يحاول البعض إثارة الوقيعة بين الكنيسة والنظام تحت وهم أن «الصدام» مع الدولة وسياسة لىّ الذراع هما الحل، وبالقطع يتم تشويه الصورة لأن مصر مقبلة على انتخابات رئاسية، وأصوات الأقباط لها وزنها وثقلها. وللأسف يستغل البعض تسامح البابا «تواضروس» الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، ومواقفه المعتدلة لإدانته، فكيف يفتتح البابا كنيسة فى اليابان بينما أقباط صعيد مصر يصلون فى الشارع؟! لقد ذهب البابا إلى اليابان لافتتاح أول كنيسة مصرية هناك، وهى كنيسة تابعة لإيبراشية سيدنى باعتبارها الأقرب لها، ليبدأ البابا «تواضروس» أولى مراحل خطته للتوسع فى القارة الآسيوية ونشر رسالة القديس «مارمرقس الرسول» هناك، حيث أعلن أنه ينوى تأسيس كنيسة جديدة فى تايلاند بعدما ابتعث كاهناً لافتقاد دار مسنين تابعة للكنيسة القبطية هناك، وهو يرفع شعار «هذه الكائنة فى أقاصى المسكونة إلى أقاصيها» حالماً بحمل بشارة الإنجيل فى تلك البلاد التى تنتشر فيها الديانات غير السماوية.. ألا يقدّر كل مسيحى مصرى هذا الدور؟ يؤمن البابا «تواضروس» أنه «رسول محبة»، ولهذا قال فى لقائه مع الإعلامى «أسامة كمال» على قناه Dmc إنه «بعد نجاح ثورة 30 يونيو بدأت فترة حرق الكنائس فى مصر، وكنت متأكداً أن تلك الأفعال ليست من صنع أشقائنا المسلمين»، مشيراً إلى أن الله ألهمه جملة قالها بعد حرق الكنائس وهى: «لو حرقوا الكنائس هنصلى فى الجوامع مع المسلمين، ولو حرقوا الجوامع هنصلى إحنا والمسلمين مع بعض فى الشوارع».. وروى بابا الإسكندرية موقفاً حدث معه من جيرانه المسلمين عند وفاة والده، حيث فتحوا له منزلهم ليتلقوا عزاء والده لأن مساحة المنزل كانت أكبر من منزله. ولهذا يرفض بشدة أى محاوله لتدويل «قضية الأقباط» أو إشعال الفتنة الطائفية رغم ما يعانيه الأقباط من مشكلات، فهو يدرك جيداً أن «مصر قبطية» وأن واجبهم الحفاظ على هويتها وتماسكها، وإبعاد شبح التدخل الخارجى بحجة «حماية الأقليات».. لأنهم أصلاً ليسوا أقلية! وفى لقاء البابا «تواضروس» مع «إنجيلا ميركل»، المستشارة الألمانية، لم يُشر قداسة البابا مطلقاً إلى حرق الكنائس وقتل المصلين وغيرها مما يعيش الأقباط من محن داخل وطنهم، ورفض بحسم تلميحها لاضطهاد الأقباط فى مصر، بل أخبرها أن الأقباط تحسنت أوضاعهم بعد 30 يونيو! ولمن يصور البابا وكأنه تخلى عن شعبه فى مصر وذهب فى جولة خارجية شملت اليابانوأستراليا لافتتاح أول كنيسة فى اليابان، فقد استمع البابا «تواضروس» هناك لشعبه، استمع للجيل الجديد من المهاجرين فى أكبر الجاليات القبطية، وفى تلك الزيارة التقى البابا بما يقرب من 2500 شاب من أبناء الجالية القبطية فى سيدنى، ووجّه رسالة طمأنة لأبنائه من الطيور المهاجرة. كما رتّب البابا أوضاع إيبراشيات أستراليا، وكان مبعوثاً شعبياً وروحياً لتصحيح الصورة المغلوطة عن مصر، فأجاب عن أسئلة الإعلام الغربى حول الأوضاع فى مصر وعلاقة المسلمين والأقباط لتصحيح صورة مصر فى الخارج وإبطال مزاعم الإعلام العالمى حولها. خلال الحفل الذى أقيم على شرفه بالقنصلية المصرية فى ملبورن، قال قداسة البابا إن العالم لم يكن يعرف ما يسمى ب«فن الأعمدة» وإن مصر فى الحضارة الفرعونية القديمة اخترعت فن الأعمدة، فاخترعت المسلة التى صارت علامة حاضرة فى الحياة. وقال البابا: «عندما جاء الإسلام إلى مصر لم يكن يعلم بما يسمى المئذنة فتحولت المسلة فى العهد الفرعونى إلى المئذنة فى العصر الإسلامى وصارت علامة مميزة للجوامع والمساجد، فمصر هى التى علمت العالم كله فن الأعمدة». لم يتحدث عن الفنون التشكيلية الرائعة التى تتحلى بها كنائس العالم، بل خرج يتحدث عن حضارة مصر التى حولت «المسلة» إلى «مئذنة»! من منا يتحلى بهذا الوجدان الراقى، بذلك الفكر الذى يتجاوز العنصرية والتمييز، ليعلى قيمة «الوطن»؟ قطعاً يتألم البابا كلما اختُطفت فتاة مسيحية، أو تم تهجير أسر قبطية من العريش، لكنه حتى فى تفسيره للاعتداء على الكنيسة الكاتدرائية، أكبر كنيسة فى الشرق الأوسط فى عام 2013، يقول: «كان لدىّ شعور فى تلك الفترة التى تزامنت مع حكم الإخوان أن مصر بتتسرق».. لا تمزقوا الوطن لأن بيننا أعداء يفرضون علينا الإرهاب والعنصرية. مصر لم تتطهر بعد من حوادث الاغتيال والتفجير والقتل، والإرهاب يسرى على المسلم والمسيحى، مصر حتى الآن تحكمها «ثقافة الكراهية» و«خطاب التكفير».. لكن المسيحى يقابل الإساءة بالغفران، والإقصاء بالمحبة، واللعنات بالصلاة من أجل اللاعن. البابا «تواضروس» قدم درساً فى «اللُحمة الوطنية»، حتى لا تدخل مصر فى نفق الحرب الأهلية الذى غرقت فيه لبنان، فلا تُفسدوا علاقة قداسة البابا بالرئيس «عبدالفتاح السيسى»، ولا تحولوا توقيت الانتخابات الرئاسية إلى «موسم ابتزاز».. كونوا كما عهدناكم دائماً: دعاة محبة وتسامح، وأهل صبر وتجاوز عن تدنى الآخرين.. كونوا كما أنتم دعاة التنوير فى مجتمع تحكمه «ثقافة داعش».. فكلنا متضررون، وجرحكم ينزف من قلوبنا. سلاماً على أهل الكنائس التى يتردد عليها كل مسلم ليشعل «شمعة» للسيدة «مريم» العذراء البتول.. وسلاماً على قداسة البابا «رسول السلام»؟