لو أن الثورة استمرت فى ثوريتها لتغيرت الحياة فى مصر والعالم العربى كله كنت أتمنى أن أكون فى مصر لأشاهد ردود الفعل على وجوه المصريين جراء القرار الثورى للرئيس المصرى بعودة البرلمان المنحل إلى الانعقاد اليوم الثلاثاء حين كتابة هذا المقال من بريطانيا. كالعادة وقف الشعب موقفا متبايناً من القرار؛ فهناك من أيده وفرح به تحزباً وتعصباً للرئيس كإسلامى وكإخوان مسلمين، وكحزب الحرية والعدالة، وكثورى بل قائد ثورة، وهناك من وقف ضد القرار كراهة لعودة البرلمان؛ إذ إن البرلمان فى نظره لم يهتم بالقضايا الكبرى فى التشريع وخاض فى قضايا تقنين زواج القاصرات والدفاع عن شرعية الختان للإناث، والمطالبة بعدم تعليم اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة الكفار، وإلغاء قانون الخلع، وأهمية تجميل أنف النائب البلكيمى. وهناك من وقف ضد القرار كراهة فى أن يسترد الرئيس مرسى صلاحياته الكاملة، وهناك من وقف ضد القرار خشية سيطرة الإخوان المسلمين على مؤسسة الرئاسة. وهناك من الطرفين، وهم القلة، الذين نظروا للقرار نظرة قانونية أو دستورية، وهؤلاء اختلفوا كذلك وهم رجال القانون. والمشكلة فى نظرى ليست فى القرار الذى اتخذه الرئيس مرسى، ولكن المشكلة القائمة والمستمرة هى فى بقاء الثورة واستمرارها وإحيائها بعد أكثر من سنة ونصف السنة، وبعد الاستناد فى بناء المستقبل على النظام الديمقراطى المستورد من الغرب. لو أن الثورة استمرت فى ثوريتها لتغيرت الحياة فى مصر والعالم العربى كله، وكان من الأولى، فى نظرى، الإصرار على دستورية قانون العزل السياسى وتطهير الحياة السياسية والقضائية والعسكرية وغيرها بالكامل، ثم بدء عملية البناء على أسس سليمة فكرية وثقافية وقضائية، ولكن ذلك لم يحدث، وهنا خلل كبير فى الأولويات. دعنا -على سبيل المثال لا الحصر- ننظر فى قراءة محتوى قرار إعادة البرلمان المنحل موضوعياً ونتساءل لعلنا نجد إجابة شافية بعيدا عن الوقوف مع القرار أو ضده. إذا كان قرار حل البرلمان باطلاً، فلماذا لا يكون قرار الرئيس مرسى علاجاً نهائياً وكاملاً ويواصل البرلمان عمله حتى نهاية مدته ولا داعى لانتخابات جديدة، ويتم التحقيق مع من تسبب فى قرار الحل الظالم ومن استخدمه فى أصعب الظروف والأوقات؟ وإذا كان قرار حل البرلمان صحيحاً وقانونياً ودستورياً، فإن قرار الرئيس بعودة البرلمان يعتبر تعدياً على المحكمة الدستورية العليا التى أقسم اليمين أمامها حتى يصبح رئيسا للدولة، ولماذا أعطى الرئيس دروعاً وقام بتكريم من أحيل من كبار قضاتها إلى المعاش وهو يعلم أن من بينهم من شارك فى عملية وفضيحة تهريب الأمريكان المتهمين فى قضايا التمويل الأجنبى؟ يا ليتنا نعود إلى الإنصاف والموضوعية فنكون فى أحزاب سياسية ولا نتحزب، بل نقف مع الخصم السياسى لو كان موضوعياً، ومشروعاته مقبولة وتصب فى مصلحة الوطن، ويا ليتنا نقف من جديد مع القرارات التى تعيد للثورة المصرية حياتها ورونقها الحضارى ونقف جميعا ضد أى قرارات تصب فى صالح النظام الفاسد مهما كان مصدرها، قضائيا أو رئاسيا، أو برلمانيا، أو حكوميا. وهنا لا بد أن نشير إلى أن عامل الثورة يجب أن يكون أهم من أى عامل آخر فى صناعة المستقبل فى بلاد الربيع العربى. النظام الديمقراطى نظام جميل وثمراته عديدة، ولكن لا يقضى على العنصرية فى القلوب ولا الضغينة ولا الكراهية. تلقيت بالأمس وأنا فى بريطانيا رسالة من المجلس الإسلامى البريطانى (MCB) عن أداء قلة قليلة من اليمين المتطرف فى بلد ديمقراطى عتيد، ضد المسلمين، حتى المولودين منهم، فى بريطانيا ولا يعرفون لهم بلداً آخر ولا موطناً غير بريطانيا. درجت تلك القلة العنصرية على إثارة الفتن ضد المسلمين واتهامهم بالعنف والإرهاب، علما بأن المجلس الإسلامى البريطانى يضم فى عضويته 500 مؤسسة إسلامية ويعمل منذ إنشائه عام 1997 على محاربة الجهل والتعصب والعنف والتشدد فى المجتمع ككل، بما فى ذلك الأقلية المسلمة، لكن المجلس والمسلمين فى بريطانيا خصوصاً. بل وأحيانا الملونون يعانون الكراهية التى تسىء إلى الديمقراطية وتتنافى مع أبسط مبادئها، وهذا أيضا يذكرنى بالقلة القليلة من المتشددين باسم الدين الإسلامى فى بريطانيا ومصر وغيرهما، ويكرهون أصحاب الأديان الأخرى وينسى هؤلاء وهؤلاء السماحة والحرية العظيمة فى حق الاعتقاد «لكم دينكم ولى دين» أو «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». لن يستطيع المسار الديمقراطى وحده أن يحل مشاكل مصر ولا الأمة العربية ولا الإسلامية، ويمكن لهذا المسار أن يستنسخ النظام الفاسد القديم مرة أخرى ومرات، ذلك النظام البائد الفاسد الذى تخلصنا منه بفضل الله أولا ثم بفضل الثورة المصرية المباركة، ويا ليت القوانين كلها تكون ثورية حتى تتحقق أهداف الثورة من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وأخيرا أتمنى أن يهمس الرئيس المصرى الثورى فى آذان ملك السعودية وأمرائها وحكامها عند اللقاء معهم، بأن يقولوا لنا متى يخرج الجنود الأمريكان من الخليج، خصوصاً أن صدام حسين الذى جاءوا من أجله كما يزعمون قد غاب عنا من عدة سنوات، ويا ليت الرئيس المصرى يناقش مع حكام السعودية مسألة الأمة العربية والإسلامية الواحدة وموقفها من فلسطين الحبيبة حتى نلجم جوزيف ليبرمان، عضو الكونجرس الأمريكى، ونرد على مقولته العجيبة: «عندما نتمكن من تقوية الأغلبية الإسلامية المعتدلة لتقف وتواجه وتهزم الأقلية المتطرفة، عند ذلك نكون قد بنينا مقبرة ندفن فيها أحلام من يعمل على قيام إمبراطورية إسلامية». والله الموفق.