفذها – بصرامة وإصرار -" ذيول المخلوع ". كذلك إطلاق أوباما "مصطلح الربيع العربي" الذي بهر به الساسة والمثقفين والإعلاميين وحتى العوام اعتقاداً بأنه ينطوي على تقريظه للثورات العربية وهو ما ينم عن غباء النخبة المثقفة ؛ لأنه مقتبس من مصطلح " الربيع الأوروبي الذي أطلقه المؤرخون على الثورات التي قامت في أوروبا سنة 1848 وتم إجهاضها على يد ائتلاف من الحكومات الأوروبية الرجعية، الذين تصدوا لمحو آثار الثورة الفرنسية التي انتقلت عدواها إلى كثير من الممالك الأوروبية لتشعل عدد من الثورات الناجحة سنة 1830 . وهذا يعني بداهةً أن الدلالة الحقيقية لمصطلح الربيع العربي تعني حقيقةً عزم أمريكا على إجهاض الثورات العربية الحالية. لكننا على قناعة أن " التحديات "- رغم ضراوتها - ستسفر بالضرورة عن " استجابات " إيجابية ؛ يقول أرنولد توينبي في نظريته عن" الاستجابة الذهبية " :" الثورة ما هي إلا موجات من الأفعال وردودها، وقد تفشل مرة و مرات؛ و لكنها حتماً ستنتصر. فدماء شهداء الثورة ما هي إلا زيت " سحري " يزيدها اشتعالاً و توهجا؛ " فللحرية الحمراء باب ؛ بكل يد مضرجة يدق "، و إن غداً لناظره قريب .