ينظر بعينيه الملونتين إلى 3 وريقات تحملها إليه مديرة مكتبه، يمهر الأولى بتوقيعه، فيتحول من أرصدته البنكية مبلغ قيم على شكل تبرع لمستشفى سرطان الأطفال وترتسم على وجهه بوادر ابتسامة، يمعن النظر فى الثانية ويوافق على دعم مالى إضافى إلى مؤسسته الخيرية التى تحمل اسمه، فتزداد الابتسامة اتساعا، يطيل النظر قليلا فى الورقة الثالثة، يرفع عينيه إلى السيدة الواقفة أمامه، ثم يمنحها توقيعه بسرعة أكبر، ويستند إلى كرسيه متنهدا، تحاول جاهدة أن تسأله عن تبعات هذا القرار؛ رئيسها ومالك أكبر مصنع لإنتاج السيراميك فى العالم العربى، وقع لتوه مرسوما بفصل 6 آلاف عاملٍ من إحدى مؤسساته! يومئ إليها بإشارة ذات مغزى: «أعرف جيدا ما أفعل»! ثم تنصرف. يطلقون عليه إمبراطور السيراميك فى الشرق الأوسط، يحمل مع جنسيته المصرية الجنسية الإيطالية، يخبره محاميه الخاص أن ثمة قرارا ثانيا بمنعه من السفر صدر منذ دقائق، ينظر إلى طائراته الخاصة الثلاث ويتحسس رخص القيادة فى جيب بنطاله، محمد أبوالعينين بات حبيساً داخل وطنه «الأول» للمرة «الثانية» فى أقل من عامين. بثبات يصرح لوسائل الإعلام التى يملك بعضها: «هذه ليست المرة الأولى التى يصدر ضدى قرار بمنعى من السفر»، وكأن لسان حاله يقول كالمرات السابقة: سوف تنتهى الأزمة بخروجى من المشكلة كما تخرج الشعرة من العجين وأنا برىء ما لم تثبت إدانتى. يثق دوماً فى البراءة، وكما نال البراءة فى قضية «أقراص الفياجرا» التى تورط فى تهريب مليونى قرص منها، فقد تمت تبرئته من قضية «موقعة الجمل» ب«كفالة» إثر اتهامه بالتحريض على قتل المتظاهرين. تراجعت صورة رجل الأعمال الثرى فى أذهان الملايين عقب الثورة التى نادت بالعدالة الاجتماعية، وتخفيف آثار الطبقية. بزيادة فى النشاط الاجتماعى يسعى لإعادة بناء صورته، اعتاد لعب الدور الاجتماعى ذاته كلما شابت صورته شائبة، أو طاله اتهام فى قضية أو شرع فى الاستعداد لانتخابات مجلس الشعب. ستون عاماً عاشها أبوالعينين، كانت حياته خلالها أشبه بفيلم درامى يسافر خلاله البطل إلى إيطاليا، عازماً العمل بعيداً عن التجارة، ويتزوج من طليقة صاحب أحد مصانع السيراميك فيحصل من خلال هذه الزيجة على الجنسية الإيطالية، ثم يعود إلى بلاده عودة المنتصر شاحناً معدات وماكينات أول مصنع للسيراميك تحمله مصر فوق أرضها. تزداد تجارة رجل السيراميك ليصبح مالكا لسلسلة من الشركات والمصانع هى الأولى من نوعها فى الشرق الأوسط فى مجال صناعة السيراميك والبورسلين، ويقف على أعتاب قلاع السياسة طارقاً أبوابها فيدخلها نائباً برلمانيا، ثم رئيساً للجنة الصناعة والتجارة فى مجلس الشعب فى عهد رئيس كان يرعى فى أواخر أيامه تزاوج المال بالسياسة.