قرر مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق ترك منصبه بينما يواجه الإقليم تحديات بعد الاستفتاء بشأن الانفصال عن العراق. وفي رسالة إلى برلمان الإقليم، قال برزاني إنه لا نية لديه لتمديد ولايته التي تنتهي خلال أيام، وأبدى رغبته بأن توزع السلطات التي كان يتمتع بها على مسؤولين آخرين، وطلب من البرلمان الانعقاد لإيجاد من يخلفه في المنصب. وصوت الأكراد الشهر الماضي بأغلبية كبيرة لانفصال الإقليم عن العراق وسط اعتراضات وطلبات بتأجيله من الحكومة المركزية ودول الجوار والدول الأخرى المعنية في الشأن العراقي، واعتبرت بغداد الاستفتاء غير دستوري. وشن الجيش العراقي عملية عسكرية في محافظة كركوك مسيطرا بذلك على حقول النفط في المنطقة التي كانت تحت سيطرة الإدارة الكردية. وحسب تقرير ل"بي بي سي" فإن حلم برزاني (71 عاما) في استقلال كردستان العراق شهد انتكاسة كبيرة إثر الاستفتاء الذي أجرى يوم 25 سبتمبر، على الرغم من التأييد الكبير داخل الإقليم لانفصاله. ولد مسعود برزاني في مدينة مهاباد في كردستان إيران في 16 أغسطس عام 1946 حيث كان والده الملا مصطفى برزاني مسؤولا عسكريا في جمهورية مهاباد الكردية وواصل الدفاع عنها لمدة عام حتى قضت عليها إيران فغادر مع المئات من أنصاره إلى الاتحاد السوفييتي السابق بينما عاد مسعود مع أفراد عائلته وآلاف من أبناء عشيرة بارزان إلى العراق، حيث تم نفيهم إلى الجنوب. عائلة بارزاني لها مكانة دينية في كردستان وتاريخ طويل في العمل من أجل حقوق الأكراد ويعبر برزاني عن قيم وتقاليد المجتمع الكردي العشائري، كما أن لعائلة برزاني مكانة دينية في كردستان، ولها تاريخ طويل في العمل في سبيل حقوق الأكراد إذ أن السلطنة العثمانية أعدمت جده مسعود الشيخ عبدالسلام برزاني عام 1914 بعد قيادته تمردا مسلحا ضد الحكم التركي لكردستان. وبعد الإطاحة بالنظام الملكي في العراق في الرابع عشر من يوليو عام 1958 وعودة الملا مصطفى برزاني سمحت لهم الحكومة العراقية بالعودة إلى منطقة بارزان، وكان مسعود يبلغ من العمر 12 عاما. ونص الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الحديثة ولأول مرة بأن العرب والأكراد "شركاء في الوطن". وفي عام 1961 ترك الدراسة وهو في ال17 من العمر، والتحق بصفوف قوات البيشمركة عندما بدأ والده حملة مسلحة ضد الحكومة العراقية لما وصفه بعدم وفائها بتعهداتها بمنح الأكراد حقوقهم. وشارك مسعود مع شقيقه الراحل إدريس في الوفد الكردي خلال المفاوضات التي جرت مع الحكومة العراقية في بغداد في مارس 1970، والتي أدت إلى صدور اتفاق الحكم الذاتي لكردستان. لكن الطرفين اختلفا مرة أخرى وعادت القيادة الكردية إلى إعلان العمل المسلح حتى عام 1975 عندما أُبرمت اتفاقية الجزائر بين العراقوإيران، والتي ساهمت في إخماده. بعد وفاة الملا مصطفى في الولاياتالمتحدة حيث كان يعالج من مرض السرطان، اختير مسعود برزاني في عام 1979 رئيسا للحزب الديمقراطي الكردستاني، وفي نفس العام تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة في العاصمة النمساوية فيينا أسفرت عن إصابة أحد مساعديه بجراح. بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 وانتفاضة الأكراد ضد الحكومة العراقية بدأ فصل جديد في حياة برزاني السياسية. فقد أعلن التحالف الغربي المنطقة الكردية ملاذا آمنا وسحبت الحكومة المركزية قواتها وإدارتها من المنطقة فتقدم الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لملء هذا الفراغ. وهكذا تحول مسعود من زعيم حزب يشن حرب عصابات ضد بغداد إلى رجل دولة مسؤول عن ملايين المدنيين في مناطق كردستان العراق الخارجة عن سيطرة صدام حسين. كان التنافس مع الراحل جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني من العوامل التي شكلت حياة البرزاني السياسية. في عام 1987 شكل الطرفان وستة أحزاب أخرى جبهة كردستان العراق، غير أن التوتر تصاعد بينهما بعد الانتخابات الإقليمية عام 1992 والتي خاضها الرجلان للفوز برئاسة الإقليم، ولكن لم ينل أي منهما الأغلبية اللازمة. ووصل التنافس إلى ذروته عندما طرد الاتحاد الوطني الكردستاني منافسه الحزب الديموقراطي الكردستاني من إربيل عاصمة الإقليم عام 1994. ومن مقر قيادته في صلاح الدين خارج إربيل شن برزاني حربا ضروسا ضد الاتحاد الوطني الكردستاني في الفترة بين عامي 1994 و1998. وفي عام 1996 طلب برزاني مساعدة حكومة الرئيس السابق صدام حسين، الذي أرسل قوات من الحرس الجمهوري لطرد مقاتلي الاتحاد الوطني من أربيل. وفي المقابل كانت إيران تدعم حزب طالباني، مما أدى إلى انقسام منطقة كردستان العراق إلى منطقتين يديرهما حزبان. برزاني طلب المساعدة من نظام صدام ضد حزب طالباني وبعد اجتماعات عديدة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني برعاية الولاياتالمتحدة وقع برزاني وطالباني في واشنطن اتفاقية سلام في أغسطس عام 1998 بحضور مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية حينئذ. وتعززت هذه الاتفاقية عندما عقد برلمان كردستان جلسة مشتركة وفيها قدم برزاني وطالباني اعتذارا لأسر ضحايا الاقتتال الداخلي. وتعاون الحزبان مع القوات الأمريكية التي غزت العراق عام 2003، وأطاحت بصدام حسين، وشاركا في جميع الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ وكذلك في البرلمان العراقي، وشغل منصب رئيس الجمهورية سياسيان كرديان حتى الآن، كما تشارك الحزبان في مؤسسات الحكم في الإقليم المكون من ثلاث محافظات هي دهوك وأربيل والسليمانية. وفي 12 يونيو عام 2005 انتخب بالإجماع من قبل برلمان كردستان العراق كأول رئيس منتخب للإقليم، وانتخب للمرة الثانية بالاقتراع المباشر عام 2009. ومع انتهاء ولايته الثانية تم التمديد له من قبل الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني لمدة عامين انتهت في شهر اغسطس 2015 وهو ما اعتبرته المعارضة إنقلابا على الدستور وأنه يفتقر إلى الشرعية. وأعلن برزاني قبل فترة وجيزة انه أو أيا من أفراد أسرته لن يترشح في الانتخابات المقبلة وأن أكبر خطأ ارتكبه في حياته كان توليه رئاسة الإقليم. برزاني اعترف بأن أكبر خطأ ارتكبه في حياته كان توليه رئاسة كردستان وبعد هجوم تنظيم داعش في يونيو عام 2014، أرسلت حكومة الإقليم قوات البيشمركة للمساهمة مع القوات العراقية في التصدي لزحف التنظيم فاستعادت مساحات كبيرة منه بمساعدة الطيران الأمريكي.