شيع الآلاف من أبناء قرية الشيخ "راجح"، بمركز أبوتيج، بمحافظة أسيوط، أمس، جثمان شهيد الواجب "ثروت محمود"، إلى مثواه الأخير، مرددين هتافا واحدا هو: " لاإله إلا الله.. الشهيد حبيب الله". واتشحت القرية بالسواد، حدادا على الشهيد، ذي ال33 عاما، والذي قضى نحبه، أول أمس، دون عمله، تاركا زوجة شابة، وطفلين في عمر الزهور، وأما ثكلى وأبا مكلوما، لم يحتمل صعوبة المشهد، فراح يلطخ وجهه وملابسه بالطين. "الوطن" انتقلت إلى منزل أسرة الشهيد، ورصدت الجنازة عن قرب، واقتربت من أقارب الشهيد وجيرانه، الذين عددوا مآثره. والد الشهيد، الذي كان منهارا أثناء الجنازة، قال إن ابنه التحق للعمل في وزارة الداخلية كفرد شرطة في فرق قوات الأمن منذ 9 سنوات، ورغم ضآلة راتبه، الذي لم يكن يتجاوز 900 جنيه، إلا أنه كان كريما سخيا، لا يخذل من يسأله شيئا، وكان لا يبخل علينا وإخوته الثلاثة، رغم أنه يعول زوجة وطفلين. وأضاف والد الشهيد، الذي غطى الطين جلبابه: "أنا رجل بسيط، عامل باليومية في القاهرة، تلقيت اتصالا يوم الأربعاء الماضي، بإصابة ابني في الاشتباكات، فانتقلنا إليه في محل عمله، فوجدناه لفظ أنفاسه، متأثرا برصاص من لا يعرفون الرحمة".. ثم صمت قليلا، وأردف بعدها باكيا: "ماذا فعل ابني ليقتلوه، ربنا ينتقم منهم؟" ثم يختتم الأب قائلا: "الشهيد ثروت كان أخويا وابني، وكان عليه حنية تسع الدنيا كلها". أما أم الشهيد، الحاجة "عواطف"، التي انهارت من كثرة البكاء، فلم يتوقف لسانها عن ترديد جملة واحدة، هي: "حبيبي راح.. ولدي راح، حسبي الله ونعم الوكيل، منهم لله". وتحكي والدة الشهيد، الساعات الأخيرة، التي شهدت استشهاد فلذة كبدها، قائلة: "قلبي كان مقبوضا من أول الصباح، واتصلت به، وقلت له ياحمادة: خلي بالك من نفسك، أنا خايفة عليك من اللي بيحصل، يا ولدي دول بيضربوا في الشرطة"، ثم صمتت لحظة، وأكملت بعدها: "قال لي متخافيش يا ست الكل، إنتي بس إدعي لي". وتابعت أم الشهيد: "ولدي غلبان، وعمره ما أذى حد، وكان كريما مع الناس كلها"، ثم أكملت:" كان واحشني ونفسي أشوفه". أما زوجة الشهيد، فقالت ل"الوطن": "كنت خايفة عليه، وطلبت منه يغيب من الشغل في اليوم ده، قال لى: ما أغيبش عن شغلي أبدا، رغم أن الأولاد كانوا ماسكينه من رجليه، وهو طالع الصبح ومش عايزينه يخرج من البيت"، وتابعت: "حسبي الله ونعم الوكيل في اللي قتلوه.. حسبي الله ونعم الوكيل في الإخوان". وكشف مصطفى عبده، عم الشهيد، عن أنه طلب من الفقيد، الاستقالة من عمله بعد ثورة يناير، ويبحث عن عمل آخر، خوفا على حياته فقال لي: "يا عمي ده واجب، وأنا بشتغل في الداخلية.. نصيبنا إحنا نخاف علشان الباقيين يعيشوا في أمان".