لم يكن الأستاذ سلامة أحمد سلامة الذى انتقل إلى جوار ربه الخميس الماضى مجرد كاتب كبير، إنما كان قيمة ومعنى، سلامة هو الكاتب المحترم والعميق الذى تابعت ما خطته يده منذ أن كنت فى المرحلة الثانوية، فلم أجده يوما قد استرخص قلمه، أو سقط فى نفاق مذموم، أو دافع عن باطل، أو وقفت كلماته على باب سلطان، عاش يدافع عما يراه الحق والحقيقة، وظل قابضا على ما فى رأسه من معنى عميق، وما فى قلبه من مشاعر فياضة وما فى نفسه من خواطر حميدة، حتى وافته المنية، فخسرنا برحيله واحدا من أكبر فرسان الكلمة فى بلادنا. أتذكر جيدا يوم أن وقعت عينى على اسمه، كان الباص يمرق بين الزراعات الممتدة حتى قدرة البصر على الرؤية، وكنت جالسا إلى جانب النافذة عائدا من مدرستى الثانوية، فى يدى «صحيفة الأهرام» وإلى جانبى حقيبة كتبى، مسحت الصفحة الأولى سريعا، إذ لم أجد شيئا يلفت الانتباه بعيدا عن التغطيات الروتينية البائسة لكل ما له علاقة من قريب أو بعيد برئيس الجمهورية وأركان سلطته، أما فى الصفحات الداخلية فكانت مقالات العمالقة: نجيب محفوظ، زكى نجيب محمود، وتوفيق الحكيم، ولويس عوض، ويوسف إدريس، وإحسان عبدالقدوس، فى الصفحة الأخيرة كان الراحل العظيم أحمد بهاء الدين، أما فى الداخل فقد بدأ كاتبان يشقان طريقهما بقوة نحو القمة هما سلامة أحمد سلامة، وفهمى هويدى، الذى كان عائدا من منفاه الاختيارى فى الكويت بعد أن تم إبعاده عن الكتابة بأوامر من الرئيس السادات، منذ هذا التاريخ تعلقت بهما، أقرأ بانتظام عمود سلامة، ومقال هويدى كل ثلاثاء، إلى أن جاء بعد عقدين من الزمن من لا يعرف قيمتهما، ولا يشكر فضلهما على «الأهرام»، فقام بإبعادهما تباعا، وكأنهما موظفان تجاوزا المعاش، ولم يعد لديهما ما يقدمانه، فخسرهما بيتهما، الذى كان لا يعنيه قامة ولا قيمة أحد، وكسبتهما صحيفة الشروق. ودارت الأيام وكان الأستاذ سلامة هو من اختبرنى قبل قيدى فى «نقابة الصحفيين» عام 1994، دخلت على اللجنة فوجدته يتوسطها على وجهه ابتسامة رضاء وفى عينيه ثقة بنفسه، سألنى يومها عدة أسئلة آخرها: لماذا أسماك أبوك «عمار»؟ فابتسمت وقلت له: ليس تيمناً بياسر عرفات (أبوعمار) فوقت ولادتى فى نهاية 1967 لم يكن هو بالشهرة التى عليها الآن، ولا بعمار بن ياسر، الصحابى العظيم الذى «قتلته الفئة الباغية»، ولا بالشاعر الأندلسى «ابن عمار» لأن أبى لا يعرفه، لكن لاسمى قصة فى العائلة، إن كان لدى اللجنة وقت يمكن أن أسردها عليها. فابتسم وقال: لا خلاص، شكرا جزيلا، مع السلامة. مع السلامة يا أستاذنا، وإلى اللقاء فى رحاب ذى الجلال.