«لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معًا ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يومًا من أهم وأخطر، بل أعظم وأمجد أيام تاريخنا»- «ربما جاء يوم نجلس فيه معًا لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله»- «سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منّا في موقعه، وكيف حمل كل منّا أمانته وأدَّى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء»- من «خطاب النصر» للرئيس محمد أنور السادات خلال افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب في 16 أكتوبر 1973. أول من أمس الأربعاء احتفل المصريون بالذكرى الرابعة والأربعين لانتصارات حرب السادس من أكتوبر 1973، واستعادوا ذكريات النصر وكيف انتزع الجنود رفقة الضباط والقادة الأرض من تحت أقدام العدو الإسرائيلي المتغطرس التي اغتصبها في حرب 5 يونيو 1967، وفي الفترة من «هزيمة حزيران» مرورًا ب«حرب الاستنزاف» وانتهاء ب«حرب التحرير». غدًا الأحد الثامن من أكتوبر بعد يومين فقط من الاحتفال بذكرى «العبور»، يوم فاصل في تاريخ الكرة المصرية وتاريخ شعب كروي «حتى الثمالة»، إذ تحسم نتيجة الفوز لمنتخب مصر أمام الكونغو في الجولة الخامسة من تصفيات إفريقيا المؤهلة إلى كأس العالم (روسيا 2018)، حلم طال انتظاره منذ آخر مشاركة في مونديال 1990، وهو الوصول إلى كأس العالم. اليوم السبت، منح المنتخب الغاني، نظيره المصري فرصة التأهل إلى كأس العالم على طبق من ذهب عندما تعادل مع منتخب أوغندا على ملعب «مانديلا الوطني» بنتيجة سلبية (0-0)، إذ تضاءلت فرص كل من «النجوم السوداء» و«الرافعات» في مقابل ارتفاع حظوظ «الفراعنة» في حسم بطاقة التأهل من الجولة قبل الأخيرة، دون انتظار نتيجة الجولة الأخيرة. في هذا التقرير تقرأ مقاربة للأحداث التي مرَّت بها الجيش المصري منذ حرب يونيو 67 وحتى انتصار أكتوبر 73، والأحداث التي مرّ بها المنتخب المصري منذ آخر مرة تأهل فيها في العام 1990 وحتى اليوم الذي يشيع بين المصريين فيه أمل كبير بالصعود إلى كأس العالم. * الهزيمة في الخامس من يونيو 1967 مُنيت الجيوش العربية بهزيمة أمام العدو الإسرائيلي، وأدت إلى احتلال إسرائيل لمناطق شمال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، ومع مد الخط على استقامته مُني المنتخب المصري لكرة القدم بهزائم متتالية في رحلة البحث عن أرض جديدة تُرفع فيها لافتات تشير إلى مشاركة «الفراعنة» في كأس العالم. تاريخٌ من الأحلام الموءودة بدأ منذ 27 عامًا مرّ بست محطات في (1994، 1998، 2002، 2006، 2010، 2014)، وطيلة هذه الفترة تعاقب على كرسي «المدير الفني» أسماء كبيرة أبرزها: محمود الجوهري، فاروق جعفر، تارديللي، حسن شحاتة، وبوب برادلي. خلال هذه المدة الطويلة التي لم ير فيها المنتخب شمس كأس العالم، تعلَّقت الآمال على نجوم بزغوا في سماء الكرة المصريَّة وحلَّوا نجومًا، ومنهم: حسام حسن، هاني رمزي، أيمن منصور، أحمد الكأس، حازم أمام، أحمد حسن، إسماعيل يوسف، محمد بركات، طارق السعيد، أحمد حسام ميدو، محمد أبو تريكة، عبد الظاهر السقا، محمد شوقي، حسني عبد ربه، عصام الحضري، أحمد فتحي، ومحمد صلاح. وغير هؤلاء انضم إلى كتيبة المنتخب المئات من اللاعبين الذين راودهم الحلم نفسه الذي تاقت إليه أنفس الملايين ولم يتحقق. * الاستنزاف عاد الجنود إلى ثكناتهم غير أنَّ مراراة الهزيمة ظلت عالقة في حلوقهم، وسرعان من شرعوا في حرب جديدة سميّت ب«حرب الاستنزاف» وهو المصطلح الذي أطلقه الزعيم جمال عبد الناصر، أنهكوا فيها العدو الإسرائيلي، على ضفتي قناة السويس. تغلَّبت خلال هذه الحرب قوات «الصاعقة المصرية» على الطائرات الفانتوم الأمريكية، مستعينة بالخبراء السوفييت وصواريخ الدفاع الجوي السوفياتية لتأمين العمق المصري، وانتهت مواجهاتها بقرار الرئيس «عبد الناصر والملك حسين» قبول مبادرة «روجرز» لوقف إطلاق النار، وفي المقابل يخوض «منتخب الساجدين» كما أطلق عليه في السنوات الأخيرة حربًا منذ 27 عامًا كاملة لم ير فيها جيل بأكمله أعلام مصر ترفرف في ملاعب كأس العالم. تعاقب على الراية لاعبون كبار طالما أمل المصريون في رؤية أقدامهم تلامس الكرة على العشب الأخضر في كوريا واليابان وألمانيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، على الترتيب، أبرزهم اللاعب الأفضل بين أبناء جيله محمد أبو تريكة «أمير القلوب» و«الماجيكو» الذي نال حبًا لم يناطحه فيه لاعب آخر من أقرانه. * العبور أمس الجمعة، احتفل المصريون بذكرى «نصر أكتوبر العظيم»، واليوم وفي السابعة مساءً في ستاد «برج العرب» بالإسكندريَّة، تدخل كتيبة محمد صلاح نجم ليفربول الإنجليزي «المسلحة» بدعوات الملايين وأزير الجماهير داخل الاستاد وعلى المقاهي وفي البيوت والورش والمصانع والشركات. الملايين «على أعصابها» في أهم وأعظم 90 دقيقة كروية في تاريخ مصر الكروي منذ 27 سنة، تحبس أنفاسها أملًا في اقتناص لحظة لم يعشها جيل كامل من الشباب وجيل من الآباء لم يرها منذ أكثر من عقدين، لاقتناص بطاقة التأهل إلى كأس العالم في روسيا. «ربما جاء يوم نجلس فيه معًا لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله»- من «خطاب النصر» للرئيس محمد أنور السادات خلال افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب في 16 أكتوبر 1973.