واقع جديد تعيشه مصر الآن بعد تصدر التيار الإسلامى للمشهد من القمة إلى القاع، وتمتد تداعيات هذا الواقع إلى دراما رمضان التى ينتظرها الجمهور بشغف شديد، للهروب من ضغط السياسة وسخونة برامج «التوك شو». وفى حين يرى بعض المبدعين أن الرقابة بدأت تتربص بالأعمال الفنية المتوقع عرضها، وراحت تحذف وتصادر كل ما يتعلق بالغناء والرقص ومشاهد الفتنة الطائفية، يرى البعض الآخر منهم أن مقص الرقيب ضرورى فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر حاليا. وأيا ما كان الأمر فإن الحقيقة المؤكدة هى أن مقص الرقيب فى طريقه إلى مسلسل «أخت تريز» بطولة حنان ترك، ومسلسل «عرفة البحر» بطولة نور الشريف، والسبب هو اقتراب هذه الأعمال من قضية العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، والفتنة الطائفية التى تبدو ملتهبة أحيانا وهادئة فى أحيان كثيرة. فى هذه القضية الشائكة يتحدث الروائى يوسف القعيد قائلا: «الكلام عن اعتراض الرقابة على الأعمال التى تناقش الفتنة الطائفية يعد تهريجا، فالفتنة موجودة بكل تأكيد وظهرت بوضوح منذ استفتاء 19 مارس، وانقسم المجتمع إلى نصفين، بين مؤيد لتعديل «الدستور أولا» وآخر رافض، وطبقا لتصريحات نبيل جبرائيل المتحدث باسم الكنيسة هناك 400 ألف مسيحى تركوا مصر وهاجروا إلى مكان آخر خوفا من الاضطهاد». ويواصل «القعيد» كلامه: «من العبث أن تصادر الرقابة أعمالا فنية تهدف إلى تصحيح أوضاع خاطئة وإزالة الالتباس، وحسب معلوماتى فإن مسلسل «أخت تريز» تدور أحداثه حول بنتين توءمين وبسبب ظروف غريبة تنشأ واحدة فى أسرة مسلمة، وأخرى وسط أسرة مسيحية وتصبح راهبة، والمسلسل يهدف إلى تعزيز قيمة المواطنة، فلماذا المصادرة؟ وأنا مندهش كيف نعطى الحرية للأمريكان ونؤمن بحرية انتقال البضائع، ونسجن المبدعين فى قفص؟ يجب إدراك أن الفن قادر على حل الأزمات، والأعمال الدرامية تعد جرس إنذار لمخاطر كثيرة». أما الأديب جمال الغيطانى فقال: «الفتنة الطائفية موجودة لكنها أشبه بالنار تحت الرماد، ومن الغباء أن نتجاهلها ونحذفها من الأعمال الدرامية، لكنى لست مستغربا أو مندهشا من موقف الرقابة من مسلسل «أخت تريز» أو مسلسل «عرفة البحر»، لإيمانى بأنه لن تكون هناك حرية للفن والإبداع تحت رايات حكم «الإخوان»، ولا تندهش إذا قلت لك إن اللجنة التأسيسية للدستور لا تضم مثقفا واحدا! فمن أين يأتى التفاؤل والحرية بعيدة وعنيدة أيضا؟». وللكاتب مجدى صابر رأى مغاير ومخالف للرأيين السابقين حيث يقول: «أتصور أن مجتمعنا بخير، وأن الفتنة الطائفية مفتعلة، تماما كما يروج لها نظام «مبارك» لإلهاء الناس عن أزمات مهمة، مثل أزمة رغيف العيش والبنزين وأشياء كثيرة، وأقل وصف لموقف الرقابة من الأعمال التى تعالج قضايا الفتنة أنه موقف مخجل، فنحن نعيش فى عصر المعرفة والسموات المفتوحة، ومن السهل أن تصادف ما يمنعه التليفزيون المصرى على شاشات الفضائيات الخاصة، وأثق فى أن مصر بريئة من الفتنة، والدليل هو مشهد عناق الهلال مع الصليب فى ميدان التحرير، والحقيقة أننى مندهش من تربص الرقابة بمسلسل «أخت تريز» لأنه من تأليف كاتب ليبرالى، هو بلال فضل، وهو إنسان وطنى بالتأكيد همه الأول والأخير تأصيل مبدأ المواطنة. أما الدكتور صابر عرب وزير الثقافة السابق فيرى أن المجتمع المصرى نسيج واحد، لكن يجب الاعتراف بأن هناك من يحاول إثارة الفتنة من وقت لآخر، ويجب إتاحة الحرية للفن حتى يقترب من القضية، ويحاول الإشارة إلى أسبابها ودوافعها حتى ينتبه الجميع ولا نقع فى الفخ، فحرية الفن يجب أن تتسع وتمتد، خاصة أننا فى عصر يتسم بالحركة الدائمة ويرفض الثبات. من ناحية أخرى، تم الاتصال بالدكتور سيد خطاب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية لمعرفة رأيه فى القضية، ولكن تليفونه كان خارج نطاق الخدمة دائما!