20 دقيقة فقط، كانت هى مدة الرحلة النيلية التى قضاها 28 متنزهاً فى «مركب المعلم»، وسرعان ما تحول خط السير من رحلة تنزه إلى رحلة إلى الآخرة، بعد أن اصطدم المركب بقاعدة عمود خرسانى بكوبرى 6 أكتوبر، ليبدأ معها صراع الركاب مع الموت لمدة 10 دقائق استطاع خلالها رجال الإنقاذ النهرى والعديد من سائقى المراكب من إنقاذ البعض، بينما ابتلع النيل 8 منهم. تحولت فرحة ركاب المركب من الغناء والرقص والاستمتاع بالمناظر الطبيعية إلى صرخات وبكاء وعويل بعد أن بدأ المركب فى الغرق، لكن العديد من سائقى المراكب أسرعوا إليهم وحاولوا إنقاذهم، ونقلهم إلى مراكب أخرى، إلا أن سائق المركب رفض الوقوف، وأصر على السير حتى غرق المركب فى المياه. بدأت الواقعة فى الساعة 10 من مساء أمس الأول عندما استقل الضحايا والمصابون «مركب المعلم» الذى يحمل أرقام «6274» من أسفل كوبرى قصر النيل، وأثناء سير المركب بسرعة فى اتجاه كوبرى 6 أكتوبر فقد قائده السيطرة عليه، وسرعان ما اصطدم المركب بعمود خرسانى أسفل كوبرى 6 أكتوبر، ما نجم عنه حدوث تلفيات فى مقدمة المركب وجانبه، الأمر الذى أدى لإحداث فتحة بجسم المركب أدت إلى تسرب المياه، وعندما تعالت صرخات الركاب، تجمع 3 من سائقى المراكب، من أجل إنقاذهم، إلا أن سائق المركب مدحت حسين «30 سنة» رفض الوقوف، واستمر فى السير، حتى خطّ بطيشه نهاية مأساوية للركاب. تجمع عشرات من المارة وسائقى المراكب ورجال الإنقاذ النهرى الذين بدأوا فى انتشال الغرقى، وتم إسعاف المصابين فى الحال بعد أن هرعت سيارات الإسعاف إلى مكان الواقعة، ونُقلت ربة منزل إلى مستشفى المنيرة العام بعد أن ساءت حالتها الصحية، ولا تزال فى غرفة العناية المركزة فاقدة للوعى، فى حين تم انتشال 3 جثث، هم: على حسين محمود «54 سنة»، مبيض محارة، وبسنت حنفى إسماعيل «16 سنة»، وجثه أخرى مجهولة الهوية فى العقد الثالث من العمر. سادت حالة من الاحتقان بين أهالى الضحايا الذين قاموا بقطع طريق كورنيش النيل أمام مبنى ماسبيرو لمدة نصف ساعة احتجاجاً على عدم حضور أى من المسئولين من المحافظة وتقاعسهم عن أداء واجبهم تجاه الحادث. وذكر أحد أهالى الضحايا أن أحد أفراد الإنقاذ النهرى قال له: «هاتوا غواصين على حسابكم هما مش هينفعوكم»، وأضاف أن النيابة هى الجهة الوحيدة التى اهتمت بالموضوع وحضرت على الفور، إلا أنهم وافقوا على إعادة فتح الطريق بعد محاولات العديد من رجال الشرطة الذين تعهدوا لهم أن أعمال البحث سيتم تكثيفها حتى يتم استخراج جميع جثث الضحايا. من جهتها، أمرت نيابة بولاق أبوالعلا، برئاسة المستشار على داود، بسرعة ضبط وإحضار «عبد الله سيد زكى» مالك المركب، وقائد المركب «مدحت حسين»، وصرحت بدفن جثث الضحايا الذين تم انتشالهم، وتكليف الإنقاذ النهرى باستخراج الباقين. وكشفت معاينة النيابة عن وجود تلفيات فى مقدمة المركب إثر إصطدامه بقاعدة الكوبرى الخرسانية، مما تسبب فى حدوث فتحة كبيرة فى الألواح الخشبية المكون منها جسم المركب تسربت منها المياه، وأدت لغرق المركب. وأثبت التقرير أن وفاة الضحايا ناتجة عن «إسفكسيا الغرق»، وأمام على داود رئيس النيابة أقر المصابون أنهم استقلوا المركب من أسفل كوبرى قصر النيل بقصد التنزه، وامتلأ بهم المركب وبدأ فى السير بشكل سريع، حتى اصطدم بالعمود الخرسانى للكوبرى، ولم يستطع السائق السيطرة أو التحكم فيه، وعندما طلب منه الركاب أن يرسو بهم أو أن يستعين بأى مركب آخر لنقلهم، طلب منهم الهدوء ثم أدار المركب مرة أخرى، وبعد لحظات بدأ فى التمايل جهة اليمين وغرق. رحلة أسرة «محمد» من السطح إلى القاع كان همه الأول والأخير إدخال السعادة على أسرته، فاصطحب محمد على «25 سنة» محاسب، زوجته وطفليه «عمرو» 4 سنوات، و«فارس» الذى لم يتجاوز عمره شهراً، من منزله بمنطقة السلام لزيارة والدته ووالده بالزاوية الحمراء، وأثناء التحدث عن الاحتفال بمرور شهر على ميلاد الصغير «فارس» اقترح والده على أفراد الأسرة الذهاب من أجل التنزه فى النيل، فوافق الجميع وخرجوا إلى «رحلة الموت». لم تستغرق سعادة هذه الأسرة سوى دقائق معدودة، وسرعان ما بدأوا يصارعون الموت حيث ابتلعت المياه جثث 3 منهم، وهم «محمد على، ووالده، ونجله فارس»، فى حين نجت والدته «حنان عبدالعليم» التى أصيبت بغيبوبة كاملة، استمرت لأكثر من 5 ساعات تسببت فى إصابتها بجلطة فى المخ، من هول الحدث، كما نجت زوجته وطفلهما «عمرو» بعد أن تمكن رجال الإنقاذ من انتشالهما من المياه. يحكى إيهاب جاب الله «31 سنة» موظف، تفاصيل الواقعة قائلاً: إن ابن عمته محمد اتصل به يوم إجازته -الجمعة- وطلب منه الخروج معهم فى نزهة نيلية، إلا أنه اعتذر بسبب انشغاله فى عمله كعامل فى محطة وقود، ولم يتمكن من الحصول على إجازة فى هذا اليوم، وبعد انتهاء العمل توجه إلى منزله، وفوجئ باتصال هاتفى من جيران «محمد» يخبرونه بأن ابن عمته وأسرته تعرض مركب يقلهم فى النيل للغرق، فأسرع إلى مكان الحادث فوجد عمته داخل سيارة إسعاف، وبجوارها زوجة «محمد» وطفلها «عمرو» وظلوا تحت جهاز التنفس الصناعى لمدة نصف ساعة إلى أن استقرت حالتهم وتم صرفهم، ولكن سرعان ما أصيبت عمته بجلطة فى المخ بسبب صرخاتها وبكائها وتم نقلها إلى المستشفى. أما «على رياض» فقال إن والدته طلبت منه اصطحابها من أجل قضاء يوم الإجازة خارج المنزل، إلا أنه انشغل بمرض زوجته، فاتصل بوالدته وأخبرها بعدم قدرته على الحضور، وفى ساعة متأخرة من الليل تلقى اتصالاً من شقيقه الأصغر يخبره بغرق والدته فى مياه النيل.