«بكره تفهم».. أكيد كل واحد فينا سمع الجملة دى على الأقل مرة واحدة فى حياته. وأكيد أكتر سؤال بيترد عليه ب«بكره تفهم» هو طبعاً: «أنا جيت إزاى يا ماما؟». ورد الأم فى الغالب بيكون: «بكره تفهم يا حبيبى». بس أنا بصراحة متقالتليش «بكره تفهم» دى كتير، إلا مرة أو مرتين، ودا لأن أمى بتتبع مبدأ من وإحنا صُغيرين هو «إذا الطفل سأل سؤالا فهو قادر على استيعاب الإجابة». عشان كده ماحتاجتش جملة بكره تفهم لما سألت عن إزاى أنا جيت؟ أو يعنى أيه الحب؟ أو يعنى أيه شذوذ، وليه قوم لوط ربنا غضب عليهم؟ كل الأسئلة دى وأكتر، عرفت الإجابة عليها بطريقة مباشرة جداً من أمى. ولكن وأنا عمرى 13 سنة سمعت أول «بكره تفهمى» فى حياتى، ودى لما قلت لماما: أنا عايزه ألبس خمار. ردت علىّ أمى وقالت: «هو أنتِ أول ما تشطحى تنطحى، انتِ لسه صُغيرة، بس لو عايزة البسى حجاب فى الأول وإن عجبك اتحجبى، وبعد سنة ولا اتنين لو لسه عايزة تلبسى خمار مش هامنعك». ولما أصررت عليها، قالت لى: اسمعى كلامى، واستمتعى بسنك وحريتك، وبكره تفهمى. ومرت الأيام ولبست الطرحة وقلعتها ولبستها تانى وقلعتها تانى، وفى تالتة ثانوى بدأت أعرف يعنى إيه التدخل فى خصوصيات الناس بالشكل اللى يمنع حريتهم، ومن هنا بدأت أفهم فعلاً معنى كلمة أمى «بكره تفهمى».. وهاقول لكم كام موقف حصل لى من تالتة ثانوى لحد دلوقتى خلونى أفهم. كان أول موقف هو جملة سمعتها من بنت زميلتى فى الثانوية قالتها وكررتها كتير لحد ما زهقتنى، وكانت: أنتِ مش لابسة حجاب ليه، دا أستاذ العربى دايماً فى حصة الدين يبُص لك، لأنه فاكرِك مسيحية. وتانى موقف وأنا فى الكلية، لما كنت رايحة أشترى كتاب دينى من مكتبة دينية، والموقف كان كالآتى: دخلت المكتبة عشان أدفع تمن الكتاب اللى عجبنى، وبعد ما دفعت الفلوس، الراجل اللى واقف فى المكتبة ادانى الكتاب مع ورقة فيها أحكام لبس البنطلون. والموقف دا بقى حصل كتير لحد ما خلانى مش عايزة أدخل أى مكتبة دينية. ولما حكيت لأصحابى لقيت كل واحدة منهم بتعانى من نفس المشكلة، بس كل واحدة حسب حالتها، يعنى اللى بشعرها بتاخُد ورقة أحكام عدم لبس الحجاب، واللى ببنطلون تاخُد أحكام لبس البنطلون... وهكذا. والموقف التالت حصل وأنا ماشية فى الشارع، لقيت واحدة وقفتنى أنا وأختى وقالت لنا: عايزين تخشوا الجنة؛ البسوا النقاب. مع العلم ان كان ماشى قدامنا بنتين لابسين لبس ضيق جداً وحتى مش متحجبين، ورغم كده سابتهم وجت تكلمنا إحنا.. وتقول لنا ليه إذا كانت هىَّ نفسها مش لابسة نقاب. دا كله ولسه بقى التحرشات اللفظية اللى بالكلام، والتحرشات التانية اللى بتوصل للّمس.. وأهى كل المواقف اللى زى دى ومواقف غيرها كتير فهمتنى قصد أمى بجملة: استمتعى بسنك وحريتك وبكره تفهمى. فهمت أن حرية المرأة كالمرأة، مقيدة بالأغلال.